تشهد الأزمة السورية تطورات مغايرة خلال المرحلة الراهنة في ضوء التغير الحادث في السياسة التركية تجاه النظام السوري، بالإضافة إلى التطور الحادث في العلاقة بين تركيا وهياكل المعارضة السورية الموالية لها، وكذلك عودة الغارات الجوية التركية على مناطق الشمال السوري منذ 20 نوفمبر الماضي، والتي تستهدف قوات سوريا الديمقراطية.
وفي الوقت الذي بدت فيه تركيا حريصة على تسكين أوجاع الأزمة مع النظام السوري من خلال العمل على الانفتاح على نظام الأسد، وعودة العلاقات السياسية؛ إلا أنها لم تتخلَّ عن توظيف القوة الصلبة، وظهر ذلك في عسكرة الأزمة في الشمال السوري في ظل اتهاماتها المتواصلة لقوات “قسد” بدعم العمليات الإرهابية التي نُفذت على أراضيها، وآخرها تفجيرات شارع الاستقلال بمنطقة تقسيم السياحية في 13 نوفمبر الفائت، وهو ما دفع تركيا إلى التهديد بالاجتياح البري للشمال السوري.
وارتبط هذا التحول تجاه الأزمة السورية بعدة دوافع، أولها: ضغوط القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في المشهد السوري، وبخاصة موسكو وطهران، وظهر ذلك في تأكيد الرئيس التركي على أن نظيره الروسي طلب منه ضرورة كسر مساحات التوتر مع دمشق عشية قمة سوتشي الأخيرة بينهما في 5 أغسطس الماضي. فقد طلب بوتين خلال اللقاء من أردوغان التعاون مع بشار الأسد، مؤكداً أن حل الأزمة السورية سيكون أفضل بالتعاون مع الحكومة السورية. ونظراً لأن تركيا ترغب في تنفيذ عملية عسكرية في شمال سوريا ضد الأكراد، فإن موقف بوتين ربما يشير إلى إمكانية موافقته عليها إذا ما توصلت الحكومتان السورية والتركية لاتفاق حول هذا الأمر. وقد يكون الانفتاح التركي اللاحق على الحكومة السورية مؤشراً على استجابة أنقرة لمطالب روسيا.
وثانيها: رهان تركيا على أن ترطيب العلاقة مع دمشق قد يوفر لها بيئة خصبة للتخلص من أزمة اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها، حيث باتت قضية اللاجئين تمثل عبئاً على أعصاب النظام التركي، وتزيده انغماساً في همه الداخلي، خاصة مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي المقرر له منتصف العام الجاري. وثالثها: يرتبط برغبة أنقرة في تنسيق التعاون العسكري مع قوات النظام السوري لمواجهة قوات سوريا الديمقراطية، بالإضافة إلى تعزيز التوافق مع نظام الأسد لتأسيس منطقة عازلة على حدودها مع سوريا.
وراء ما سبق، فإن السياسة التركية الجديدة تجاه الأزمة السورية لا تنفصل عن رغبة أنقرة في توظيف التوتر بين القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في الأزمة السورية، وتجد تركيا أنها في موقف أفضل يمنحها فرصة أكبر لتحقيق أهدافها، والتأثير في مجريات المشهد السوري. وتراهن تركيا في هذا الصدد على أن التوتر الذي يتسع نطاقه حالياً بين الأطراف الخارجية على الساحة السورية سوف يفرض مزيداً من الضغوط على القوى المناهضة لمصالحها في الجبهة السورية.
على صعيد ذي شأن، فإن التحول اللافت في السياسة التركية يأتي في سياق مساعي تركيا لتحييد الضغوط الغربية عليها في القضايا الخلافية، والتي وصلت إلى الذروة بإدانة الرفض التركي للحاق السويد وفنلندا بحلف الناتو، فضلاً عن الدعم الأمريكي لليونان في مواجهتها مع تركيا.
من جملة ما سبق، يمكن القول إنه من المتوقع أن تسفر السياسة التركية الجديدة عن حدوث تطورات فارقة بشأن مستقبل الأزمة السورية وتفاعلاتها، أهمها إعادة هيكلة المعارضة السورية المناهضة للأسد والمدعومة من تركيا، حيث يتوقع تفكيك هذه المعارضة أو على الأقل دعم انخراطها في مفاوضات مع نظام الأسد خلال المرحلة المقبلة، خاصة أن ثمة مؤشرات كاشفة عن رغبة أنقرة في إعادة هيكلة المعارضة السورية الموالية لها. كما يتوقع أن يساهم التقارب التركي السوري برغم التحديات الماثلة أمام عملية التطبيع، في دعم شرعية الأسد، ومنحه قدراً من الأريحية في مواجهة الضغوط الغربية من جهة، ومن جهة أخرى توفير بيئة خصبة للنظام الحاكم في تركيا للتخلص من معضلة اللاجئين، وعودتهم إلى الداخل السوري. أما التطور الأهم والمحتمل فيرتبط بتنمية فرص التنسيق الأمني بين أنقرة ودمشق برعاية روسية وإيرانية لمواجهة تحركات قوات “قسد”.
موضوعات ذات صلة:
1– مسارات محتملة: اتجاهات السياسة التركية إزاء قضايا الإقليم في 2023.
2- خيار عسكري: كيف توظف تركيا انفجار إسطنبول لتنفيذ مخططاتها بسوريا؟
3- خيار محتمل: هل تقدم تركيا على إعادة هيكلة الفصائل الموالية لها في سوريا؟
4- حسابات متغيرة: دوافع الهجمات الروسية على مناطق النفوذ التركي في سوريا.
5- خيار مستبعد: هل تنهي تركيا علاقاتها مع الائتلاف الوطني السوري؟
6- مكاسب محتملة: حسابات تركيا تجاه التصعيد في الساحة السورية.
7- قمة سوتشي: حدود التوافقات المحتملة بين روسيا وتركيا حول سوريا.
8- تحركات محدودة: خيارات الأكراد في مواجهة التقارب التركي السوري.
9- تعويض الإخفاقات: التأثيرات المحتملة للعملية العسكرية الجديدة التركية في شمال سوريا.
10- توسيع التفاهمات: لماذا تزداد احتمالات إصلاح العلاقة بين أنقرة ودمشق؟