قمة سوتشي:
حدود التوافقات المحتملة بين روسيا وتركيا حول سوريا

قمة سوتشي:

حدود التوافقات المحتملة بين روسيا وتركيا حول سوريا



تُثير القمة المقرر لها 5 أغسطس الجاري بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فيلاديمير بوتين في مدينة سوتشي الروسية للتباحث حول عدد من الملفات الإقليمية، وفي الصدارة منها التدخل العسكري التركي المحتمل في الشمال السوري، تساؤلات عديدة، خاصة أنها تأتي بعد أقل من ثلاثة أسابيع من قمة طهران التي عقدت في 19 يوليو الفائت، وجمعت الرئيسين مع نظيرهما الإيراني إبراهيم رئيسي. كما أنها تعزز التكهنات بأن أنقرة فشلت في إقناع موسكو وطهران بجدوى تدخلها عسكرياً ضد مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) خلال القمة السابقة.

بيئة مغايرة

تأتي قمة سوتشي وسط تطورات إقليمية مغايرة بجانب متغيرات جديدة طرأت على العلاقات الروسية-التركية، ويمكن بيانها كالتالي:

1- قواعد اشتباك جديدة بين أنقرة و”قسد”: تتزامن قمة سوتشي بين أردوغان وبوتين مع كثافة الهجمات التي تشنها تركيا من خلال الطائرات المسيرة على شمال شرقي سوريا، وكذلك عبر العمليات الخاصة التي تنفذها قوات الكوماندوز التركية. وشهدت الأيام الماضية ارتفاعاً في مستوى عمليات الاستهداف التي تنفذها تركيا ضد قيادات وعناصر “قوات سوريا الديمقراطية”. ويشار في هذا السياق إلى أنه تم تسجيل العديد من عمليات الاغتيال التي نفذتها أنقرة في المحافظات والمدن التي تسيطر عليها الوحدات الكردية، كان أبرزها في 22 يوليو الفائت، عندما تم اغتيال ثلاث مقاتلات بينهن قائدة وحدات مكافحة الإرهاب سلوى يوسف.

2- المناورات العسكرية بين “قسد” والنظام السوري: لا تنفصل قمة سوتشي عن التطور الحادث على صعيد العلاقات بين “قوات سوريا الديمقراطية” والنظام السوري، في المرحلة الحالية بدعم روسي، وظهر ذلك في إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين الطرفين منذ مطلع أغسطس الجاري في منطقة منبج بريف حلب (شمالي سوريا)، تحت إشراف عناصر من القوات الروسية. وتبذل روسيا جهوداً حثيثة حالياً من أجل تعزيز التقارب بين “قسد” ودمشق، بهدف توفير بيئة خصبة لنشر قوات النظام السوري في المناطق الخاضعة للنفوذ الكردي، والتي يمكن أن تكون أهدافاً للعملية للعسكرية التركية المحتملة في شمال سوريا.

والأرجح أن هذه المناورات تهدف، في جانب منها، إلى توجيه رسالتين أساسيتين: أولاهما، التأكيد على قدرة موسكو على دفع النظام السوري لمساندة “قوات سوريا الديمقراطية” حال أي هجوم تركي. وثانيتهما، تقليص مساحة التقارب بين المليشيا الكردية والولايات المتحدة الأمريكية

3- معارضة موسكو للتدخل التركي شمال سوريا: على نحو بدا جلياً في رفض موسكو المقترح التركي بشأن عملية عسكرية ضد عناصر “قسد” في شمال سوريا بالتركيز على منبج وتل رفعت، بهدف إنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلو متر، يتم استغلالها كحزام أمني استراتيجي على الحدود الجنوبية بين تركيا وسوريا. ويشار في هذا الصدد إلى أن موسكو لا ترى أن “قسد” تمثل مصدر تهديد، خاصة في ظل تزايد مساحات التفاهمات السياسية بين الأخيرة والنظام السوري، فضلاً عن أن موسكو لديها قوات عسكرية وقواعد في مناطق “قسد” منذ أكتوبر 2019، بعد أن نجحت في دخول المناطق التي تقع تحت السيطرة الكردية عشية عملية “نبع السلام” التي أطلقتها تركيا في شمال سوريا.

أهداف عديدة

يمكن تفسير اهتمام موسكو وأنقرة بعقد قمة سوتشي، في 5 أغسطس الجاري، في ضوء سعيهما إلى تحقيق أهداف عديدة ترتبط بصراعات الإقليم، فضلاً عن مسارات العلاقات الثنائية بين الطرفين، ويتمثل أبرزها في:

1- محاولة الوصول إلى حلول سياسية: تنفذ تركيا في الوقت الحالي عملية استهداف للقيادات الكردية، بالتوازي مع إرسال تعزيزات عسكرية لعناصرها في الشمال السوري. وفي هذا السياق، فإن الرئيس بوتين قد يسعى عبر لقائه نظيره التركي إلى إقناعه بالتخلي مجدداً عن التدخل العسكري في الشمال السوري، أو الوصول إلى حلول سياسية تضمن تحقيق مطالب أنقرة من دون توظيف القوة العسكرية. وفي المقابل، من المحتمل أيضاً أن يسعى الرئيس أردوغان عبر هذه القمة إلى توظيف نجاح أنقرة كوسيط في الأزمة الروسية-الأوكرانية لإقناع الرئيس بوتين بأهمية تفكيك ما يسميه “الكيانات الإرهابية” في سوريا، وخاصة “قوات سوريا الديمقراطية”.

2- دعم جهود التقارب بين أنقرة ودمشق: تفرض الأزمة الأوكرانية ضغوطاً قوية على روسيا، خاصة في ضوء استمرار الاصطفافات الغربية عسكرياً وسياسياً إلى جانب كييف. ويبدو أن تصاعد حدة هذه الأزمة قد أدى إلى تغيير أولويات روسيا في الشهور الأخيرة، لا سيما تجاه إدارة الأزمة في سوريا، حيث يتوقع أن يدفع الرئيس بوتين بشكل كبير خلال قمة سوتشي مع نظيره التركي نحو تعزيز قنوات التواصل غير العلنية بين دمشق وأنقرة. وربما يتجه الرئيس أردوغان خلال القمة إلى استثمار رغبة موسكو في تعزيز الاتصالات الأمنية والسياسية بين أنقرة والنظام السوري، لتسويق أهدافه في الشمال السوري.

ويعني ذلك في المقام الأول أن الجهود الروسية والإيرانية لتقريب المسافات بين أنقرة ودمشق قد نجحت في تقليص حدة التوتر بين البلدين، وقد ظهرت بوادر لذلك في تصريحات وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، في 27 يوليو الفائت، حيث تحدث لأول مرة منذ اندلاع الأزمة في سوريا عن إمكانية “التعاون السياسي” مع النظام السوري فيما يتعلق بـ”إخراج الإرهابيين من المنطقة”، وذلك في إطار حديثه عن أهمية إنهاء تواجد عناصر مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” في مناطق شمال شرق سوريا، وسيطرة قوات النظام السوري عليها.

3- تأمين المصالح الحيوية الروسية: لا تنفصل قمة سوتشي عن رغبة موسكو في تأمين القوات الروسية الموجودة في مناطق الشمال السوري حال إصرار أنقرة على المضى قدماً في “عسكرة” الأزمة مع “قوات سوريا الديمقراطية”، ومن ثم ربما يسعى الرئيس بوتين خلال قمة سوتشي المقبلة إلى تحميل تركيا مبكراً المسئولية عن أية خسائر تمس الوجود والمصالح الروسية في مناطق شمال شرق سوريا، وهو أمر من شأنه أن يساهم في دفع أنقرة إلى اتخاذ المزيد من التدابير حال إصرارها على مهاجمة عناصر “قسد”، حتى لا تثير أزمة مع موسكو.

4- تعزيز العلاقات الثنائية بين أنقرة وموسكو: رغم تباين الرؤيتين الروسية والتركية حيال ملفات الإقليم، وخاصة الأزمة السورية؛ فإن القمة قد تنظر في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة أنها تأتي في سياق نجاح تركيا في ممارسة دور الوسيط في حل أزمة الحبوب الأوكرانية، حيث أسفرت الجهود التركية عن توقيع “وثيقة مبادرة الشحن الآمن للحبوب والمواد الغذائية من الموانئ الأوكرانية” بين تركيا وروسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة في 22 يوليو الفائت. كما تتزامن القمة مع إعلان شركة “روساتوم” الروسية، في 31 من الشهر نفسه، عن توقيع عقد مع شركة الطاقة TSM، للقيام بعمليات البناء المتبقية بمحطة الطاقة النووية “أكويو” جنوبي تركيا، والتي تصل كلفتها إلى 20 مليار دولار.

اختبار مرحلي

ختاماً، يمكن القول إن قمة سوتشي المقررة في 5 أغسطس الجاري، بين الرئيس التركي ونظيره الروسي، تبدو كاشفة عن عمق الخلافات بين أنقرة وموسكو، كما تشير إلى أن الأزمة السورية باتت تشكل اختباراً مرحلياً سيحدد مدى صلابة التفاهمات السياسية القائمة بين أنقرة وموسكو. لكن رغم المتغيرات التي تعتري مسارات العلاقات بين البلدين، وخاصة إدانة أنقرة للتدخل الروسي في أوكرانيا، ورفض موسكو محاولات أنقرة شن عملية عسكرية جديدة في الشمال السوري؛ فإن الطرفين لديهما القدرة على تجاوز تداعيات التطورات الحالية، خاصة مع استمرار خلافاتهما الشائكة مع الدول الغربية، فضلاً عن الارتباطات الاقتصادية التي تجمع بينهما.