مستجدات لافتة:
حدود تأثير التطورات المحلية والإقليمية على مسارات تسوية الأزمة السورية

مستجدات لافتة:

حدود تأثير التطورات المحلية والإقليمية على مسارات تسوية الأزمة السورية



تشهد الساحة السورية تطورات محلية ومستجدات إقليمية مغايرة، حملت ارتدادات مباشرة على سياقات الأزمة وتفاعلاتها، ومساراتها المحتملة. وكانت بعض المدن جنوب سوريا، وفي الصدارة منها درعا والسويداء والقنيطرة، فضلاً عن مدينتي اللاذقية وجبلة على الساحل السوري، وصولاً إلى بعض المناطق في حلب؛ قد شهدت احتجاجات لافتة منذ مطلع أغسطس الماضي، ولا تزال مستمرة حتى أول سبتمبر 2023، للمطالبة بإنهاء حالة الانسداد السياسي في البلاد، وتطبيق القرار الأممي (2254)، بالإضافة إلى المطالبة بتحسين أوضاع البلاد الاقتصادية والمعيشية.

وبالرغم من أنّ تقارير تفيد بتقديم طهران وموسكو دعماً للنظام السوري، فإنه لم تتوفر حتى الآن أدلة تشير إلى قدرة النظام أو حلفائه الإقليميين على ضبط الأوضاع في الداخل السوري، أو تحقيق اختراق في الأزمة المالية السورية التي وصلت إلى حافة الهاوية، وكشف عن انهيار سعر العملة المحلية، وتدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين.

كما شهدت مناطق شرق الفرات مواجهات مسلحة بين قوات سوريا الديمقراطية، والمجلس العسكري لدير الزور، وراح ضحيتها ما يقرب من 40 قتيلاً وإصابة أكثر من 15 مدنياً، ووصلت المواجهات بين الطرفين إلى الذروة في 31 أغسطس الماضي.

بالتوازي، يشهد الداخل السوري نشاطاً متنامياً لنشاط عصابات تهريب المخدرات، والذي تحول إلى أحد التحديات الأمنية والأزمات المتفاقمة بين دمشق وجيرانها، إذ إن هذا التصاعد قد يؤدي إلى استقطاب مزيد من شبكات الجريمة المنظمة العابرة للحدود، ناهيك عن عرقلة مسارات التسوية السياسية، نظراً للاستفادة من عائدات تلك التجارة.

وتأتي التطورات المحلية في الداخل في خضم مجموعة من المتغيرات والتحركات الإقليمية والدولية على الساحة السورية، تؤثر في مُجمل المشهد السياسي في الأزمة السورية، منها توجّه تركيا نحو تبني سياسة جديدة حيال إدارة عمل ومهام الفصائل الموالية لها في الداخل السوري من خلال إعادة صياغة علاقاتها مع المجالس المحلية في مناطق شمال سوريا الخاضعة لنفوذها؛ حيث كشفت تقارير إعلامية عن عزم أنقرة تعيين حاكم (والٍ) واحد لمناطق العمليات العسكرية (درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام)، ليكون مسؤولاً عن التواصل مع الجهات الحكومية التركية، بالإضافة إلى تسهيل عملية اتخاذ القرارات على مستوى هذه المناطق، لضمان تنفيذ مخطط “العودة الطوعية” للاجئين السوريين.

في سياق مغاير، شهدت الساحة السورية مؤخراً تعاوناً تركياً أمريكياً تجلت مظاهره في أغسطس الماضي، عندما اتجهت تركيا نحو تحشيد فصائل “الجيش الوطني” الموالية لها في سوريا، بالإضافة إلى فتح باب التجنيد لمقاتلين جدد تمهيداً لنقلهم إلى قاعدة “التنف” التي تمثل نقطة الارتكاز الأساسية لقوات التحالف الدولي ضد “داعش”، وذلك بهدف قتال المليشيات الإيرانية في شرق سوريا، وقطع خطوط الإمداد اللوجستية للعناصر الإيرانية القادمة عن طريق طهران-بيروت. بيد أن هذا التعاون لم يكن بتوافق الرؤى بين البلدين، ففي 17 أغسطس الماضي فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على فصيلين من الفصائل الموالية لتركيا، وهما “لواء سليمان شاه” بقيادة محمد حسين الجاسم وشقيقه، و”كتيبة الحمزة” التي يقودها سيف بولاد بكر.

بالتوازي، تراجعت فرص تطبيع العلاقات التركية السورية، وزادت مساحات التوتر بين دمشق وأنقرة في ظل إصرار الأخيرة على استمرار توغلها العسكري في مناطق الشمال السوري بدعوى محاصرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” التي تستهدف من وجهة نظر تركيا الأمن القومي التركي. وكانت تركيا قد بدأت، في 15 يونيو الماضي، مرحلة جديدة من التصعيد العسكري في مناطق سيطرة “قسد” والقوات السورية، في شمال غربي سوريا، وذلك رداً على استهداف قاعدة جبرين في شمال سوريا ومركز الشرطة في كليس بمنطقة تل رفعت ومنبج على الحدود التركية، في 11 يونيو 2023.

وفي مقابل الاستهداف التركي للأكراد في الداخل السوري، حرصت تركيا على تأكيد مواصلة دعمها لقوات “قسد”، التي تعتبرها شوكة في خاصرة تنظيم “داعش”، وكشف عن ذلك زيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) الجنرال مايكل إيريك كوريلا مخيمي “الهول” و”الروج” للنازحين في شمال شرق سوريا في ٢١ أغسطس الماضي. بيد أن واشنطن أبدت جهوداً لافتة خلال الفترة الماضية لدعم الأوضاع الإنسانية في سوريا، حيث حث عديد من المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين بمجلس الشيوخ الأمريكي أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على تجديد وتوسيع آلية نقل المساعدات الإنسانية السورية عبر الحدود على الرغم من حق النقض الروسي الدائم لهذا الإجراء.

والأرجح أن المستجدات المحلية والخارجية الراهنة قد تلقي بظلالها على المسارات المستقبلية للأزمة السورية، خاصة في ظل التغيير الحادث في معادلات الداخل، ومنها عودة نشاط “داعش” شرق سوريا، ناهيك عن استمرار التباين في أجندات الأطراف الخارجية المنخرطة في الأزمة السورية، وظهر ذلك مثلاً في معارضة طهران التقارب السوري مع محيطها العربي، كما أن الخلافات التركية الأمريكية على الساحة السورية ألقت بظلال سلبية على المشهد السوري. كما انعكست الخلافات التركية-الروسية بشأن الأوضاع في أوكرانيا على سياسات البلدين حيال الملف السوري.

موضوعات ذات صلة

1- مهدّدات أمنية: تداعيات تصاعد نشاط عصابات تهريب المخدرات في سوريا.

2- نقاط الاشتعال: لماذا تجددت الاحتجاجات المناهضة لنظام الأسد؟

3-   تكثيف الضغوط: رسائل العقوبات الأمريكية على الفصائل السورية الموالية لتركيا.

4-   تحركات استباقية: دوافع توجّه تركيا لتوحيد سلطة المجالس المحلية بالشمال السوري.

5-   تشابك المصالح: لماذا تدعم تركيا محاصرة المليشيات الإيرانية في سوريا؟

6-   براجماتية أردوغان: لماذا تواصل تركيا عمليات ترحيل اللاجئين السوريين؟

7-   ضغوط مزدوجة: دوافع تجدد الاستهداف التركي للشمال السوري.

8-   محددات التقارب: القضايا العالقة في العلاقات بين تركيا وسوريا.

9-   تحديات قائمة: دلالات انعقاد مؤتمر “دعم سوريا” في بروكسل.

10- أولويات متداخلة: كيف تتعامل واشنطن مع تصاعد الأزمة الإنسانية في سوريا؟

11- ملف شائك: كيف تتعامل واشنطن مع تحديات مخيمي “الهول” و”الروج” للنازحين؟

12- سيطرة مؤقتة: لماذا يكثف “داعش” عملياته في الرقة بسوريا؟