تفاجأ العالم الأسبوع الماضي بسرعة وسهولة سيطرة حركة «طالبان» على العاصمة كابول قبل أسابيع فقط من الموعد الذي حدده الرئيس الأميركي جو بايدن لإكمال انسحاب القوات الأميركية في الحادي عشر من سبتمبر المقبل، فكانت صور الهروب الكبير من كابول صادمةً للمجتمع الدولي. وكانت الاستخبارات الأميركية قد حذرت الرئيس بايدن من سيطرة الحركة على كابول خلال أشهر، لكن السيطرة تمت خلال أيام، مما يعكس الحسابات الاستخباراتية الخاطئة، وكذلك الفشل العسكري الأميركي في تحويل الجيش الأفغاني إلى قوة عسكرية يعتمد عليها، حيث سبق لبايدن أن صرّح بأن «سيطرة طالبان على أفغانستان ليست حتمية»، مؤكداً ثقته بقدرة الجيش الأفغاني الذي هو «أفضل تدريباً وأفضل تجهيزاً وأكثر كفاءة، فيما يتعلق بشن الحرب».
واقعياً، يعرف المتتبع للشأن الأفغاني أن سيطرة «طالبان» على الدولة الأفغانية هي النهاية المتوقعة لتتابع الأحداث منذ أشهر، لكن سرعة انهيار الحكومة الأفغانية كانت المفاجأة، فـ«طالبان»، ومنذ إعلان الرئيس الأميركي في أبريل 2021 عن الموعد النهائي لسحب قوات بلاده في سبتمبر القادم، وهي تتقدم نحو السيطرة على المزيد من المدن والولايات، وقد حدث ذلك في غضون أشهر قليلة فقط. ومع سيطرتها على المدن والولايات، سيطرت كذلك على الترسانة العسكرية للقوات الأفغانية الهاربة.
وبالعودة للأحداث، فكان قد تم التوصّل إلى اتفاق لإحلال السلام في أفغانستان، في 29 فبراير2020، بين «طالبان» والولايات المتحدة، بموجبه وافقت واشنطن على سحب ما تبقى من قواتها في أفغانستان، مقابل ضمانات أمنية من «طالبان» بأن لا تسمح لـ«القاعدة»، أو أي جماعة متطرفة أخرى، بالعمل في المناطق التي تسيطر عليها، فيما يتم رفع العقوبات ضد «طالبان»، وتجري مفاوضات سلام بينها وبين الحكومة الأفغانية لبحث وقف إطلاق شامل ودائم للنار وآليات التنفيذ المشتركة، مع اتفاق على مستقبل الخارطة السياسية لأفغانستان. وعن قوات الأمن الأفغانية، المدربة بتكلفة 88.32 مليار دولار وعددها أكثر من 300 ألف جندي نظرياً، فسيكون دورها الحفاظ على الوضع أثناء المفاوضات. ووصف الرئيس الأميركي السابق الاتفاق آنذاك بأنه «صفقة رائعة». وبالفعل بدأ التنفيذ التدريجي للاتفاق حسب الجدول الزمني، فبدأت الولايات المتحدة بسحب قواتها في ظل حكم ترامب، وانطلقت جولات المحادثات وجهاً لوجه بين «طالبان» والحكومة الأفغانية في سبتمبر 2020 بغية التوصل إلى تفاهم سياسي للاتفاق على مستقبل أفغانستان. ورغم تعثر المفاوضات فإن جولاتها استمرت في ظل التغير المطرد للخارطة السياسية الأفغانية لصالح «طالبان»، والتي استمر تقدمها في السيطرة على المدن الأفغانية.
واليوم عادت حركة «طالبان» لتتصدر المشهد الأفغاني بعد استقالة ومغادرة عدد كبير من مسؤولي الحكومة وإجلاء عدد آخر. لكن «طالبان» اليوم، والتي أشارت إليها اتفاقية السلام بـ«إمارة أفغانستان الإسلامية»، وإن كانت الولايات المتحدة لا تعترف بها كدولة، ليست هي «طالبان» السابقة التي حكمت بين عامي 1996 و2001، إذ تتحدث الآن عن «إطار حكم جديد لأفغانستان»، وتحاول طمأنة العالم، وخاصة الولايات المتحدة، بأنّ «الأراضي الأفغانية لن تستخدم ضدّ الآخرين». لكن هل يعترف العالم بإمارة «أفغانستان الإسلامية»؟
نقلا عن جريدة الاتحاد