يواجه المدى الزمني الذي حدده الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، للقضاء على حركة “الشباب”، خلال الخمسة أشهر المقبلة، عدداً من العقبات الرئيسية، وأبرزها تأثيرات الخلافات والتوترات السياسية والعشائرية على سير العمليات العسكرية، إضافة إلى عدم التزام كينيا وأثيوبيا وجيبوتي بالمشاركة في المرحلة الثانية من العمليات العسكرية ضد الحركة. كما تبرز احتمالات وجود عوائق تمويلية تسمح باستمرار العمليات العسكرية بشكل متواصل للضغط على “الشباب”، فضلاً عن تداعيات انسحاب القوات الأفريقية بما يشكل ضغطاً على الجيش لملء الفراغ، وأخيراً ضبابية مراحل استراتيجية مكافحة الإرهاب، خاصة مع إمكانية انتقال “الشباب” إلى مرحلة جديدة من التمرد، حتى عقب فقدان الأراضي التي كانت تحت سيطرتها.
ففي وقت تستعد فيه الصومال لإطلاق المرحلة الثانية من الحرب على الإرهاب، وبالأخص للقضاء على حركة “الشباب” الإرهابية، الموالية لتنظيم “القاعدة”؛ استبق الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (17 أغسطس 2023)، إطلاق العمليات العسكرية رسمياً بإبداء رغبة بلاده في القضاء على الحركة خلال فترة خمسة أشهر.
ورغم النجاحات التي حققتها الصومال خلال المرحلة الأولى من الحرب على الإرهاب، التي انطلقت خلال شهر أغسطس 2022؛ إلا أن تصريحات “محمود”، خلال لقاء في مدينة “طوسمريب” في ولاية “غلمدغ”، باتت مثار تساؤلات حول قدرة الصومال على القضاء على “الشباب” خلال المدى الزمني الذي حدده “محمود”، وسط حشد من المواطنين، خاصة في ظل وجود عدد من العقبات المتعددة والمتداخلة على الساحة الصومالية.
سياقات حاكمة
يأتي تصريح الرئيس الصومالي حيال المدى الزمني للقضاء على حركة “الشباب”، في ظل عدد من السياقات الرئيسية التي تشهدها الصومال على النحو التالي:
1- تأخّر المرحلة الثانية من الحرب على الإرهاب: منذ يناير 2023، وتتواتر الأخبار على لسان كبار المسؤولين الصوماليين، وعلى رأسهم “محمود” نفسه، تارة عن قرب إطلاق المرحلة الثانية من العمليات العسكرية للقضاء على الإرهاب، وتحديداً حركة “الشباب”، وتارة أخرى عن مطالبة الجيش الصومالي الاستعداد للمرحلة الثانية، إلا أنه على مدار أكثر من 7 أشهر كاملة، لم يصدر القرار الرسمي بإطلاق تلك المرحلة.
وتشير تقارير إعلامية إلى اقتراب إطلاق العمليات العسكرية ضمن المرحلة الثانية من الحرب على الإرهاب خلال أيام من توقيت إطلاق الرئيس الصومالي تصريحاته الأخيرة، والتي تستهدف معاقل الحركة في جنوب البلاد. وفي حال كانت التقارير الإعلامية صحيحة، وانطلقت العمليات العسكرية باتجاه جنوب الصومال، فإن المدى الزمني المتوقع لها خمسة أشهر.
2- التجهيز للمرحلة الثانية من انسحاب “أتميس”: عقب انتهاء المرحلة الأولى من سحب القوات الأفريقية في الصومال “أتميس”، والتي بدأت في أواخر شهر يونيو الفائت، بإجلاء ألفين من تلك القوات، بدأت المرحلة الثانية من مراحل الانسحاب التدريجي والتي تنتهي العام المقبل.
وفي مطلع شهر أغسطس الجاري، أعلنت الصومال تجهيز قوات “أتميس” للمرحلة الثانية، عقب اجتماعات لقاعدة الوحدات الخمس المشكلة للقوات الأفريقية في العاصمة الصومالية “مقديشو”، على أن تنتهي المرحلة الثانية خلال شهر سبتمبر المقبل.
3– استمرار عمليات “الشباب” وسط الصومال: ركزت المرحلة الأولى من الحرب على الإرهاب على طرد عناصر “الشباب” من وسط الصومال، ولكن على الرغم من ذلك فإن الحركة لا تزال قادرة على النفاذ إلى تلك المناطق وتنفيذ عملياتها.
وعلى الرغم من طرد عناصر الحركة من مناطق عديدة في وسط البلاد، إلا أنه ومع اقتراب المرحلة الثانية من الحرب على الإرهاب، لا تزال “الشباب” تسيطر على منطقتين في ولاية “غلمدغ”، التي شملتها المرحلة الأولى، وهو ما كشفه الرئيس الصومالي، وأكد العمل على استعادة تلك المنطقتين من الحركة.
4– مساعٍ لحشد الدعم الإقليمي والدولي: يعمل الرئيس حسن شيخ محمود والحكومة على حشد الدعم الإقليمي والدولي لمواصلة الحرب على حركة “الشباب”، بعد استعادة السيطرة على مناطق واسعة خلال المرحلة الأولى من العمليات العسكرية.
وسعت الصومال إلى حشد الدعم الإقليمي من خلال استضافة قمة لدول الجوار (جيبوتي، وكينيا، وأثيوبيا)، في فبراير الفائت، من أجل وضع ملامح استراتيجية للتحرك لإنهاء وجود حركة “الشباب”، إضافة إلى استمرار تدخل القوات الأمريكية في قصف أهداف للحركة، باستخدام طائرات من دون طيار، وكان آخرها (15 أغسطس 2023) وأسفرت عن مقل 5 إرهابيين.
على مستوى مواجهة تمويلات حركة “الشباب”، استقبل الرئيس الصومالي في أواخر يوليو الفائت، وكيل وزارة الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب بريان إي نيلسون، لبحث التعاون بشأن الإجراءات المالية التي أقرتها الصومال لاستهداف مصادر تمويل الحركة الإرهابية.
5– تغيير مفاجئ لرئيس أركان الجيش الصومالي: بينما تستعد الصومال لإطلاق المرحلة الثانية من الحرب على الإرهاب، وافق مجلس الوزراء الصومالي، في يونيو الفائت، على مقترح وزارة الدفاع لتعيين العميد إبراهيم محيي الدين عدو، رئيساً لأركان الجيش، خلفاً للواء أدوا يوسف راغي.
ورغم عدم تقديم أسباب هذا التغيير المفاجئ، إلا أنه ربما يحمل القرار في أحد جوانبه وجود خلافات داخل الجيش الصومالي، على مستوى تقييم الوضع الميداني، وتقدم العمليات العسكرية ضد حركة “الشباب”، خاصة في ظل عدم طرد عناصر الحركة من كافة المناطق بوسط البلاد، إضافة إلى تأخر إطلاق المرحلة الثانية من العمليات العسكرية.
عقبات متعددة
تواجه رؤية الرئيس الصومالي للقضاء على حركة “الشباب”، خلال خمسة أشهر، عدداً من العقبات المتعددة، وأبرزها:
1- تأثير الخلافات السياسية والعشائرية: يعتمد الجيش الصومالي بشكل رئيسي على المليشيات العشائرية التي شاركت في مواجهة حركة “الشباب” وسط البلاد، إلى جانب القوات الأفريقية والقوات التي تُدربها أمريكا، وأخرى تتولى تدريبها تركيا، عقب وصول الرئيس حسن شيخ محمود للحكم في مايو من العام الفائت، قبل أن تشارك بفاعلية في المرحلة الأولى من الحرب على الإرهاب خلال شهر أغسطس الفائت.
ولكن تُشير بعض التقديرات الغربية إلى أن الخلافات السياسية وتداخلها مع التوترات العشائرية، ساهمت في عرقلة إطلاق المرحلة الثانية من العمليات العسكرية، وكان أحد تجلياته الخلاف بين رئيس ولاية “هيرشبيلي” علي غودلاوي، ومحافظ إقليم هيران علي جيتي، على توزيع عائدات الضرائب في الإقليم، وعدم تلقّي بعض العشائر لهذه العائدات، مما أسفر عن إقالة الأول للأخير خلال شهر يونيو الفائت.
وفي ظل عدم حسم “محمود” الخلافات السياسية والعشائرية في الصومال، وتعقد ديناميكيات الحكم في الولايات والأقاليم، يظل هذا أحد التحديات التي تواجه حسم الحرب مع حركة الشباب، مع تأثيرات تلك الخلافات والتوترات على عرقلة جهود الدولة للقضاء على الحركة خلال الأشهر الخمسة المقبلة.
2– أزمة المشاركة العسكرية الإقليمية: رغم القمة الإقليمية الرباعية لدول جوار الصومال في فبراير الفائت، إلا أن ثمة تشكيكاً من قبل القيادة الصومالية في وفاء الدول الثلاث (جيبوتي، وكينيا، وأثيوبيا) بالتزاماتهم حيال المشاركة في العمليات العسكرية للقضاء على حركة “الشباب”.
ويبدو أن عدم تفعيل المشاركة العسكرية لتلك الدول في المرحلة الثانية، كان معرقلاً لانطلاقها حتى الآن، خاصة مع استبعاد قائد الجيش الصومالي، الجنرال إبراهيم شيخ محيي الدين، مشاركة قوات من تلك الدول في العمليات العسكرية، دون أن يجزم بذلك، ولكنه يشير إلى عدم وجود بوادر للالتزام بالاتفاق خلال القمة الرباعية.
وفي هذا السياق، ربما تدفع بعض التطورات في دول الجوار للصومال إلى عدم الإقدام على المشاركة العسكرية، أو على الأقل تأخر المشاركة، في ظل ما تشهده كينيا من هجمات متصاعدة من قبل حركة “الشباب” في شمالي البلاد، انطلاقاً من الأراضي الصومالية، وتحديداً عقب إعلان المشاركة بقوات عسكرية، كما أن أثيوبيا تواجه تحديات داخلية تتعلق بمواجهات في إقليم أمهرة، وربما تجد صعوبة في إرسال قوات عسكرية للخارج.
وبقدر تأثيرات عدم تنفيذ الدول الثلاث للاتفاق مع الصومال، في تأخر إطلاق المرحلة الثانية، فإنه قد يمثل عقبة في حسم المعركة خلال المدى الزمني الذي حدده الرئيس الصومالي.
3– تداعيات انسحاب القوات الأفريقية: في حين أن وكالة الأنباء الصومالية الرسمية، أعلنت في مطلع أغسطس الجاري، التخطيط المشترك للجيش الصومالي مع القوات الأفريقية “أتميس”، لإطلاق المرحلة الثانية من العمليات العسكرية، في سياق التطرق إلى خطط الانسحاب التدريجي لتلك القوات، وتحديداً عقب نجاح المرحلة الأولى؛ إلا أنّ تداعيات الانسحاب تمثل عقبة أمام الصومال في حسم المعركة ضد “الشباب”.
إذ تتجاوز التداعيات خفض عدد القوات الأفريقية، وبالتالي احتمالية التأثير على عدد العناصر المشاركة في المرحلة الثانية من العمليات العسكرية، إلى حاجة الجيش الصومالي وقوات الشرطة إلى تأمين مواقع انسحاب تلك القوات، لملء الفراغ، وفرض حالة من الأمن، لعدم منح حركة “الشباب” فرصة لتنشيط عملياتها في بعض المناطق التي قد تشهد فراغاً بسبب انسحاب قوات “أتميس”، في ظل التخوفات من قدرة الجيش والشرطة على ملء هذا الفراغ، وتنفيذ عملية عسكرية كبيرة. وربما كان هذا أحد أسباب تأخر إطلاق المرحلة الثانية.
4- ضبابية مراحل استراتيجية مكافحة الإرهاب: رغم إطلاق الرئيس الصومالي حرباً شاملة على حركة “الشباب”، على أكثر من مستوى، وتحديداً على المستوى العسكري، واستهداف المقدرات التمويلية للحركة؛ إلا أنه لا يتضح مراحل استراتيجية مكافحة الإرهاب، أو على الأقل تعمد عدم إعلانها.
وهذا يثير تساؤلات حول الهدف المرحلي الذي تهدف إليه الصومال خلال الفترة المقبلة، وتحديداً خلال الخمسة أشهر التي حددها الرئيس الصومالي، خاصةً وأنه صرح بأنه في عدم حسم المعركة نهائياً خلال المدى الزمني المحدد، فستكون هناك جيوب قليلة بها عدد محدود من الحركة، لا تسبب مشكلة.
وهنا، يتضح أن ثمة احتمالات عدم القضاء على الحركة خلال الخمسة أشهر المقبلة، بالنظر إلى أن الهدف المرحلي المقبل هو تكرار ما حدث خلال المرحلة الأولى من العمليات العسكرية وسط البلاد، من استعادة السيطرة على مناطق واسعة في جنوب البلاد خلال المرحلة الثانية، من دون الحسم النهائي والقضاء على النشاط العملياتي للحركة، ربما تعقبها مراحل أخرى، حسب تقييم الوضع الميداني.
5– حدود القدرات التمويلية لدعم العمليات: تواجه الصومال أزمات إنسانية ومعيشية واقتصادية، على خلفية النشاط الإرهابي، وموجة الجفاف التي تضرب البلاد، خاصة وأن قطاعي الثروة الحيوانية والزراعة يمثلان 40% من إجمالي الناتج المحلي.
وفي حين أن الصومال تسعى منذ العام الفائت إلى محاولة إسقاط جانب من الديون المستحقة عليها، وجذب استثمارات أجنبية؛ إلا أن العقبات التمويلية لدعم العمليات العسكرية ضد حركة “الشباب”، ربما تمثل عقبة في إطلاق المرحلة الثانية، واستمرار العمليات العسكرية بشكل متواصل خلال الأشهر القليلة المقبلة.
تصور شامل
وبعيداً عن تأخر إطلاق المرحلة الثانية من الحرب على الإرهاب، والعقبات التي تواجه المدى الزمني الذي حدده الرئيس الصومالي للقضاء على حركة “الشباب” خلال خمسة أشهر؛ إلا أنّ ثمة ضبابية في التصور الشامل للحكومة الصومالية، لإنهاء تمرد الحركة، خاصة مع قدرتها على التكيف، واحتمالات الانتقال إلى مرحلة جديدة من التمرد، حتى مع استعادة الدولة للأراضي التي كانت تحت سيطرة “الشباب”.