رغم أن خيار التفاوض بين الحكومة الصومالية وحركة “شباب المجاهدين” يبقى مطروحاً، إلا أنه يواجه عقبات عديدة، منها إصرار كل طرف على تعزيز موقعه لفرض شروطه على الطرف الآخر، وهو ما يتضح من تصريحات الرئيس حسن شيخ محمود، إضافة إلى بروز تخوفات من احتمال اتجاه “الشباب” لتكرار سيناريو “طالبان” في أفغانستان، في ظل ضبابية الرؤية الأمريكية حيال المفاوضات، فضلاً عن غياب الثقة في الأطراف الوسيطة التي يمكن أن تقود المفاوضات.
مع تصاعد حدة المواجهات بين الحكومة الصومالية وحركة “شباب المجاهدين”، خلال النصف الثاني من العام الماضي، في مناطق متفرقة وسط وجنوب الصومال، في إطار الحرب الشاملة على الإرهاب التي أطلقها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في مايو 2022، برزت تكهنات حول إمكانية إجراء مفاوضات بين الجانبين خلال الفترة المقبلة، لتسوية الأزمة الصومالية.
ويأتي طرح خيار التفاوض بين الحكومة الصومالية وحركة “الشباب”، على وقع تصعيد النشاط العملياتي للحركة، يقابله تحركات من قبل الجيش الصومالي وقوات الأمن باتجاه المناطق التي سيطرت عليها الحركة، وطرد عناصرها من بعض القرى، بعد دعم العشائر الصومالية لجهود الحكومة.
جدل مستمر
تتصاعد دعوات التفاوض بين الحكومة الصومالية وحركة “الشباب” بين الحين والآخر، وتحديداً مع تزايد النشاط العملياتي للأخيرة، حتى أن بعض التقديرات الأمريكية حثت الولايات المتحدة على المضي قدماً مع الحكومة الصومالية، لفتح الباب أمام المفاوضات مع الحركة، لإنهاء الأزمة الممتدة على مدار سنوات دون حسم.
وخلال الأسبوع الثاني من شهر يناير الجاري، شهدت الصومال حالة من الجدل حيال مسألة التفاوض مع حركة “الشباب”. وقد أثار هذا الجدل التصريح الذي جاء على لسان مسئول بارز في الجيش الصومالي، إذ نقلت تقارير إعلامية عن نائب وزير الدفاع عبد الفتاح قاسم، أن حركة “الشباب” طلبت بدء مفاوضات مع الحكومة الصومالية خلال الفترة المقبلة، بما يُعد تحولاً في توجهات الحركة.
ولكن المسئول الحكومي تطرق إلى أن أي مفاوضات لن تشمل العناصر الأجنبية في الحركة، وستقتصر على العناصر الصومالية فقط، وذكر أنه “بالنسبة للصوماليين، نحن مستعدون لاستقبالهم، لأنهم على استعداد للاستسلام للحكومة الصومالية”.
لكن اللافت في هذا السياق، هو أن مسئولاً حكومياً آخر نفى تصريحات قاسم، حيث أكد مستشار الأمن القومي حسين شيخ علي عدم تلقي الحكومة طلبات من الحركة في هذا الصدد، مشيراً إلى أن موقف الحكومة لم يتغير حيال محددات التفاوض مع الحركة، معتبراً أن “المسئول أخطأ في الاقتباس”.
وبموازاة نفى مستشار الأمن القومي للمفاوضات مع الحركة، حرصت الأخيرة بدورها على نفى تصريحات نائب وزير الدفاع،عبر مؤسسات إعلامية موالية لها، حيث قال قيادي فيها: “أستطيع التأكيد أنه لا توجد محادثات بيننا ولا يمكن أن تكون”.
عقبات عديدة
يمكن القول إن ثمة عقبات عديدة ما زالت تحول دون تبني هذا الخيار، على الأقل في المدى القريب، ويتمثل أبرزها في:
1- ثبات رؤية الحكومة حيال التفاوض مع “الشباب”: لم تكن تصريحات نائب وزير الدفاع حيال المفاوضات مع حركة “الشباب”، الأولى من نوعها، حتى في ظل الحكومة الجديدة وانتخاب الرئيس حسن شيخ محمود في عام 2022، بل إن الأخير نفسه أطلق تصريحات بشأن التفاوض مع “الشباب” خلال شهر يونيو 2022، حينما أشار إلى ملامح رؤيته في ملف التعامل مع الحركة، وتحديداً إمكانية اللجوء إلى المفاوضات، ولكنه رهن هذه الخطوة بتحقيق انتصار على عناصرها، في ضوء إطلاق حرب شاملة على الإرهاب، بهدف تحجيم النشاط العملياتي لـ”الشباب”، بصورة يمكن أن تساعد في الدخول في مفاوضات معها لإنهاء الأزمة بعد ذلك، وبالتالي فإن الانخراط في مسار التفاوض مرهون بتراجع النشاط العملياتي للحركة، انطلاقاً من عدم الرغبة في تسوية الأزمة بما يحقق مصالح الأخيرة، ومنحها مكاسب.
وبرزت رؤية الرئيس الصومالي بشكل أكبر من خلال تصريحات مستشار الأمن القومي، والتي أوضح فيها أن سياسة الحكومة لم تتغير، وتحديداً فيما يتعلق باقتصار أي مفاوضات على الأفراد الذين يرغبون في الانشقاق عن الحركة، وليس التفاوض مع المجموعة ككل.
2- احتمال اتجاه الحركة لتكرار السيناريو “الأفغاني”: منذ سيطرة حركة “طالبان” على الحكم في أفغانستان في منتصف عام 2021، بعد توقيع اتفاق السلام مع الولايات المتحدة،سعت بعض التنظيمات الإرهابية إلى تبني المسار نفسه، نظراً للمكاسب التي حصلت عليها حركة “طالبان” عبر سيطرتها على الحكم، وهو ما قد يفسر تصعيد النشاط العملياتي لـ”الشباب” على مستوى العاصمة مقديشيو. وهنا، فإن الحركة ربما لا تسعى إلى إجراء مفاوضات خلال الفترة الحالية، خاصة وأنها تواجه مقاومة من القوات الصومالية والعشائر في مناطق نفوذها، بالتوازي مع طرد عناصرها من بعض القرى التي سيطروا عليها عقب انسحاب القوات الأمريكية بقرار من الرئيس السابق دونالد ترامب، وبالتالي فإن أي مفاوضات مع الحكومة الصومالية لن تحقق أهداف الحركة بالسيطرة على الحكم أو المشاركة الرئيسية في ترتيبات المشهد الصومالي.
3- ضبابية الموقف الأمريكي من المفاوضات: رغم أن بعض التقديرات الأمريكية دعت إدارة الرئيس جو بايدن إلى ضرورة حث الحكومة الصومالية على الانخراط في مفاوضات غير مباشرة مع حركة “الشباب” لتحديد الأطر الحاكمة التي يمكن أن ينطلق بناءً عليها المسار التفاوضي مستقبلاً، على اعتبار أن عدم حسم الصراع والمواجهات على مدار سنوات في الصومال يمثل حافزاً لهذا المسار، إلا أن الإدارة لم تتبنى موقفاً واضحاً في هذا الصدد، خاصة أنها تصنف “الشباب” كجماعة إرهابية تابعة لتنظيم “القاعدة”، بما يضعف من درجة الثقة في سلوك الحركة مستقبلاً، لا سيما تجاه المصالح الأمريكية في المنطقة. كما أن الانتقادات التي واجهتها الإدارة في الحالة الأفغانية يمكن أن تدفعها إلى العزوف عن محاولة حث الحكومة الصومالية على الانخراط في مفاوضات من الحركة، بعد إعادة إرسال القوات الأمريكية إلى الصومال مجدداً خلال العام الماضي، في ظل تصاعد النشاط العملياتي للحركة.
4- غياب الثقة في الوسطاء المحتملين: في ضوء تصنيف حركة “الشباب” كجماعة إرهابية في المحيط الإقليمي للصومال وعلى المستوى الدولي أيضاً، فإن أي مسار تفاوضي بين الحكومة الصومالية والحركة، على الأقل في بداية هذا المسار، سيحتاج إلى وسطاء يحظون بثقة الطرفين. وفي ظل اتخاذ الأطراف الإقليمية والدولية، فضلاً عن العشائر الصومالية، موقفاً داعماً للحكومة، فإن ذلك يضعف من إمكانية أن تثق الحركة في إمكانية قيام أحد الأطراف بممارسة دور الوسيط المحايد بين الجانبين.
استعداد مسبق
ربما يمكن القول إنه بصرف النظر عن ما إذا كان خيار التفاوض بين الحكومة والحركة قائماً، فإنه يوحي في النهاية بأن الطرفين ربما يدرسان البدائل المتاحة أمامهما خلال الفترة الحالية، في ظل الضغوط التي يتعرضان لها، إلا أن ذلك قد لا يمنع تجدد المواجهات بينهما، وربما رفع مستوى التصعيد لتوجيه رسائل مسبقة قبل الانخراط في هذا المسار.