بدأ نائب المستشار الألماني وزير الاقتصاد وحماية المناخ روبرت هابيك جولته في منطقة الشرق الأوسط، والتي تستمر لأربعة أيام، وتضم إسرائيل -التي قام بزيارتها في ٦ يونيو الجاري- إلى جانب الأراضي الفلسطينية والأردن. وقد جاءت تلك الجولة لتكشف عن بعض المرتكزات الجديدة للسياسة الخارجية الألمانية تجاه المنطقة في وقت تواجه برلين جملة من التحديات الداخلية والأوروبية في أعقاب اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، وتسعى إلى تقييم سبل مساهمة المنطقة في الحد من تأثيراتها المتعددة، وهو ما انعكس على ملفات الزيارة التي ركزت على إيجاد بدائل لإمدادات الغاز الروسية، والتعاون في مجال الطاقة المتجددة وحماية المناخ.
مرتكزات عديدة
رغم أن وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك قامت بجولة في المنطقة، خلال الفترة من ٩ إلى ١٢ فبراير الماضي، حيث ركزت في الأساس على مجموعة من القضايا التي تحظى باهتمام خاص من جانب برلين، على غرار قضية السلام، إلا أن الجولة التي يقوم بها وزير الاقتصاد وحماية المناخ روبرت هابيك تكتسب أهمية خاصة لكونها جاءت عقب اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، على نحو دفع برلين إلى منح أولوية لمجموعة من القضايا الأخرى في سياق تفاعلها مع التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والعالم بشكل عام. ويمكن القول إن الحرب ساهمت في إعادة تحديد المرتكزات الأساسية للسياسة الألمانية في المنطقة، والتي يتمثل أبرزها في:
1- البحث عن بدائل للطاقة الروسية: تأتي زيارة الوزير الألماني بعد القرار الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي، في 31 مايو الفائت، بفرض حظر جزئي على واردات الطاقة الروسية، في إطار الجهود الغربية لقطع مصادر تمويل العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، بعد تردد ألماني في حظر واردات الطاقة الروسية، تخوفاً من تأثيراته على الاقتصاد الألماني، حيث توقع عدد من المؤسسات الاقتصادية البحثية الألمانية أن الوقف الفوري لواردات الطاقة الروسية من شأنه أن يُدخل الدولة في حالة من الركود الحاد خلال العام المقبل.
ومع بداية العمليات العسكرية الروسية، شرعت ألمانيا -التي تحصل على نصف إمداداتها من الغاز من روسيا- في البحث عن مصادر بديلة له. وقد تكون إسرائيل التي تمتلك احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي مرشحة لتكون أحد هذه المصادر، حيث قال هابيك قبل بدء زيارته للمنطقة: “تمتلك إسرائيل حقلاً كبيراً للغاز، يسهل استكشافه”. لكن ثمة إشكاليات عديدة تواجه هذا الخيار، على نحو دفع الوزير الألماني إلى تقليص التوقعات بأن تكون واردات الغاز من إسرائيل بديلاً للطاقة الروسية.
٢- تأسيس شراكات في قطاع الطاقة المتجددة: لا تقتصر أهداف جولة هابيك على البحث عن بدائل للغاز الروسي، ولكنها تركز بصورة رئيسية على تعزيز الشراكات مع بعض دول المنطقة في مشاريع الطاقة المتجددة، حيث يرى الوزير الألماني أن هناك فرصاً للشركات الألمانية لتوسيع نطاق التعاون مع إسرائيل والدول العربية المجاورة في مجال الطاقة المتجددة.
ووفقاً لوزارة الاقتصاد الألمانية، فإن تعزيز التعاون مع دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا “يوفر فرصة كبيرة في ضوء التحديات الجيوسياسية الحالية”، ولا سيما أن دول المنطقة لديها فرص قوية لإنتاج الطاقة الشمسية، بينما أوروبا لديها مصلحة في توفير المعرفة وتكثيف التعاون.
٣- تعزيز التنسيق في مجال حماية المناخ: اتساقاً مع الجهود الألمانية لتعزيز الشراكة الألمانية مع دول المنطقة في مجال الطاقة المتجددة والحفاظ على المناخ، سيشارك هابيك خلال زيارته للأردن في رئاسة المؤتمر الإقليمي للطاقة الذي يعقد بالتعاون مع الحكومة الألمانية خلال الفترة من ٨-٩ يونيو الجاري، ويتناول قضية المناخ والطاقة بمشاركة ممثلين من الدول الأوروبية والإفريقية والعربية. وسيركز هابيك خلال مشاركته على التوسع في الطاقة المتجددة، وإنتاج الهيدروجين والابتكارات التكنولوجية، وتشجيع التعاون بين ألمانيا والاتحاد الأوروبي من جهة، ودول الشرق الأوسط من جهة أخرى في مشاريع الحفاظ على المناخ.
4- دعم الدور الألماني في ملف اللاجئين: تبدي ألمانيا اهتماماً خاصاً بملف اللاجئين، فقد قامت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك خلال وجودها في الأردن، في 11 فبراير الماضي، بزيارة مخيم الطالبية للاجئين الفلسطينيين الذي تديره وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). ويخطط هابيك لزيارة “مخيم الأزرق”، ثاني أكبر مخيم للاجئين بالأردن، حيث يعيش به نحو ٣٩ ألف لاجئ سوري، وأكثر من نصف سكانه من الأطفال والمراهقين. وتعد ألمانيا ثاني أكبر دولة تقدم مساعدات إنسانية على مستوى العالم. وتشير التقديرات إلى أن حجم المساعدات الإنسانية التي قدمتها في عام 2021 وصل إلى حوالي ٢,٦ مليار يورو منها 750 مليون يورو لدعم المواطنين في العراق وسوريا ودول الجوار التي تضررت بسبب الصراع السوري. وتحمل زيارة الوزير الألماني لـ”مخيم الأزرق” دلالة أخرى تتعلق بمساعيه للحفاظ على المناخ وتحول المنطقة إلى الطاقة المتجددة، حيث يعد أول مخيم في العالم يعمل بالطاقة الشمسية.
5- مواصلة جهود مكافحة تنظيم “داعش”: تسعى ألمانيا عبر زيارة هابيك للجنود الألمان (١٥٠ جندياً) في قاعدة الأزرق بالأردن الذين يشاركون في التحالف الدولي لمكافحة تنظيم “داعش”، الذي تقوده الولايات المتحدة، إلى توجيه رسالة بأن الدور الذي تقوم به القوات الألمانية في هزيمة التنظيم الإرهابي ما زال مستمراً، حيث تتركز مهمة هذه القوات على التزويد بالوقود جواً والاستطلاع الجوي والتقاط الصور الجوية للوضع العملياتي، ولا سيما بعد تمديد البرلمان الألماني، في ٢٨ يناير الماضي، تفويض نشر القوات المسلحة الألمانية في إطار مهمة الناتو بالعراق والتحالف الدولي ضد “داعش” حتى نهاية أكتوبر القادم. وتهدف الجهود الألمانية إلى تعزيز الاستقرار في الدول التي كان ينشط فيها التنظيم الإرهابي قبل هزيمته، ومنع ظهوره مجدداً، لما له من عواقب بعيدة المدى على المنطقة، فضلاً عن تأثيراته على الأمن الأوروبي.
6- إبرام صفقات عسكرية نوعية: تمثّل أحد تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية في أنها دفعت ألمانيا نحو منح الأولوية لتعزيز قدراتها العسكرية، خاصة مع تزايد احتمالات استمرار الحرب التي لم تظهر مؤشرات باقتراب نهايتها. ولهذا تخطط ألمانيا، وفقاً لتقارير عديدة، لشراء نظام الدرع الصاروخي الإسرائيلي “Arrow 3″، بالتوازي مع الإعلان في وقت سابق عن خطط لشراء 35 مقاتلة أمريكية من طراز (F35). وقد قال المستشار الألماني أولاف شولتز، في 14 مارس الماضي: “على الجيش الألماني استبدال مقاتلاته من طراز تورنيدو التي أصبحت متقادمة على المدى القصير”. وربما تكون زيارة هابيك إلى تل أبيب مقدمة لتوسيع نطاق التفاهمات بين الطرفين حول صفقة محتملة في هذا الصدد.
سياسة نشطة
على الرغم من الانشغال الألماني بالتهديدات الروسية للأمن الأوروبي، ومنح أولوية للبحث عن بدائل لمصادر الطاقة الروسية؛ إلا أن تحركات الحكومة الألمانية ومسئوليها تكشف عن سياسة ألمانية نشطة للتعامل مع التحديات الدولية الأخرى، تركز في المقام الأول على تنفيذ أهدافها بخصوص توسيع الشراكات الألمانية في مجال الطاقة المتجددة والحفاظ على المناخ.