نحو نمط جديد للوحدة العربية «2» – الحائط العربي
نحو نمط جديد للوحدة العربية «2»

نحو نمط جديد للوحدة العربية «2»



نحن الآن أمام واقع عالمى يتغير، وعلينا أن نعمل جاهدين، على الدخول فيه كصانع وليس كمتلقى.. نعمل على أن نكون فى مرحلة الفعل وليس فى مرحلة رد الفعل. وهذا ما أراه بالفعل باديا فى الأفق.

إننا فى عصر الدولة الوطنية المستقلة ذات السيادة. ويمكن أن تدخل مجموعة من الدول العربية الوطنية المستقلة، فى رابطة مع بعضها البعض فى وحدة جديدة تحافظ على استقلالها الإستراتيجى، وفى الوقت نفسه تندمج مع غيرها فى أنماط مستحدثة، بناء على المناطق والمصالح المشتركة، ومن أهمها – كما قلت مرارا الوحدة الاقتصادية عبر آليات ومعايير تقوى من جميع أطراف الكتلة الواحدة فى مواجهة التكتلات العالمية الأخرى.

إنها فرصة تاريخية أن تقوم الكتلة العربية العاقلة (الخليج + 3)، بالاندماج الاقتصادى، على الأقل فى الآليات والمعايير الاقتصادية، وعبر ملتقيات ومنصات ونظم رقمية عربية موحدة فى العمل الاقتصادى والبنكى.

إن نجاح الكتلة العربية العاقلة (الخليج + 3) فى قمة جدة الأخيرة، فى التنسيق القبلى والمتابعة واتخاذ مواقف مشتركة، يغرى إغراء شديدا بالبناء عليها والذهاب إلى أنماط جديدة من التوحد والمشاركة فى المواقف فى التحديات الأخرى، ومن أهمها التحدى الاقتصادى.

ومن هنا تأتى أهمية الرؤية العربية للتحول للاقتصاد الرقمى التى شاركت جامعة القاهرة فى إعدادها ومراجعتها مع جهات عربية ودولية مرموقة تحت مظلة جامعة الدول العربية. وفى الحقيقة هذه الرؤية البالغة الأهمية، بدأت فى طبعتها الأولى بسؤال مهم، وقد لفت نظرى هذا السؤال، خاصة أننى أنتمى إلى المدرسة البحثية التى ترى أن أية دراسة يجب أن تبدأ بإشكال أو سؤال؛ فالدراسات العلمية ليست عرضا وتكرارا للمادة العلمية على النحو السائد فى الدراسات التقليدية التى تجتر الماضى اجترارا مثل اجترار الجمل، وكأن ثقافة النوق فى الاجترار هى الثقافة المثالية الموروثة من الماضي! وهى الثقافة التى لا تزال تتبناها شخصيات تعيش فى الماضى فخرا وتفاخرا تحت شعارات جوفاء تدغدغ المشاعر، لكنها لا تصنع حاضرا ولا تبنى مستقبلا!

وفى المقابل يجب تدعيم المدرسة البحثية التى ترى أن أية دراسة يجب أن تكون إجابة جديدة على سؤال أو إشكال..

وكان السؤال الذى بدأت به الرؤية العربية للتحول للاقتصاد الرقمى هو:

لماذا نحتاج الاقتصاد الرقمى كحافز للنمو؟

الإجابة طرحتها تلك الرؤية، و»حسب ما تشير إليه الدراسات، فإن العائد من تبنى الاقتصاد الرقمى لن يقف فقط عند معالجة التحديات ومشكلاتنا الملحة الحالية ــ مثل: استنزاف الاعتماد على الموارد الطبيعية، والبطالة، والكفاءة والفاعلية الحكومية، وإنشاء وظائف جديدة وغيرها ــ ولكنه سيسهم فى تحسين القدرة على تحقيق أهداف التنمية المستدامة التى أقرتها الأمم المتحدة. كما أن التحول الجاد للاقتصاد الرقمى سيدفع بتسريع النمو الاقتصادى، وهو ما يعنى إنشاء فرص عمل لأعداد الشباب المتنامى تعداده سنوياً، ورفع معدلات الإنتاج، وتحقيق الشفافية مع توفير مستويات مرتفعة من الأمن والخصوصية فى الأنظمة والمعاملات. وهو ما يمكن معه بلورة رؤية لتحويل العالم العربى إلى اقتصاد مُمَكَن رقميا، تدفع المنطقة نحو مستقبل رقمى مستدام وشامل وآمن من أجل بناء مجتمع عربى مترابط ومبتكر» (ص 12-13).

وأكدت الرؤية العربية على أتمتة العمليات والإجراءات، مّما يعزز الكفاءة التشغيلية التى تتضمن تقليل تكاليف المعاملات، وتخفيض أعباء الموازنات بشكل عام؛ وهذا يؤثر بدوره إيجابيا على الإنتاجية. علاوة على إطلاق فرص جديدة لنمو وازدهار مجالات جديدة للمشروعات التجارية؛ وخلق وظائف جديدة وتشجيع نماذج ريادة الأعمال. وأيضا زيادة قدرة الحكومات على تقديم الخدمات العامة وتوفريها للمواطنين بجودة أعلى وقدرة على الوصول للمواطن فى كل مكان وعلى مدار الساعة، وهو ما يحسن مستوى التفاعل بين المواطنين وحكوماتهم. (ص 29 وما بعدها).

لكن لابد -من وجهة نظري- من طرح سؤال آخر ضرورى يتحتم أن نسأله لأنفسنا، وهو:

لماذا نحتاج الاقتصاد الرقمى كحافز لنمط جديد من الوحدة السياسية؟

لا أقصد هنا- كما قلت سابقا- التحدث عن الوحدة السياسية كشكل من أشكال الوحدة التى كانت ذائعة فى عصورنا القديمة، ولكن أقصد الأشكال الجديدة من أنماط الوحدة التى طرحها العصر الحديث، مثل النمط الذى طرحه الاتحاد الأوروبى، أو النمط الذى طرحته الولايات المتحدة الأمريكية بين ولاياتها المختلفة، أو النمط الذى بدأ فى الظهور مؤخرا بين بعض الدول الكبرى فى الكتلة الشرقية.

وأنا هنا لا أتحدث عن المضمون، بل أتحدث عن الآليات والمعايير.. لأن المضمون سوف يدخلنا فى الخلافات الأيديولوجية والمذهبية، بينما الآليات والمعايير سوف تركز على المساحات والمصالح المشتركة. وعلى سبيل المثال، علينا أن نلتقى حول آليات وسياسات اقتصادية مشتركة وفاعلة فى عالم التجارة الإلكترونية E-Commerce المتسعة على مستوى الأفراد والمؤسسات والدول، والشمول المالى، ونظم التحصيل والدفع الإليكترونى الذكى، ومختلف أنواع الخدمات النقدية والمصرفية، علاوة على مشاركة الخدمات اللوجستية، وتتابع سلاسل الإمداد الإقليمية، والتوسع فى الهوية الرقمية A Digital Identity المحددة لهوية الأفراد أو المؤسسات أو غيرها.

نقلا عن الأهرام