يبدو، للأسف، أن الفريق المتفائل في المنطقة يفقد كثيراً من أنصاره بعد أن اتسعت دائرة التطورات فيها بشكل ينذر بخطر حقيقي تتجاوز آثاره ساحة غزة التي انطلقت فيها هذه الموجة الجديدة من القلق الإقليمي الذي تحول إلى عالمي.
كان المتفائلون يراهنون على أن الجهود الدولية والإقليمية ستنجح في تطويق العنف سريعاً، كما جرى في نسخ سابقة منه، وإقناع أطرافه بالتفاوض للعودة إلى نقطة ما قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول على الأقل، أو إقرار صيغة جديدة تمنع انفلات الأمور ثانيةً.
خاب الرهان، ولم تُفضِ الخيبة إلى هذه الخسارات الإنسانية التي عرفتها غزة فحسب، بل تعدتها إلى خطر أكبر يتعلق بالمنطقة كلها الذاهبة فيما يبدو إلى مرحلة اشتعال لا كاسب فيها.
نكاد نرى ما حذر البعض منه منذ الأيام الأولى للحرب في غزة وهو أن تتعدد جبهات المواجهة بين إسرائيل ومحيطها، خاصة إيران ولو عبر وكلائها، وكلهم، كما هو معلوم، في دول عربية أصبحت تمثل ساحات جديدة للحرب غير المباشرة.
وإذا كان من المستقر في أدبيات الحرب أن إشعالها أهون على طرفيها، أو أطرافها، من إطفائها، فإن افتقاد إسرائيل و«حماس» القدرة على الحسم، رغم تجاوز الصراع مئة يوم، أصبح عبئاً ثقيلاً عليهما تسعيان إلى التخفف منه خارج القطاع.
ولأن إسرائيل هي الأكثر شعوراً بالهزيمة، ولأن رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، يعرف أن نهاية الحرب هي بداية مساءلته أو محاكمته، وبالتالي نهاية مسيرته السياسية، فإنها كانت المبادرة إلى تحقيق انتصارات خارج جبهة غزة، وتحديداً باستهدافها للجنوب اللبناني، أو مواقع وجود إيراني في سوريا، وفي إيران نفسها، وهي رسائل مباشرة إلى طهران التي لا تزال تعتمد على الوكلاء في الرد باستثناء ضربها ما قالت إنه مركز للموساد في كردستان العراق.
قد يكون الأكثر خطورة من ذلك ما فعلته جماعة «الحوثي»، وهي أيضاً من وكلاء إيران، في البحر الأحمر وما استدعاه ذلك من رد أمريكي بريطاني وإعادة واشنطن تصنيف الجماعة إرهابية.
ومع استمرار قنص إسرائيل لقيادات عسكرية إيرانية في لبنان وسوريا، وتبادل إيران وباكستان القصف، وتواصل مأساة غزة، يكاد أي أمل في عودة الهدوء إلى المنطقة يتلاشي، ليحل محله احتمال أكبر لخروج الأمور عن السيطرة.
وهذا يعيد التساؤلات عن جدوى بدء التصعيد في غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والكلفة الإنسانية له التي يبررها البعض بإعادة إحياء القضية الفلسطينية، بينما المنطقة كلها مهددة بالاشتعال.
نقلا عن الخليج