(1) فى إطار التكليف الصادر إليكم من الدورة 26 للقمة العربية بدراسة إنشاء وتشكيل قوة عربية مشتركة، قد يكون من المفيد عرض بعض اتجاهات الحوار حول هذا الموضوع.
(2) يلاحظ أن الصحف العربية نشرت عدداً من المقالات حول مقترح إنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة، كما عرض الموضوع فى سياق اجتماع مراكز الأبحاث العربية بجامعة الدول العربية (فبراير الماضى)، وكذلك فى ندوة بمركز دراسات الوحدة العربية (بيروت). وصادف أن استضافت القاهرة فى نفس الفترة المشاورات الإقليمية للأمم المتحدة حول مستقبل عمليات حفظ السلام. ولاشك فى فائدة هذه الحوارات التى تنقلنا من مربع البكاء على الحالة العربية الراهنة إلى دائرة مناقشة الحلول، كما أنها تسهم فى فرملة موجة نظريات المؤامرة التى تدفعنا للتخلى عن المسؤولية عن مصيرنا وتبنى عقلية الضحية والسير ضد التاريخ.
أولاً: دراسة تجارب الآخرين
(3) يمكن القول بوجود اتفاق بين المتحاورين على فائدة دراسة التجارب الدولية والإقليمية فى مجال إنشاء وإدارة واستخدام القوات المشتركة، مع التركيز على الأمم المتحدة والناتو والاتحاد الأفريقى. وقد يكون من المفيد التوقف عند التجربة الأفريقية، حيث يلاحظ أن المادة 13 من بروتوكول مجلس الأمن والسلم الأفريقى حددت مهام «قوة الاحتياطى الأفريقى» African Standby Force على أنها تتضمن:
– عمليات الرقابة والمتابعة.
– عمليات حفظ السلام.
– التدخل فى دولة عضو فى ظروف الشدة أو بناء على طلب دولة عضو.
– الانتشار الوقائى عند احتمال نشوب نزاع أو منع تصاعد النزاعات أو انتشارها.
– عمليات بناء السلام بما فى ذلك نزع السلاح بعد انتهاء النزاعات.
– عمليات الإغاثة الإنسانية فى مناطق النزاعات وفى حالات الكوارث الطبيعية.
(4) ويحدد الإطار السياسى لإنشاء القوة الأفريقية (2003) ستة سيناريوهات محتملة لنشر القوة يلاحظ عليها طابعها التصاعدى، بحيث تبدأ من المستويات الأكثر سهولة وتنتقل مع الوقت للعمليات الأكثر تعقيداً وصعوبة: (أ) تقديم المشورة العسكرية للمهام السياسية. (ب) مهمات الرقابة بالتعاون مع الأمم المتحدة. (ج) مهمات الرقابة المستقلة. (د) قوات حفظ السلام والانتشار الوقائى وعمليات بناء السلام. (هـ) عمليات حفظ السلام ذات الطابع المركب (مثلاً فى مواجهة أطراف غير حكومية). (و) التدخل العسكرى فى حالات الإبادة وغيرها من الانتهاكات الجسيمة خاصة عندما يتأخر رد الفعل الدولى.
(5) وتستهدف الخطط الموضوعة نشر القوات خلال مدد محددة تتراوح ما بين 30 يوماً فى حالات السيناريوهات الأربعة الأوَل و90 يوماً فى حالة السيناريو رقم 5. وتوالت خطط التدريب، خاصة على المستوى القيادى، كما أطلقت محاولات لإيجاد مراكز قيادة فرعية فى أقاليم القارة المختلفة (للمفارقة كان من المفروض أن تستقبل ليبيا مركز القيادة الخاص بشمال أفريقيا فى طرابلس، بينما اتفق أن تكون القاهرة هى مركز قيادة الفرقة المشتركة للإقليم).
ثانياً: تحليل نوعية التهديدات
(6) تراوحت التصورات العربية لأولويات ونوعيات التهديد التى لابد أن تواجهها القوة العربية المقترحة. فهناك من رأى ضرورة التخطيط لمواجهة الدول الشرق أوسطية التى يوجد اختلال فى الميزان العسكرى معها (إسرائيل، إيران، تركيا)، أو التى تتبع سياسات مناوئة للمصالح العربية. وبالتوازى وجد رأى آخر بضرورة التركيز على خطر الإرهاب باعتباره أولوية، بينما ذهب رأى ثالث إلى ضرورة الإسهام فى علاج أوضاع الحرب الأهلية العربية القائمة عبر عمليات نشر المراقبين وقوات حفظ السلام والشرطة، بالإضافة لعمليات الإغاثة الإنسانية وإعادة الإعمار ومكون مدنى.
(7) من الواضح أن هناك تبايناً كبيراً بين وجهات النظر هذه، ولاشك أن المسألة تحتاج إلى دراسات أكثر تحديداً ومناقشات أكثر عمقاً.
ثالثاً: الإطار القانونى والسياسى للعمليات
(8) لم يتوقف الكثيرون عند نقطة مصدر الشرعية لأى عمل عسكرى عربى مشترك. فقد ارتاح النظام الإقليمى العربى لسنوات طويلة لمبدأ عدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول العربية الشقيقة كما وجدت اعتراضات عربية على مبدأ «واجب الحماية» القاضى بضرورة التدخل بالقوة فى حالة وجود انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان فى دولة ما. ومع ذلك فإن دور جامعة الدول العربية فى حالتى سوريا وليبيا، وقبولها بقرار مجلس الأمن رقم 1970 الخاص بليبيا كان خروجاً على هذه المواقف التقليدية. من ناحية أخرى، يرى عدد من فقهاء القانون الدولى أن مجلس الأمن هو الجهة الوحيدة التى تملك شرعية التصريح بعمل عسكرى جماعى، وبالتالى فإن المنظمات الإقليمية لابد أن تستصدر موافقة من مجلس الأمن قبل تدخلها فى دولة ما.
(9) وبالإضافة لهذه الاعتبارات القانونية فإنه من المفترض أن تتوافق الدول العربية على الأهداف السياسية لأى تحرك عسكرى مشترك. فهل يمكن أن يستهدف هذا التحرك تثبيت الأوضاع الداخلية فى حالة قيام حرب أهلية مثلاً؟ أم أنه ينبغى أن يساعد دولة عضواً على الوقوف أمام تهديد خارجى؟ هل يتوقف دور القوات على مراقبة وقف إطلاق نار؟ أم أنه يمكن أن يتطور إلى مهام قتالية دفاعاً عن أحد الأطراف؟ وهل يمكن أن تقوم القوة العربية بالانضمام لأطراف دولية فى عمليات مشتركة (مثلاً القوة البحرية الدولية لمكافحة عمليات القرصنة)؟ وما حالة الدول العربية التى تستقبل قواعد عسكرية أجنبية وترتبط باتفاقيات تعاون عسكرى مع قوى غير عربية؟
رابعاً: العمل داخل إطار الجامعة أو خارجه
(10) وُجد رأى ينادى بضرورة الحفاظ على المؤسسات العربية القائمة وتعزيزها، لأنها لو هُدمت فسوف يصعب تعويضها فى ظل الظروف القائمة. ويرتكز هذا الرأى لوجود مؤسسة عربية لها أجهزة متخصصة متعددة مع وجود اتفاقية للتحالف العسكرى بين الدول الأعضاء. ويستطرد هذا الرأى بالمطالبة بتفعيل الاتفاقية عبر إحياء أجهزتها الرئيسية ودعوة وزراء الدفاع العرب للانعقاد وإحياء مبادرات الإنتاج العسكرى المشترك، الخ. وبالمقابل يوجد رأى يشكك فى فاعلية تجربة العمل العسكرى العربى المشترك من الناحية التاريخية، ويرى ضرورة التحرك فى أطر واقعية تعكس قدرات الدول الراغبة فى العمل المشترك بجدية، ودون تقيد بإيقاع العمل العربى المشترك الذى لابد أن يكون بطيئاً فى ظل تضاعف عدد الدول الفاشلة، واهتزاز دور الدولة بل سقوطها فى أكثر من حالة، علاوة على وجود أطراف هامشية فى المنظومة العربية لا يتصور أن يكون لها إسهام عسكرى (مثلاً الصومال، جيبوتى، جزر القمر). وقد يتطلب الواقع السير على خطين أحدهما يتمثل فى العمل من خلال تحالفات مؤقتة خارج إطار جامعة الدول العربية (عاصفة الحزم)، والثانى يعتمد على العمل من خلال آليات الجامعة (القوة المشتركة).
مع خالص التقدير.
نقلا عن المصري اليوم