فى غمرة موجات الغزل السياسى المتلاحق من قبل جميع المسئولين الأتراك بحق مصر فى الأيام الأخيرة، نسى كثيرون أن يسألوا السؤال الأهم فى الموضوع وهو: وهل سوف تتخلى تركيا عن ورقة جماعة الإخوان وبقية الجماعات التى تستثمر فيها منذ عام ٢٠١١؟!
كبار المسئولين الأتراك يتحدثون طوال الشهور الماضية عن أهمية مصر وموقعها ودورها وثقافتها وحضارتها، وضرورة أن تكون هناك علاقات طيبة بين البلدين لمصلحة الشعبين، لكن تركيا لم تتحدث تفصيلا عن الثمن الذى يجب أن تدفعه لمصر لإصلاح الأخطاء الفادحة بما يجعل العلاقات جاهزة للتحسن.
نظام الرئيس التركى رجب طيب أردوغان استثمر كثيرا فى جماعات العنف والتطرف والإرهاب فى المنطقة بأكملها، منذ ثورات الربيع العربى.
هو حاول أن تكون هذه الجماعات ذراعه الأساسية فى سبيل إقامة مشروعه الإقليمى لحكم المنطقة، وكاد هذا المشروع ينجح، لولا ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ فى مصر، التى قصمت ظهره.
وكان من الطبيعى أن يجن جنون أردوغان بسبب هذ الثورة المصرية التى بعثرت كل آماله السياسية. ولذلك لم يكن غريبا أن يكون انحيازه لجماعة الإخوان أكثر تطرفا من بعض قادة الجماعة أنفسهم. هو جاء بهم من كل المنطقة، وفتح لهم أبواب وفنادق بلادهم وقدم لهم كل أنواع الدعم، وتجول فى أوروبا والعديد من دول العالم مدافعا عن قضيتهم، ورأيناه يرفع علامة رابعة بصورة مسرحية فى أكثر من مكان، وشن هجوما حادا ضد الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى لم يرد عليه إطلاقا، بل إن السيسى رفض قطع العلاقات الاقتصادية مع تركيا. التى كانت تستثمر حوالى ٥ مليارات دولا فى الأسواق المصرية.
قدم أردوغان لجماعات الإخوان وبقية الجماعات المتطرفة الأخرى كل أنواع الدعم، وفتح لهم محطات فضائية تشن هجوما دائما ومستمرا ضد بلدهم وجيشهم وشرطتهم وقضائهم بل إن هذه المحطات متورطة فى الحض على ارتكاب أعمال عنف وإرهاب، ومحاولات اغتيال قضاة وسياسيين وشخصيات عامة داخل مصر. وهناك مئات الأحكام الصادرة من القضاء المصرى بحق هؤلاء.
التقديرات تقول إن هناك بين ٥ ــ ٧ آلاف مصرى معارض، مقيمين فى تركيا. وبالمناسبة هؤلاء ليسوا صنفا واحدا. جميعهم خرجوا وذهبوا إلى هناك بحثا عن «الدولة الإسلامية المنشودة» وإعادة الإخوان للحكم. معظم هؤلاء اكتشف فى تركيا الخديعة الكبرى وأن الديمقراطية مفقودة تماما بينهم، وقرأنا وسمعنا قصصا بقلم هؤلاء يقولون إنهم لا يجدون المأكل والملبس والدواء، وبعضهم يفتش فى صناديق القمامة عن الأكل! وسمعنا عن خناقات على من يحصل على الجنسية التركية طبقا لنوعية الفصيل الذى تنتمى اليه، وتشاجر هؤلاء علنا أثناء جلوسهم مع المسئولين الأمنيين الأتراك.
السؤال هل وصلت إلى أردوغان قناعة راسخة بأن الرهان على هذه الجماعات قد انتهى، وأنه يكفى تجربة السنوات الثمانى الأخيرة التى برهنت على أن جماعة الإخوان قد أخفقت فى كل ما راهنت عليه، وحاولت أن تقنع به الأتراك؟ أظن أن هذا العامل قد يكون سببا فى بدء التفكير العملى التركى فى بدء التخلى التدريجى عن جماعة الإخوان.
لكن السؤال: ما هى حدود هذا التخلى الأردوغانى عن الجماعة؟!
لو أن الأمر بيد المعارضة التركية أو حتى بعض قيادات حزب العدالة والتنمية، لكان قد تم التضحية بالإخوان منذ زمن بسبب ما سببوه من خسائر استراتيجية كبيرة لبلادهم، ولكن مربط القرار فى يد أردوغان، ويصعب تصور أن يقوم بالتخلص منهم، وكأن شيئا لم يكن. كما يصعب أن يقوم بتسليمهم جميعا للسلطات المصرية، التى تطالب بذلك منذ سنوات طويلة. تركيا تريد أن تبدو فى حالة حوار سياسى ودبلوماسى مع مصر والقاهرة ردت عليها بوضوح قبل أيام بأن مصطلح الحوار السياسى والدبلوماسى، غير موجود فى حالة علاقات البلدين، وأن على تركيا أن تبرهن بعدم التدخل فى الشئون الداخلية المصرية وكذلك الأمن القومى العربى.
إن آجلا أو عاجلا سوف تكشف تركيا عن حقيقة نواياها وهل هى جادة فعلا وتريد التقارب مع مصر، وبالتالى عليها أن تقدم على اتخاذ قرارات صعبة، أم أنها تسعى فقط عبر التقارب مع مصر، للضغط على كل من قبرص واليونان وأوروبا، بأنها قادرة على فتح كوة فى جدار العلاقة الصعبة مع مصر؟!
عموما الموضوع مفتوح على العديد من الاحتمالات ليس فقط ما يخص مصر ولكن كل المنطقة.
نقلا عن صحيفة الشروق المصرية