حسابات متشابكة:
لماذا يهتم حزب الله اللبناني بالاحتجاجات الإيرانية؟

حسابات متشابكة:

لماذا يهتم حزب الله اللبناني بالاحتجاجات الإيرانية؟



مع تجاوز الاحتجاجات التي اندلعت في إيران، أسبوعها الثاني، كان لافتاً أن حزب الله اللبناني حرص على الانخراط في الجدل الذي تصاعد حولها، على نحو بدا جلياً في التصريحات التي أدلى بها الأمين العام للحزب حسن نصر الله، في أول أكتوبر الجاري، ودافع فيها عن السياسة التي اتبعتها إيران في التعامل معها. إذ قال نصر الله: “قامت الدنيا أمام سيدة إيرانية توفيت في ظروف غامضة”، مضيفاً أنه “تم استغلال حادثة غامضة ونزلوا ناس… نزل ألف ألفين ما في مشكلة، البعض منهم مارس الشغب واعتدى وقتل”.

وربما يمكن القول إن انخراط حزب الله في هذا الجدل يمثل مؤشراً على أن هذه الاحتجاجات تحديداً فرضت ضغوطاً قوية على النظام في إيران، حيث لم يكن الحزب حريصاً على تبني الموقف نفسه إزاء الاحتجاجات السابقة التي اندلعت في إيران، على غرار احتجاجات عامي 2017 و2019.

دوافع عديدة

يمكن تفسير انخراط الحزب في هذا الجدل في ضوء دوافع عديدة يتمثل أبرزها في:

1- اتساع نطاق الدعم الدولي للمحتجين: يمثل حرص حزب الله على التماهي مع الخطاب الرسمي الإيراني إزاء الاحتجاجات، من خلال الإشارة إلى أن هناك مؤامرة تُحاك ضد إيران عبر جهات خارجية تنفذ أجندة خاصة بها بمساعدة أطراف داخلية، رداً على اتساع نطاق الاهتمام الدولي بتلك الاحتجاجات وما نجم عنها من أحداث عنف نتيجة السياسة التي اتّبعتها السلطات في التعامل معها. فقد اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول إلى فرض عقوبات على ما يسمى بـ”شرطة الإرشاد” في إيران، التي اتُّهمت بالاعتداء على الفتاة الكردية مهسا أميني بشكل أدى إلى وفاتها في 16 سبتمبر الفائت. كما استدعت بعض الدول الغربية السفراء الإيرانيين المعتمدين لديها للاحتجاج على العنف الذي مارسته السلطات في مواجهة المحتجين.

2- التنديد الإقليمي بالهجمات على شمال العراق: أثارت الهجمات التي شنتها إيران عبر الصواريخ الباليستية والطائرات من دون طيار على مناطق في شمال العراق، في 30 سبتمبر الفائت، لاستهداف مواقع زعمت أنها تابعة لجماعات كردية إيرانية مسلحة؛ إدانات إقليمية عديدة، حيث اعتبرت العديد من القوى الإقليمية أن ما حدث يمثل انتهاكاً للسيادة العراقية، ومحاولات لتوجيه الانتباه بعيداً عن الاحتجاجات التي تشهدها إيران. ومن دون شك، فإن تدخل حزب الله في هذا الجدل عبر دعم الرواية الرسمية الإيرانية يوحي بأنه يؤيد التحركات العسكرية الإيرانية في العراق، باعتبار أنها -وفقاً لمزاعمه- تهدف إلى حماية الأمن القومي الإيراني، وهي المقاربة نفسها التي يتبعها في التعامل مع التدخل الإيراني في سوريا، لدعم نظام الرئيس بشار الأسد في مواجهة الفصائل المسلحة، على نحو كان له دور رئيسي في تغيير توازنات القوى لصالحه في النهاية.

3- تصاعد الاستياء من استمرار تمويل المليشيات: لا ينفصل انخراط حزب الله في دعم السياسة التي تتبناها إيران في التعامل مع الاحتجاجات عن تركيز المحتجين في إيران، كما حدث في الاحتجاجات السابقة، على الإشكاليات والتداعيات السلبية التي يفرضها استمرار الدعم الإيراني للمليشيات المسلحة في المنطقة، وفي مقدمتها حزب الله. إذ يرى قسم من المحتجين أن هذا الدعم يخصم من قدرة الدولة على تلبية الاحتياجات المعيشية للإيرانيين أنفسهم، ويتسبب في تفاقم حدة الأزمات المختلفة، دون أن تتمكن الحكومات المتعاقبة من احتواء تأثيراتها التي يتسع نطاقها تدريجياً.

4- التركيز على موقع المرشد الأعلى للجمهورية: ركز المحتجون في شعاراتهم علىالمرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي وأسرته، ولا سيما ابنه مجتبى. إذ لم يكتفوا بترديد شعار “الموت للديكتاتور” في إشارة إلى الأول، وإنما بدؤوا في الترويج إلى أن النظام يسعى إلى تمكين الثاني من خلافة والده في منصبه، عبر تعزيز موقعه داخل دوائر صنع القرار، وتوثيق علاقاته مع المؤسسة العسكرية، ولا سيما الحرس الثوري، خاصة أنه يعمل داخل مكتب والده منذ سنوات، وبالتالي لديه القدرة على الاطلاع على إدارة شئون الدولة.

وهنا، فإن شن حملة ضد المرشد خامنئي يمثل “خطاً أحمر” بالنسبة لحزب الله، الذي أعلن في السابق أن خامنئي هو مرجعه التقليدي. وربما يكون هدف نصر الله تحديداً من التركيز على الوضع الصحي للمرشد هو الرد على الشائعات التي راجت في الفترة الأخيرة حول هذا الملف، على نحو لا يفصله نصر الله عن المحاولات التي تجري -حسب مزاعمه- لـ”تقويض دعائم النظام الإيراني”.

ومن دون شك، فإن نصر الله يسعى عبر تلك المزاعم إلى التهوين من الأسباب الحقيقية التي أدت إلى اندلاع الاحتجاجات في إيران، وتشويه صورة المحتجين، باعتبار أنهم “يخدمون أجندات خارجية”، رغم أن الاحتجاجات اندلعت نتيجة وفاة مهسا أميني على أيدي عناصر “شرطة الإرشاد”، وتوسعت بسبب السياسة القمعية التي تبنتها السلطات.

5- تزايد احتمالات إبرام اتفاق بحري بين لبنان وإسرائيل: كان لافتاً أن تدخل حزب الله في الجدل حول الاحتجاجات الإيرانية تزامن مع حدوث أول اختراق في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، بعد أن قدم الوسيط الأمريكي آموس هوكستاين اقتراحاً مكتوباً، اعتبر رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري -حليف حزب الله- في أول أكتوبر الجاري، أنه “مسودة اتفاق”، مضيفاً أنه “يلبي مبدئياً المطالب اللبنانية”. وهنا، فإن الحزب ربما سعى إلى إبداء دعمه للسياسة الإيرانية في التعامل مع المحتجين لتوجيه رسالة بأن أي تطورات يمكن أن تجري على صعيد العلاقات مع إسرائيل لن تؤثر على موقع حزب الله أو دوره في خريطة التدخلات الإيرانية في المنطقة، أو موقفه تجاه إسرائيل. ومن هنا، يمكن تفسير تعمد نبيه بري التأكيد على أن “المطالب اللبنانية ترفض إعطاء أي تأثير للاتفاق البحري على الحدود البرية”، في إشارة إلى أن هناك سقفاً معيناً للتأثيرات التي يمكن أن يفرضها أي اتفاق محتمل لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.

توافق مستمر

على ضوء ذلك، يمكن القول إن حزب الله يسعى من خلال الانخراط في الجدل حول الاحتجاحات الإيرانية إلى توجيه رسائل مباشرة، سواء إلى خصومه في الداخل اللبناني، أو إلى القوى الإقليمية والدولية المعنية بما يجري في المنطقة، مفادها أن الضغوط التي يتعرض لها الحزب وإيران معاً سوف تدفع الأول إلى تعزيز علاقاته مع الثانية، والتماهي بشكل أكبر مع الخطاب العام الذي تتبناه. وربما يكون للحزب أدوار أخرى أكثر تأثيراً في المستقبل، لكنها أدوار سوف ترتبط -في النهاية- بما سوف تؤول إليه المفاوضات النووية، ومسارات التصعيد مع إسرائيل.