رغم استمرار العمليات العسكرية والأمنية لملاحقة عناصر فرع تنظيم “القاعدة” في اليمن، المعروف بـ”تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” أو “أنصار الشريعة”، إلا أن التنظيم لا يزال قادراً على مواصلة العمليات الإرهابية في مناطق الجنوب اليمني. وعقب تراجع معدل النشاط العملياتي خلال النصف الثاني من العام الماضي، بعد إطلاق عملية “سهام الشرق” من جانب المكونات العسكرية في جنوب اليمن، واستمرار معدلات التراجع خلال مطلع العام الجاري؛ فإن ثمة تخوفات من احتمالات تصاعد النشاط العملياتي لفرع “القاعدة” خلال الفترة المقبلة، عقب تزايد طفيف في معدل النشاط بداية من شهر مارس الماضي.
أبعاد متعددة
يمكن الوقوف على أبعاد النشاط العملياتي لفرع تنظيم “القاعدة” في اليمن، وتحديداً خلال الفترة (يناير – 6 مايو) 2023، على النحو التالي:
1- تزايد طفيف في معدل العمليات: خلال شهر أكتوبر 2022، أشار تقرير صادر عن مشروع “بيانات الأحداث والنزاع المسلح” المعروف اختصاراً بـ”ACLED”، إلى تراجع النشاط العملياتي لفرع “القاعدة” في اليمن، بعدما تصاعد معدل العمليات، وتحديداً مع إطلاق عملية “سهام الشرق” لملاحقة التنظيم الإرهابي في معاقله التي يتحصن فيها، وتحديداً في محافظتي أبين وشبوة، مسجلاً أعلى معدل عمليات للتنظيم خلال شهر سبتمبر 2022، والذي شهد أكبر معدل للنشاط العملياتي منذ يوليو 2018.
وعقب إعلان القوات المشاركة في العمليات ضد فرع تنظيم “القاعدة”، السيطرة على معسكرات للتنظيم والسيطرة على بعض مناطق نفوذه، سجل مشروع “بيانات الأحداث والنزاع المسلح” تراجعاً في العمليات، وهذا التراجع يمكن ملاحظته حتى شهر فبراير الماضي، خاصة مع رصد العمليات التي أعلن التنظيم مسئوليته عنها خلال الفترة من (يناير – 6 مايو 2023)، مع الأخذ في الاعتبار أن التنظيم ادعى مسئوليته عن 9 عمليات تقريباً خلال شهر ديسمبر 2022.
ويوضح المخطط التالي تزايداً طفيفاً في العمليات التي أعلن التنظيم تبنيها بداية من شهر مارس الماضي. وبشكل عام، كان لافتاً أن التنظيم يحاول الحفاظ على معدل عمليات متقارب، سواء صعوداً أو هبوطاً.
2- تركيز النشاط العملياتي في أبين: يركز فرع “القاعدة” في نشاطه العملياتي باليمن على محافظة أبينبشكل رئيسي منذ مطلع العام الجاري، مقابل محدودية العمليات في محافظة شبوة. إذ تُظهر العمليات التي تبنى التنظيم تنفيذها منذ يناير الماضي، أن 28 عملية من أصل 32 كانت في محافظة أبين، مقابل 4 عمليات فقط في محافظة شبوة. وتركزت عمليات التنظيم في محافظة أبين بمناطق وادي عومران، والمحفد، والبقيرة، ومودية، مقابل عسيلان، والروضة، والمصينعة في محافظة شبوة.
ويتصل اقتصار النشاط العملياتي جغرافياً على محافظتي أبين وشبوة، باعتبارهما من مراكز ثقل التنظيم خلال سنوات سابقة، وتمركز عناصره في بعض المناطق الجبلية الوعرة، وهذا يفسر عدم الاتجاه إلى توسيع نطاق عملياته خارج المحافظتين.
3- الاعتماد على النمط الدفاعي بالعمليات: يتضح من خلال تحليل الأنماط العملياتية لتنظيم “القاعدة في جزيرة العرب” خلال المدى الزمني المحدد، واتصالاً بالنطاق الجغرافي للنشاط العملياتي، أنه يعتمد على “النمط الدفاعي” في عملياته ضد الكيانات العسكرية المشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب بالجنوب اليمني.
إذ لم ينفذ التنظيم سوى 6 عمليات فقط بنمط هجومي، اعتماداً على مهاجمة القوات المشاركة في الحملات العسكرية ضده، سواء في اشتباك مباشر، أو عملية لاستهداف تمركزات أمنية، أو قصف مواقع أمنية بقذائف هاون، بينما جاءت 26 عملية من أصل 32 بنمط دفاعي.
4- استمرار التوسع في استخدام العبوات الناسفة: اتساقاً مع النمط الدفاعي في النشاط العملياتي لـ”القاعدة” في اليمن، فإنه يتضح استمرار توسّع التنظيم في استخدام العبوات الناسفة التي يتم زراعتها في طريق الحملات الأمنية وفي نطاق مراكز نفوذه وتمركزات عناصره.
ويُظهر حصر عدد العمليات التي استخدم فيها التنظيم العبوات الناسفة نحو 18 عملية من إجمالي 32، أي إن أكثر من نصف عمليات التنظيم جاءت باستخدام العبوات الناسفة، بما يشير إلى الاعتماد عليها بصفة أساسية في العمليات ضد القوات المشاركة في الحملات الأمنية.
وهنا، فإن بعض التقديرات أشارت إلى أن التنظيم استخدم العبوات الناسفة في عملياته خلال الربع الثالث من العام الماضي بصورة كبيرة، لتصنف بأنها أعلى معدل لاستخدام العبوات منذ عام 2015.
أسباب رئيسية
في ضوء طبيعة النشاط العملياتي لفرع “القاعدة” في اليمن، يمكن تحديد عدد من العوامل المؤثرة في الزيادة الطفيفة بالنشاط العملياتي، والتي قد تدفع إلى السعي لمحاولة زيادة العمليات خلال الفترة المقبلة، مقارنة بالربع الأخير من العام الماضي، وأول شهرين من عام 2023، وأبرزها:
1- محاولة إعادة بناء القدرات التشغيلية: بالنظر إلى أن التنظيميعتمد بصورة رئيسية على العبوات الناسفة في عملياته، وتحديداً خلال فترة الحملة الأمنية الموسعة على معاقله خلال أغسطس وسبتمبر الماضيين؛ فإن التراجع في معدل النشاط العملياتي يبدو طبيعياً في ظل احتمالات استنزاف التنظيم كل طاقاته في التصدي للحملات الأمنية، باستخدام أعداد كبيرة من العبوات، وبالتالي فإن الزيادة الطفيفة في معدل النشاط ربما ترتبط بإعادة بناء القدرات التشغيلية على مستوى تصنيع عبوات ناسفة لتعزيز مخزون التنظيم.
وفي هذا السياق، فإن التنظيم ربما احتاج فترة زمنية لإعادة ترتيب صفوفه مجدداً، خاصة عقب مقتل أحد قياداته ويدعى حسان الحضرمي في شهر يناير الماضي، بغارة لطائرة من دون طيار، والذي تشير بعض المعلومات إلى أنه كان المسئول عن تصنيع العبوات الناسفة.
2- إرباك احتمالات التسوية السياسية: من شأن بعض التطورات الإقليمية أن تنعكس على مسارات الأزمة اليمنية،حيث قد يساعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران في حلحلة الأزمة في اليمن، أو على الأقل تهيئة المجال لخفض مستوى التوترات داخلياً، تمهيداً لتحقيق تفاهمات مستقبلاً.
ويمثل سيناريو التهدئة وحلحلة الجمود في الملف اليمني أزمة بالنسبة لتنظيم “القاعدة” باليمن، الذي يستغل الأزمات والتوترات بين مختلف الأطراف للتسلل بين الحين والآخر ميدانياً، وخاصة فيما يتعلق بالخلافات بين المكونات الموالية للشرعية اليمنية في الجنوب. وبالتالي، فإن التحرك لاستمرار النشاط العملياتي، والسعي لزيادة معدلاته، يمثل محاولة لاختراق المشهد اليمني، وتصدير أزمات للمكونات الجنوبية، لزيادة التوترات بينهم خلال الفترة المقبلة.
3- السعي لاستمالة أبناء القبائل في الجنوب: يسعى تنظيم “القاعدة” في اليمن إلى استمالة أبناء القبائل في جنوب اليمن، منذ محاولة إطلاق مرحلة جديدة من العنف في الجنوب، عقب حدوث تغير في استراتيجية التنظيم من استهداف الحوثيين باتجاه استهداف المكونات الجنوبية، وإثارة التوترات الأمنية في محافظات الجنوب، من خلال خطاب تحريضي لشباب القبائل ضد الأوضاع القائمة، والخلافات والتوترات بين عدد من المكونات بالجنوب.
وبالتالي، فإن محاولة تكثيف النشاط العملياتي خلال الفترة الأخيرة، تهدف إلى التأكيد على استمرار النشاط رغم الحملات الأمنية، وهي مساعٍ لتصدير تماسك التنظيم وعدم التأثر باستهداف قياداته بقصف بطائرات من دون طيار، وأبرزهم حمود التميمي رئيس مجلس شورى التنظيم.
4- رفع مستوى التوترات الأمنية: ترتبط زيادة النشاط العملياتي الطفيف منذ شهر مارس الماضي، بمساعٍ لمواجهة الحملات الأمنية المستمرة لملاحقة عناصر التنظيم، خاصة مع تمكن عملية “سهام الشرق” من تدمير معسكر التنظيم والسيطرة على المناطق الجبلية في مديرية مودية، وفقاً لتقارير إعلامية.
وبالتالي، فإن التنظيم يسعى من خلال محاولة زيادة النشاط العملياتي إلى مواجهة التحركات الأمنية لتأمين المناطق التي فقدها. إذ يمكن تفسير تحركات التنظيم في سياق الرد الانتقامي على خسائره التي لحقت به منذ انطلاق حملة “سهام الشرق”، في محاولة لزيادة مستوى التوترات الأمنية، عقب فترة من تراجع النشاط العملياتي.
قدرات محدودة
وأخيراً، ورغم إظهار عدد العمليات المنسوبة لفرع تنظيم “القاعدة” في اليمن، زيادة طفيفة في النشاط العملياتي بداية من شهر مارس الماضي، ومحاولة المحافظة على وتيرة ثابتة وإن كانت أقل من معدلات أغسطس وسبتمبر 2022، إلا أن الزيادة لا تعكس تطوراً في القدرات العملياتية للتنظيم، عقب تعرضه لعددٍ من الضربات خلال الحملات الأمنية على معاقله واستهداف بعض قياداته بقصف لطائرات من دون طيار.
ولكن في المقابل، أظهر فرع “القاعدة” قدرة على التكيف على مدار سنوات طويلة، وإعادة بناء القدرات، وتوظيف الأوضاع لصالحه من خلال استقطاب عناصر جديدة، بما يستدعي مواصلة الضغوط على التنظيم أمنياً، وتأمين المناطق التي فقدها في المواجهات خلال النصف الثاني من العام الفائت، وحرمانه من أي محاولة لبناء القدرات، وتحديداً على مستوى استمالة أبناء القبائل في الجنوب.