وجّهت الحكومة الصومالية، في 22 سبتمبر الجاري، دعوة لمجلس الأمن الدولي من أجل إرجاء تنفيذ المرحلة الثانية من خطة سحب قوة الاتحاد الأفريقي (قوات البعثة الانتقالية الأفريقية في الصومال “أتميص”)، وهو ما لا يمكن فصله عن استمرار محاولات حركة “شباب المجاهدين” استعادة سيطرتها وتصعيد عملياتها الإرهابية ضد الجيش الصومالي والقوات الدولية في الصومال، بينما لا يزال الجيش الصومالي يعتمد على الدعم الإقليمي والدولي والتعاون مع المليشيات العشائرية في صد هجماتها، فيما تتصاعد حدة التوتر داخل الحكومة الصومالية وحكومة الولايات نتيجة انتقادات بعض القادة للحملة العسكرية بسبب تقدمها البطيء، فضلاً عن تزايد الخلافات بين الجيش والمليشيات العشائرية التي اعتمد عليها خلال المرحلة الأولى من الحملة العسكرية.
دوافع عديدة
يمكن تفسير هذا الموقف الجديد الذي تبنته الحكومة الصومالية في ضوء دوافع عديدة يتمثل أبرزها في:
1- الإنجازات المحدودة للعملية العسكرية: رغم إعلان الحكومة الصومالية، في 6 أغسطس الفائت، عن بدء المرحلة الثانية من حملة مكافحة تمرد حركة “الشباب”، التي أطلق عليها اسم “عملية الأسد الأسود”، في ولايتي هيرشابيل وجلمودوج، وقيام الرئيس حسن شيخ محمود بنقل مركز قيادة الحملة من مقديشو إلى دوساماريب، عاصمة ولاية جالمودوج، بهدف تعزيز التنسيق بين قوات الأمن وحشد الدعم بين مليشيات عشيرة حبر جدير في الولاية، فضلاً عن إعلان الحكومة الفيدرالية عن حشد آلاف الجنود الجدد في ولايتي جلمودوج وهيرشبيلي؛ إلا أن العملية العسكرية لا تزال تسير ببطء وتعتمد على الدعم الإقليمي والدولي، وخاصة الدعم المقدم من قوات البعثة الانتقالية الأفريقية في الصومال “أتميص”. وقد حاولت المرحلة الأولى من خطة الرئيس الصومالي شيخ محمود القضاء على حركة “الشباب” في وسط الصومال والسيطرة على عدد من معاقلها، لكنها أدت إلى انتقال المسلحين إلى مناطق نائية في ولاية جلمودوج ومناطق أخرى قريبة من الحدود مع كينيا.
2- محاولة الحركة استعادة السيطرة: بعد التقدم المحدود الذي أحرزته القوات الحكومية، عادت حركة “الشباب” إلى السيطرة من جديد على الأراضي في جلجدود بعد أن تخلى ضباط الأمن والمليشيات العشائرية عن مواقعهم على خط المواجهة وفقاً لبعض التقارير. وتعرضت المكاسب التي تحققت لانتكاسات مستمرة بعد انسحاب قوات الجيش الصومالي من مواقع الخطوط الأمامية، خوفاً من هجمات الحركة على تلك المواقع التي كانت تخضع لحماية ضعيفة ولا تتواجد بها قوات أمنية كبيرة. وتشير تقارير مختلفة إلى اقتحام الحركة قاعدة عسكرية في قرية أوسوين في 24 أغسطس الفائت، حيث تم قتل 178 جندياً صومالياً وإصابة آخرين، وأسر عدد من الجنود، ونهب الأسلحة وتدمير المركبات. ووقع الهجوم بعد يوم واحد من قيام مهاجم انتحاري من حركة “الشباب” باستهداف قافلة عسكرية متجهة نحو بلدة سيل بور في 25 من الشهر نفسه، مما أسفر عن مقتل عشرات الجنود. وبالطبع، فإن تكرار هذه العمليات الإرهابية وتصاعدها كان بمثابة رسالة من جانب الحركة الإرهابية إلى الحكومة بأن الجهود التي تبذلها الأخيرة لمكافحة عملياتها لن تحقق النتائج المرجوة منها.
3- تصاعد التوتر بين الحكومة والمليشيات: فخلال المرحلة الأولى من حملة مكافحة حركة “الشباب” اعتمدت الحكومة على دعم العديد من المليشيات العشائرية، بما في ذلك عشائر أبغال وحبر جدير وحوادل الفرعية. وكان التحالف مع العشائر حاسماً في نجاح الحكومة الأولى في طرد المسلحين من معاقلهم في بعض المناطق. ومع ذلك، فإن العلاقة بين الطرفين توترت منذ ذلك الحين وسط الاضطرابات السياسية المتزايدة في البلاد، فيما اتجهت حركة “الشباب” للانخراط في تفاهمات مع المليشيات العشائرية في ولايتي هيرشابيل وجلمودوج بهدف احتواء المقاومة المحلية.
4- تزايد الخلافات حول خطة المواجهة: تصاعدت الانتقادات من جانب العديد من القادة الصوماليين الذين يرون أن الاعتماد على المليشيات العشائرية هو استجابة غير كافية للأزمة الأمنية المستمرة. وفي 26 أغسطس الفائت، عقد رؤساء الاتحادات والولايات اجتماعاً للمجلس الاستشاري الوطني في بلدة دوساماريب لمناقشة مسار العملية العسكرية ضد حركة “الشباب” والتوسع المخطط له في ولايات جوبالاند والجنوب الغربي، حيث انتقد رئيس جوبالاند أحمد مادوبي التقدم البطيء في عملية مكافحة التمرد في جلمودوج، محذراً من أن “الشباب” قد تستفيد من الأسلحة التي توفرها الحكومة إذا فشلت العملية.
وقد أشار رئيس هيرشبيلي السابق والمبعوث الرئاسي الخاص حالياً لحماية المدنيين وتحقيق الاستقرار محمد عبدي واري، إلى الانقسام الداخلي بين قائد القوات المسلحة ووزير الدفاع كأحد أسباب فشل العملية الجارية، متهماً قوات الأمن بانتهاك القانون. كما حذر من أن مليشيات عشيرة حبر جدير غير ملتزمة بالقتال ضد حركة “الشباب” على الرغم من تلقيها أسلحة من الحكومة الفيدرالية.
وهكذا يمثل النزاع بين قادة جلمودوج تحدياً يهدد مستقبل الحملة العسكرية، وكان نائب رئيس الولاية علي طاهر عيد قد أصدر قراراً بإقالة وزير الداخلية فيها محمد عبدي واييل، بعد اتهامه بعدم الكفاءة وتعطيل القتال ضد “الشباب”، ومع ذلك ألغى رئيس الولاية أحمد عبدي كاريه قرار نائب الرئيس وأعاد الوزير المقال. ولم تتراجع حدة الأزمة إلا بعد تدخل الرئيس شيخ محمود للوصول إلى تسوية بين رئيس الولاية ونائبه، في 24 سبتمبر الجاري.
مساران محتملان
في ضوء العوامل المشار إليها يمكن توقع مسارين محتملين للعملية العسكرية الصومالية ضد حركة “الشباب”: المسار الأول، هو إنجاز الحملة العسكرية أهدافها ضد الحركة، ويبدو أن هذا السيناريو لا يزال مستبعداً في ظل المتغيرات السابق الإشارة إليها، وخاصة أن عملية مكافحة الإرهاب تحتاج إلى جهود متواصلة ومن الصعب القضاء على هذه الحركة التي تمكنت من تعزيز نفوذها في العديد من المناطق الصومالية خلال فترة وجيزة، ويعبر الطلب الصومالي من مجلس الأمن إرجاء تنفيذ المرحلة الثانية من خطة سحب قوة الاتحاد الأفريقي بشكل واضح عن أن الحملة العسكرية ضد الحركة لا تزال تواجه صعوبات في القضاء على الأخيرة التي لا تزال تشن هجمات قوية ضد مواقع الجيش.
والمسار الثاني، هو التقدم البطيء في تنفيذ الحملة العسكرية ضد الحركة، وخاصة مع استمرار الاتحاد الأفريقي في تنفيذ خطة سحب قواته من الصومال والتي يتوقع أن يتم تنفيذها بشكل كامل بحلول نهاية عام 2024، بينما يعتمد الرئيس الصومالي شيخ محمود على دعم دول الجوار مثل إثيوبيا وكينيا، ويبدو أن الرهان على دعم هذه الدول وحدها ليس كافياً في ظل التحديات الأمنية التي لا تزال تواجه إثيوبيا تحديداً. ولذلك يرجح العديد من الخبراء أن تواصل الحكومة الصومالية حملتها ضد حركة “الشباب”، لكن بوتيرة بطيئة خلال المرحلة القادمة.