يمثّل الهجوم المركّب الذي شنته حركة “شباب المجاهدين”، في 19 أغسطس الجاري، على فندق “الحياة” في العاصمة الصومالية مقديشيو، واحتجاز رهائن من المدنيين، لمدة تقترب من 30 ساعة، قبل تمكن الأجهزة الأمنية من احتواء الموقف وتحرير الرهائن وتحييد المهاجمين؛ اختباراً صعباً للنظام الصومالي الجديد، والأجهزة والجهات المعنية بتأمين العاصمة وملف مكافحة الإرهاب. ويُعد الهجوم الذي استهدف فندق “الحياة”، الأكبر والأعنف في العاصمة مقديشيو منذ انتخاب حسن شيخ محمود رئيساً للصومال في 16 مايو الماضي.
وقد تمكّنت الحركة عبر ذلك من إحداث اختراق أمني مُلفت للعاصمة مقديشيو، حيث نفذت عملية اقتحام مركبة، من حيث التنفيذ، اعتماداً على تفجيرين في محيط ومدخل الفندق، قبل تمكن مجموعة مسلحة من التسلل إلى الفندق، واحتجاز رهائن، مما أسفر عن مقتل نحو 21 شخصاً، وإصابة 117 آخرين. وعلى الرغم من أن هذا الهجوم ليس الأول من نوعه لاستهداف أحد فنادق العاصمة مقديشيو، إلا أنه يطرح دلالات عديدة، في ظل سياقات تشهدها الساحة الصومالية خلال الأشهر القليلة الماضية.
متغيرات رئيسية
يمكن القول إن هجوم حركة “الشباب” الأخير على فندق في العاصمة الصومالية تأثر بمجموعة من المتغيرات الرئيسية التي يتمثل أبرزها في:
1- نشاط داخلي متزايد لـ”الشباب”: تمكنت حركة “الشباب” على مدار العام ونصف الماضيين، من استعادة نشاطها على الساحة الصومالية، عقب قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بسحب القوات الأمريكية من الصومال، كأحد العوامل المؤثرة ضمن عوامل أخرى تتعلق بالأوضاع الداخلية، في زيادة نشاط الحركة ميدانياً. ولم يتوقف نشاط الحركة على مستوى زيادة معدل العمليات الإرهابية، الذي كان مصدر قلق مسئولين عسكريين أمريكيين، ولكنه امتد إلى استعادة النفوذ في مناطق في جنوب ووسط الصومال، في إطار نمط “التمرد الريفي”، وتعظيم مصادر تمويل أنشطة الحركة. واتجهت الحركة إلى توسيع النشاط العملياتي في محيط العاصمة مقديشيو، ومنها إلى تنفيذ عمليات في قلب العاصمة، كما حدث في الهجوم على مطار مقديشيو في 23 مارس الماضي.
2- مساعي توسيع النفوذ إقليمياً: بموازاة نشاط حركة “الشباب” داخل الصومال، فإنها أبدت اهتماماً متزايداً بتوسيع النشاط إقليمياً في دول الجوار،بالنظر إلى طبيعة وحجم الهجمات التي نفذتها لاستهداف القوات الإثيوبية غربي البلاد، قبل تمكن عناصرها من اختراق الحدود والتوغل إلى داخل إثيوبيا في 24 يوليو الفائت. وبغض النظر عن عدم نجاح محاولة التوغل واحتواء تقدم عناصر الحركة من قبل القوات الإثيوبية،إلا أن الهجوم يُعد بمثابة جرس إنذار بشأن مخططات الحركة للتوسع إقليمياً، في ضوء إعادة بناء القدرات مرة أخرى، واستمرار تنفيذ العمليات بكينيا، سواء في مناطق حدودية أو العاصمة نيروبي، وأغلبها ضد قواعد عسكرية تستخدم القوات الأمريكية بعضها.
3- استكمال بناء مؤسسات الدولة: تجاوزت الصومال حدة الخلافات السياسية خلال الأشهر القليلة الماضية، أو على الأقل نجحت في ضبط التفاعلات السياسية بين المكونات المختلفة، وإجراء انتخابات البرلمان الصومالي، وأعقبها انتخاب حسن شيخ محمود رئيساً جديداً، لإنهاء فترة من التوترات السياسية، كخطوة لتحقيق قدر من التفاهمات بين الأقاليم والمكونات المختلفة، والحكومة المركزية في العاصمة مقديشيو، خاصة مع تشكيل حكومة جديدة برئاسة حمزة عبدي بري والحصول على ثقة البرلمان في 7 أغسطس الجاري، والتطلع إلى مزيدٍ من الاستقرار خلال الفترة المقبلة، بعد تأخر تشكيل الحكومة منذ يونيو الماضي.
4- إعادة تموضع أمريكي بالصومال: انعكست ارتدادات قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بسحب القوات الأمريكية من الصومال، على المشهد الأمني، على وقع تزايد نشاط حركة “الشباب”، على مدار أكثر من عام ونصف، واضطر الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن إلى التراجع عن قرار سلفه، وإعادة التموضع مجدداً على الساحة الصومالية، عقب فوز شيخ محمود بالرئاسة، بعد مراجعة دقيقة من قبل المؤسسات الأمريكية وإدارة بايدن، خاصة أن الأخير لم يستجب لطلبات القيادات العسكرية، بشأن ضرورة الانخراط مجدداً، وإعادة إرسال القوات التي تتولى عمليات التدريب ودعم جهود ملاحقة عناصر “الشباب”، بغرض تحجيم نشاط الحركة المتزايد، الذي قد يمثل تهديداً لأمن منطقة القرن الأفريقي.
أهداف عديدة
في ضوء معطيات الهجوم الأخير لحركة “الشباب” في العاصمة مقديشيو، والسياقات التي تشهدها الصومال خلال الأشهر القليلة الماضية، يمكن تحديد بعض أهداف تلك العملية، على النحو التالي:
1- زيادة الضغوط على القيادة السياسية الجديدة: يمكن النظر إلىالهجوم على فندق “الحياة”، في إطار محاولة الحركة ممارسة ضغوط على القيادة السياسية الجديدة، متمثلة في الرئيس الجديد حسن شيخ محمود، والحكومة الجديدة التي حظيت بثقة البرلمان، خاصة أن الرئيس والحكومة توعدا “الشباب” بمواجهة شاملة خلال الفترة المقبلة، من خلال سلسلة من الإجراءات والخطوات، منها حشد الدعم الإقليمي والدولي لدعم الحكومة الجديدة في ملف مكافحة الإرهاب، واستدعاء القوات الصومالية التي تلقت تدريبات في إريتريا منذ عام 2019، إضافة إلى التركيز على كيفية مواجهة النشاط التمويلي للحركة، تزامناً مع تنفيذ سلسلة عمليات أمنية ضد “الشباب”.
وبالتالي فإن الهجوم يمثل محاولة لعرقلة جهود تحقيق الاستقرار الداخلي في الصومال، والرد على تصريحات المسئولين حول “المواجهة الشاملة” ضد الإرهاب، من خلال إظهار عدم القدرة على المواجهة الفعلية، ومواصلة تنفيذ العمليات المؤثرة ضد أهداف حيوية، خاصة أن العملية استهدفت فندقاً بارزاً في العاصمة مقديشيو.
2- تأكيد القدرة على استهداف المسئولين: من خلال المعلومات المتوفرة عن طبيعة الهدف في هجوم حركة “الشباب”، فإن فندق “الحياة” يُعد أحد المقاصد المهمة للمسئولين والموظفين الحكوميين في الدولة والشخصيات العامة، وهنا فإن عملية الاستهداف تأخذ بُعداً مهماً بخلاف الأبعاد الدعائية يتعلق بتعمد حركة “الشباب” استهداف المسئولين، سواء على مستوى الأقاليم الصومالية، أو على مستوى العاصمة مقديشيو بغض النظر عن الإجراءات الأمنية.
ووفقاً لتقارير إعلامية محلية، فإن الهجوم أسفر عن إصابة رئيس جهاز استخبارات مقديشيو العقيد محيي الدين وربع، وسابقاً استهدفت الحركة تجمعاً لمسئولين حكوميين، من خلال هجوم انتحاري على فندق في 17 يوليو الفائت، في مدينة جوهر، أسفر عن وقوع قتلى ومصابين من بينهم وزير الصحة في هيرشبيليي عبدي معلم، ووزيرة المرأة في الولاية عائشة خليف.
3- محاولة تأجيج الوضع الداخلي: يشيراختيار حركة “الشباب” استهداف المدنيين، وفي قلب العاصمة مقديشيو، إلى رغبة الحركة في السعي لإحداث هزات شعبية، لجهة إضعاف الثقة في الرئيس الجديد والحكومة والأجهزة العسكرية والأمنية التي تتولى مكافحة الإرهاب، إضافة إلى الجهات التي تتولى تأمين العاصمة، في ضوء قدرة الحركة على اختراق مقديشيو، واحتجاز رهائن مدنية لساعات طويلة.
هذه التحديات الأمنية تأتي في خضم أزمة شديدة تواجهها الصومال، بعد موجة الجفاف التي تواجه البلاد، ولذلك سعى المسئولون لاستيعاب أي غضب شعبي، وموازنة تأثيرات الهجوم، إذ حذر وزير الداخلية أحمد فقي حركة “الشباب” من أي عرقلة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من موجة الجفاف. كما ترأس الرئيس حسن شيخ محمود اجتماعاً لمجلس الدفاع الوطني لبحث الهجوم الأخير، واستعراض الخطط التي وُضعت منذ توليه المسئولية لاستعادة المناطق التي سيطرت عليها الحركة، وأطلق تصريحات تدعو المواطنين إلى الاستعداد للحرب على الإرهاب.
4- توجيه رسالة تحدٍّ لواشنطن: يمثل الهجوم الأخير رسالة تحدٍّ للولايات المتحدة الأمريكية،في ضوء اتجاهها إلى إعادة التموضع من جديد على الساحة الصومالية، عبر إرسال قوات “كوماندوز” خاصة دون تحديد العدد، واستهداف عناصر الحركة من خلال قصف جوي لطائرات من دون طيار بعد استئناف الضربات الجوية منذ 13 يونيو الماضي. وقد نجحت الغارات الأمريكية في تحييد العشرات من عناصر الحركة خلال الأشهر القليلة الماضية. وهنا فإن الأخيرة تسعى لتأكيد عدم التأثر بإعادة التموضع الأمريكي، واستمرار عملياتها النوعية، وتعزيز نفوذها على أكثر من اتجاه داخل الصومال وبعض دول الجوار.
5- إبراز الإمكانيات العسكرية والتنظيمية: أظهرت محاولة حركة “الشباب” التوغل إلى داخل إثيوبيا، في 24 يوليو الفائت، القدرات التي تمتلكها؛ إلا أن فشل تلك المحاولة ربما كان دافعاً للحركة إلى تنفيذ عملية نوعية مؤثرة يمكن أن تغطي على ذلك، في إطار رفع الروح المعنوية لعناصرها، بغض النظر عما إذا كان التخطيط لاستهداف فندق “الحياة” يسبق محاولة التوغل أم لا، ولكن المحصلة الرئيسية أن الهجوم يُعد الأبرز للحركة منذ محاولة التوغل لإثيوبيا، والأكبر في مقديشيو منذ انتخاب الرئيس الحالي في 16 مايو الماضي.
استجابة بطيئة
وأخيراً، فإن الهجوم الأخير على فندق “الحياة” في العاصمة الصومالية مقديشيو رغم أنه يأتي ضمن سلسلة عمليات للحركة في مناطق حيوية مثل الهجوم بقذائف هاون على مبنى البرلمان، في 18 أبريل الماضي؛ إلا أنه يزيد من حجم التحديات الأمنية، ويطرح دلالات كاشفة عن الاستجابة البطيئة للأجهزة الأمنية في التعامل مع الهجوم واحتجاز الرهائن، بصورة تستدعي عملية تقييم لقدرات الأجهزة المعنية بملف مكافحة الإرهاب، وربما تمتد إلى تغيير بعض تلك القيادات خلال الفترة المقبلة، وخاصة عقب إطلاق رئيس الحكومة تصريحات حيال “محاسبة المسئولين”.