تراجع الخيارات:
لماذا تُلوّح أوروبا بتصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية؟

تراجع الخيارات:

لماذا تُلوّح أوروبا بتصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية؟



رغم أنّ الدول الأوروبية لم تتخذ بعد قرار تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، إلا أنه يمكن القول إن الاعتبارات التي يُمكن أن تمارِس ضغوطاً في هذا الصدد تتمثل في تصاعد حدة الانتقادات الداخلية لسياسة الحكومات الغربية في التعامل مع إيران، إلى جانب إصرار الأخيرة على تقديم الدعم العسكري لروسيا في الحرب الأوكرانية، فضلاً عن انتهاج سياسة متشددة أدت إلى تعثر المفاوضات النووية بين إيران والقوى الدولية، واتخاذ خطوات تصعيدية في ملف مزدوجي الجنسية الذي يتسبب في أزمات مزمنة للدول الأوروبية.

مع تعثر المفاوضات التي أُجريت بين إيران والقوى الدولية حول الاتفاق النووي، منذ طرح مبادرة مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في أغسطس الماضي، بدأت دول أوروبية عديدة، على غرار فرنسا وبريطانيا، في التلميح إلى أنها قد تتخذ قراراً بتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، على غرار القرار الذي سبق أن اتخذته إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في أبريل 2019. بل إن تقارير عديدة تُشير إلى أن الاتحاد الأوروبي نفسه ربما يقدم على تبني هذه الخطوة خلال المرحلة القادمة.

دوافع عديدة

يمكن تفسير تصاعد الحديث عن إمكانية تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية في بعض الدول الأوروبية في ضوء دوافع عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- تزايد الضغوط الداخلية على الحكومات الأوروبية: بدأت الضغوط الداخلية التي تمارسها بعض الأحزاب والقوى السياسية داخل عدد من الدول الأوروبية تتزايد على الحكومات من أجل اتخاذ خطوات عقابية نوعية باتجاه إيران، خاصة في ظل استمرار الانتهاكات التي يرتكبها النظام الإيراني في مواجهة المحتجين، بعد افتتاح الاحتجاجات شهرها الخامس.

وربما يمكن القول إن بريطانيا هي الدولة الأبرز في هذا السياق، خاصة بعد تنفيذ السلطات الإيرانية، في 14 يناير الجاري، حكم الإعدام بحق نائب وزير الدفاع الأسبق (الحاصل على الجنسية البريطانية) علي رضا أكبري بتهمة التجسس لصالح بريطانيا.

ورغم أن بريطانيا اتخذت إجراء فورياً باستدعاء سفيرها لدى طهران وفرض عقوبات على المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري، فإنها قد لا تكتفي بهذه الخطوة خلال المرحلة القادمة، وربما يكون ذلك هو التحدي الأبرز الذي يواجه رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك في الفترة الحالية.

2- إصرار إيران على دعم روسيا في أوكرانيا: يبدو أن الدول الأوروبية ترى أن الحرس الثوري هو الذي يتولى مهمة إدارة الدعم العسكري الذي تقدمه إيران لروسيا لمساعدتها في مواصلة عملياتها العسكرية داخل أوكرانيا، وهو ما أثار ردود فعل متشددة من جانب الدول الغربية بشكل عام، خاصة أن ذلك لا يتوافق مع حساباتها وإدارتها للصراع مع روسيا حول الملف الأوكراني، وهو الصراع الذي يمكن أن تتصاعد حدته في حالة ما إذا أقدمت إيران على تقديم صواريخ باليستية لصالح روسيا، ولا سيما مع توارد تقارير حول اقتراب موعد تسلم إيران المقاتلات الروسية من طراز “سوخوى 35”.

3- عرقلة الوصول إلى اتفاق نووي جديد: توحي ردود الفعل الإيرانية إزاء المفاوضات النووية، فضلاً عن المقاربات التي طرحت للوصول إلى توافق بين الأطراف المختلفة، ولا سيما إيران والولايات المتحدة الأمريكية، بأن هناك انقساماً في الآراء داخل إيران، وتحديداً داخل دوائر صنع القرار، وهو ما بدا بشكل واضح في الردين اللذين قدمتهما إيران على مبادرة جوزيب بوريل في أغسطس الماضي، واللذين ساهما في تعثر المفاوضات، وتراجع فرص الوصول إلى اتفاق نووي جديد.

وهنا، فإن اتجاهات عديدة باتت تشير إلى أن الحرس الثوري يمارس ضغوطاً قوية من أجل عرقلة الوصول إلى اتفاق جديد، ما لم يتضمن شروطاً رئيسية في مقدمتها رفع مجمل العقوبات الأمريكية، وإنهاء تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، والحصول على ضمانات أمريكية بعدم الانسحاب مجدداً من الاتفاق النووي.

4- التشدد في ملف مزدوجي الجنسية: تصر إيران على عدم الوصول إلى تسويات خاصة بملف مزدوجي الجنسية، وهو أحد الملفات الخلافية العالقة باستمرار مع الدول الغربية، ولا سيما الدول الأوروبية، على نحو يفرض ضغوطاً قوية على الأخيرة. وفي هذا السياق، فإن تمسك إيران بعدم تسوية هذا الملف لا يعود فقط إلى عدم اعترافها بازدواج الجنسية في حد ذاته، حيث إنها تعتبر -على سبيل المثال- أكبري مواطناً إيرانياً فقط، وتصف ردود الفعل البريطانية بأنها تدخل في شؤونها الداخلية، وإنما يعود إلى أنها ترى أن هذا الملف يوفر لها حرية حركة أكبر وخيارات أوسع في تعاملها مع الدول الغربية، التي تحاول بدورها امتلاك أوراق ضغط في مواجهة إيران، على غرار التهديد بتصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، أو فرض عقوبات اقتصادية أو غيرها.

بدائل محدودة

مع ذلك، يمكن القول إن تلويح بعض الدول الأوروبية باتخاذ خطوة تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية يوحي بأن تلك الدول لا تمتلك خيارات متعددة في التعامل مع إيران، وهو ما يعود إلى اعتبارين رئيسيين: أولهما، أن التأثير الأهم والأكثر قوة لهذه الخطوة حدث بالفعل، عندما اتخذت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قراراً بذلك في أبريل 2019، على نحو لا يعني أن هناك “قيمة مضافة” لهذه الخطوة المحتملة في الفترة المقبلة.

فقد أدت الخطوة الأمريكية إلى تراجع احتمالات نجاح إيران في استقطاب استثمارات غربية بسبب خشية الشركات الغربية، والدولية بشكل عام، من الانخراط في تعاملات مع إيران سوف تؤدي في أغلب الأحوال إلى تعرضها لعقوبات أمريكية.

وثانيهما، أنه إذا كانت خطوة مثل تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية سوف تؤدي إلى تراجع مستوى العلاقات التجارية بين إيران والدول الأوروبية، فإن ذلك لا ينفي أن إيران لا تعول كثيراً على مثل تلك العلاقات، التي وصلت إلى 3.739 مليار يورو في الأشهر الأحد عشر الأولى من عام 2022، خاصة أن اهتمامها الحالي يركز على رفع مستوى العلاقات التجارية مع الصين وروسيا إلى جانب دول الإيكو ومجموعة البريكس وغيرها.

وبصرف النظر عمّا إذا كانت سياسة التوجه شرقاً التي تتبناها إيران حالياً تنتج تداعيات إيجابية على مصالحها من عدمه، حيث كان لافتاً أن اتجاهات إيرانية عديدة بدأت في توجيه انتقادات حادة لتلك السياسة، فإن ذلك لا ينفي أن إيران لا تضع ضمن أولوياتها خلال المرحلة القادمة تطوير العلاقات مع الدول الأوروبية على المستوى الاقتصادي، خاصةً أنها ليست في وارد أن تتراجع عن مواصلة تقديم عسكري إلى روسيا لمساعدتها في إدارة عملياتها العسكرية في أوكرانيا.

تشدد مستمر

من هنا، فإن هذه الخطوة المحتملة سوف تنتج في النهاية مزيداً من التشدد في السياسة الإيرانية تجاه الملفات التي تحظى باهتمام خاص من جانب تلك الدول. إذ لا يتوقع أن تتراجع إيران عن إجراءاتها القمعية في مواجهة الاحتجاجات الداخلية، كما أنها سوف تواصل تطوير برنامجها النووي، ولن تقدم تنازلات فيما يتعلق بتدخلاتها الإقليمية، ولا سيما في دول الأزمات، إلى جانب أنها سوف تحرص على تبني السياسة المزدوجة نفسها في الملف النووي، والتي تقوم على مواصلة تحقيق قفزات في هذا البرنامج مع الإيحاء في الوقت نفسه بأنها ما زالت معنية بالوصول إلى صفقة نووية مع القوى الدولية خلال المرحلة القادمة.