تدخل الصومال خلال النصف الأول من عام 2023، مرحلة فارقة في جهود مكافحة الإرهاب، وتحديداً حركة “الشباب”، خاصة في إعلان الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، عن استراتيجية تعتمد على المواجهة الشاملة للحركة، التي تمكنت من توسيع نفوذها وسيطرتها خلال العامين الماضيين، إضافة إلى حشد الدعم الإقليمي والدولي. ولكن يشير النشاط العملياتي لحركة “الشباب” إلى مواجهة الاستراتيجية الصومالية من خلال زيادة معدل العمليات، في ضوء ما تمتلكه الحركة من مقومات تمويلية ولوجيستية، وتحديداً خلال العامين الماضيين.
اتجاهات النشاط
في ضوء تصعيد الحكومة الصومالية تحركاتها لمواجهة حركة “الشباب” على أكثر من مستوى، سواء عملياتياً بعد عودة القوات الأمريكية للصومال، والإعلان عن تنسيق إقليمي لمواجهة تهديدات الحركة، إضافة إلى التنسيق مع بعض أبناء العشائر الصومالية لمواجهة أنشطة الحركة، أو على مستوى مواجهة الأنشطة التمويلية المختلفة للحركة؛ يمكن تحديد الأبعاد الرئيسية للنشاط العملياتي لحركة “الشباب”، خلال الفترة (1 يناير – 14 فبراير) 2023، لمواجهة تلك التحركات.
ويعتمد تحديد هذه الاتجاهات على حصر عدد العمليات المنسوبة للحركة خلال المدى الزمني المحدد المنشور عبر حسابات وكالة “شهادة” عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تلك الوكالة الموالية للحركة، وتتولى الترويج لأنشطة الحركة وبياناتها، إضافة إلى ترجمة كلمات قيادتها من اللغة السواحلية المحلية إلى العربية.
1- الحفاظ على معدل عمليات مرتفع منذ العام الماضي: شهدت الصومال خلال عام 2022، نحو 2553 حدثاً عنيفاً، وفقاً لإحصائيات مشروع “Armed Conflict Location & Event Data Project”، من إجمالي أحداث عنيفة في القارة الأفريقية مسجلة بنحو 6859 حدثاً عنيفاً، بما يعني زيادة بنسبة 23% من إجمالي أحداث العنف المسجلة في الصومال عام 2021.
وتمثل أحداث العنف في الصومال نسبة 37% من إجمالي أحداث العنف في القارة الأفريقية، في المرتبة الثانية، خلف منطقة الساحل -التي تشمل عدة دول- التي بلغت الأحداث العنيفة فيها نسبة 40%، وفقاً لمركز “Africa Center For Strategic studies”.
وعلى الرغم من إعلان الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، عقب انتخابه في مايو 2022، حرباً شاملة على حركة الشباب؛ إلا أن أحداث العنف تزايدت خلال النصف الثاني من العام الماضي، لتقترب من حاجز 1400 حدث عنيف، يرتبط أغلبها بحركة الشباب، في ظل محدودية النشاط العملياتي لفرع تنظيم “داعش” في الصومال.
وخلال فترة الـ45 الأولى من عام 2023، يتضح استمرار معدل النشاط العملياتي المرتفع المرتبط بحركة الشباب، منذ النصف الثاني من العام الماضي، ومن خلال حصر عدد العمليات المنسوبة للحركة وفقاً لبيانات وكالة “شهادة” الموالية، بلغ إجمالي العمليات نحو 220 عملية.
2- التركيز على استهداف القوات العسكرية: في حين سجلت إحصاءات العامزيادة في نسب الضحايا المدنيين جراء أحداث العنف المرتبطة بالتنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها حركة الشباب، متجاوزة أرقام عامي 2020 و2021، إلا أن أعداد العمليات التي تستهدف المدنيين كانت أقل بكثير من نظيرتها المتعلقة بالنشاط العملياتي ضد القوات العسكرية والشرطية،إذ سجلت العمليات ضدهم نحو ألف عملية خلال النصف الأول من العام الماضي، وتجاوزت الأعداد حاجز 1200 عملية، وفقاً لمركز “Africa Center For Strategic studies”.
ويتوقع التركيز على استهداف العسكريين بشكل خاص خلال العام الجاري، في ضوء جهود الحكومة الصومالية لتحجيم نشاط حركة الشباب، وطرد عناصرها من المناطق التي تسيطر عليها، إذ إنه خلال حصر النشاط العملياتي للحركة منذ مطلع عام 2023، تبين استهداف العسكريين بواقع 194 عملية، من أصل 220 عملية، وفقاً للمخطط التالي:
وهنا يمكن الوقوف على بعض الملاحظات الرئيسية في طبيعة الأهداف بالنسبة لحركة الشباب، كالتالي:
زيادة استهداف القوات الصومالية مقارنة بالأجنبية: في ضوء انتشار قوات أجنبية في الصومال، لدعم جهود الجيش في مواجهة الإرهاب، وبالأخص حركة “الشباب”، يتضح من خلالتوزيع معدل العمليات ضد القوات العسكرية، تركيز الاستهداف على القوات الصومالية، مقارنة بإجمالي القوات الأجنبية العاملة، كما يوضح المخطط التالي:
الاغتيالات النمط الأبرز لاستهداف المدنيين: مع استثناء الضحايا المدنيين الذين يسقطون جراء عمليات حركة الشباب ضد القوات العسكرية أو الشرطية أو المليشيات الموالية، فإن الحركة تستهدف المدنيين اعتماداً على نمطين رئيسيين، أبرزهما “الاغتيالات”، وتحديداً ضد شخصيات بارزة في المناطق المختلفة، أما النمط الثاني فيركز على استهداف المقرات الحكومية من غير المقرات العسكرية والشرطية، التي يعمل بها مدنيون، مثل الهجوم على مجمع القصر الرئاسي والبرلمان خلال شهر يناير الماضي.
وبغضّ النظر عن التباين بين نمطَيِ استهداف المدنيين، فإن العاصمة مقديشو تُعد المنطقة الأكثر من حيث معدل استهداف المدنيين، بواقع 14 عملية من إجمالي 20 عملية لاستهداف المدنيين، فيما غابت عمليات استهداف المدنيين في منطقة وسط الصومال خلال المدى الزمني المحدد، كما يوضح المخطط “2”:
الاعتماد على استهداف مقرات شرطية: وبتحليل عمليات حركة الشباب لاستهداف عناصر الشرطة الصومالية، يتضح أن العمليات الثلاث المسجلة ترتبط بشكل أساسي باستهداف مراكز شرطية،وليست دوريات أو حواجز أمنية، بواقع عمليتين في هيران، وثالثة في العاصمة مقديشو، اعتماداً على استخدام المتفجرات، والهجوم المباشر.
تصفية قياديين من المليشيات الموالية: وبفعل تصاعد دور بعض أبناء العشائر في مواجهةحركة الشباب خلال النصف الثاني من العام الماضي، فإن الحركة استهدفت المليشيات الموالية بشكل مباشر، بعدد 3 عمليات، اثنتين لتنفيذ تصفية قياديين من تلك المليشيات، وفقاً لبيان وكالة “شهادة”، تنفيذاً لتهديد قيادات الحركة باستهداف قيادات المليشيات الموالية، إضافة إلى مواجهات مع مليشيات موالية خلال محاولة عناصر الحركة السيطرة على منطقة في هيران وسط الصومال.
ورغم عدد عمليات الحركة ضد المليشيات الموالية للحكومة الصومالية، المحدود، مقارنة بطبيعة الأهداف الأخرى، إلا أن هذا لا ينف المواجهات بين الحركة وتلك المليشيات، خاصة في ظل مشاركة الأخيرة مع قوات الجيش الصومالي في عملياته.
3- تكثيف استهداف القواعد العسكرية: يمكن ملاحظة تركيز حركة “الشباب” خلال المدى الزمني المحدد، على تكثيف استهداف القواعد العسكرية بواقع 91 عملية من إجمالي 194 عملية ضد أهداف عسكرية، وفي المرتبة الثانية استهداف الدوريات والتجمعات العسكرية بواقع 55 عملية، ويوضح المخطط “3” توزيع عمليات “الشباب” ضد الأهداف العسكرية المختلفة:
وهنا، يمكن الإشارة إلى بعض الملاحظات الرئيسية بشأن النشاط العملياتي ضد الأهداف العسكرية، وبخاصة القواعد، كالتالي:
تكرار استهداف القواعد العسكرية ذاتها: رغم عدم الإعلان الرسمي عن القواعد العسكرية المنتشرة في الصومال، سواء للجيش الصومالي أو القوات الأجنبية، إلا أن كثافة تركيز حركة “الشباب” على استهداف القواعد العسكرية، يشير إلى الاتجاه إلى تكرار عمليات الاستهداف للقواعد ذاتها على نطاق زمني محدود، بالنظر إلى تنفيذ 91 عملية لاستهداف القواعد العسكرية خلال 45 يوماً.
ويتضح أن استهداف القواعد العسكرية يشكل أولوية لدى “الشباب”، عن مواجهة الدوريات والتجمعات العسكرية، والحواجز والثكنات، والحملات العسكرية.
تصدر نمط “الهجمات” ضد القواعد العسكرية: كان لافتاً في سياق تحليل أنماط العمليات المتبعة في استهداف القواعد العسكرية، تصدر نمط “الهجمات” بواقع 76 عملية. وبقدر ما يُشير ذلك إلى تمتع حركة “الشباب” بقدرات عملياتية، رغم المواجهات والعمليات المضادة من قوات الجيش الصومالي والقوات الأجنبية؛ إلا أنها محاولة من الحركة لاستعراض قدراتها، وعدم التخوف من حشد عناصرها للهجوم على قواعد عسكرية تضم أعداداً ليست بالقليلة من القوات العسكرية، وهو ما يوضحه المخطط التالي:
تركز الهجمات بمناطق جنوب الصومال: من خلال تحليل النشاط العملياتي ضد الأهداف العسكرية بشكل عام، وتوزيعها على النطاقات الجغرافية لنشاط “الشباب”، يتضح أن أغلب الهجمات تتركز في مناطق جنوب الصومال بواقع 99 عملية،وهي من مراكز نفوذ وسيطرة الحركة التقليدية. واللافت أن منطقة وسط البلاد جاءت في المرتبة الثالثة بواقع 26 عملية، خلف العاصمة مقديشو، كما يوضح المخطط التالي:
أهمية استهداف قيادات عسكرية: ثمّة ملاحظة رئيسية في توزيع النشاط العملياتي وفقاً لطبيعة الأهداف، تتمثل في أولوية وأهمية اغتيال قيادات عسكرية بارزة في الجيش الصومالي، وجاءت في المرتبة الثالثة بواقع 22 عملية، متقدمة في الترتيب على استهداف الحواجز والثكنات والتصدي للحملات الكبيرة للجيش الصومالي، هذا على الرغم من الحملات العسكرية ومحاولات استعادة المناطق التي تخضع لسيطرة ونفوذ الحركة.
4- عمليات متنوعة في شمال كينيا: لم يتم تسجيل عمليات لحركة “الشباب” باتجاه دول الجوار، رغم انخراط دول جيبوتي وكينيا وإثيوبيا إضافة إلى الصومال في تنسيق الجهود لمكافحة الإرهاب ووضع آليات، مطلع شهر فبراير الجاري، باستثناء كينيا، إذ تشير بيانات وكالة “شهادة” إلى تنفيذ عناصر الحركة نحو 21 عملية، مع تصدر استهداف العسكريين، كما يوضح المخطط التالي:
وبالنّظر إلى تحليل طبيعة الأهداف العسكرية داخل الأراضي الكينية التي تركزت في شمال شرق الدولة، يتضح أن استهداف القواعد العسكرية تصدر ترتيب الأهداف بواقع 10 عمليات، فيما كان استهداف الدوريات والتجمعات العسكرية في المرتبة الثانية بواقع 8 عمليات.
وكان لافتاً أن شهر فبراير الجاري لم يشهد تنفيذ عناصر الحركة سوى عمليتين فقط، مقارنة بـ19 خلال شهر يناير الماضي.
مواجهة متقدمة
في ضوء تحديد أبعاد واتجاهات النشاط العملياتي لحركة “الشباب” في ضوء المتغيرات الميدانية منذ منتصف العام الماضي، يمكن الوقوف على دوافع تكثيف استهداف القواعد العسكرية بشكل رئيسي خلال المدى الزمني المحدد، كالتالي:
1- تحجيم عمليات مكافحة الإرهاب: يُشير تكثيف العمليات لاستهدافالقواعد العسكرية إلى رغبة حركة “الشباب” في محاولة تحجيم جهود مكافحة الإرهاب، خاصة منذ شهر مايو الماضي، خاصة أن القواعد العسكرية تخرج منها الحملات العسكرية لملاحقة عناصر الحركة، وبالتالي إبقاء تلك القواعد تحت التهديد المستمر، إذ إن الهجمات المتكررة خلال مدى زمني قصير، ربما لا تستهدف تدمير تلك القواعد، بقدر عرقلة استمرار تدفق الحملات العسكرية، أو على الأقل ضمان عدم خروج حملات كبيرة للقوات الصومالية، وإبقاء القوات في تلك القواعد، لمواجهة أي هجمات أو اقتحام من عناصر الحركة، بما يسهل من عمليات مواجهة تحركات القوات الصومالية.
2- الضغط على القوات الأجنبية: رغم أن استهداف القواعد العسكرية التي تضم قوات أجنبيةجاء في المرتبة الثانية خلف القواعد العسكرية للجيش الصومالي، إلا أن زيادة معدل الاستهداف للقوات الأجنبية، محاولة للضغط على تلك القوات، وخاصةً في ظل اتجاه دول الجوار للصومال إلى اتخاذ خطوات لمواجهة تداعيات نشاط وتمدد حركة الشباب خلال العامين الماضيين، وتحديداً منذ خروج القوات الأمريكية، بقرار مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وصدق عليه الرئيس الحالي جو بايدن، فور وصوله إلى البيت الأبيض.
ويتوقع تصاعد عمليات استهداف القوات الأجنبية والقواعد المخصصة لها خلال الفترة المقبلة، عقب القمة الإقليمية التي استضافتها الصومال مطلع شهر فبراير الجاري، لتنسيق آليات التعاون لمواجهة الإرهاب، وخاصة حركة “الشباب”.
وتشارك القوات الأجنبية مع القوات الصومالية في دعم تحجيم نشاط حركة “الشباب”، وبالتالي فإن استهداف القواعد الأجنبية، محاولة لتشكيل ضغوط نفسية على القوات المشاركة في العمليات ضد الحركة.
3- تأمين النفوذ وسط وجنوب الصومال: يتضح من خلال تركيز النشاط العملياتي لاستهداف القوات العسكرية بشكل خاص، والأهداف العسكرية بشكل عام، بمناطق جنوب الصومال،الرغبة في الحفاظ على السيطرة والنفوذ بتلك المنطقة، وعدم إتاحة المجال للقوات الصومالية والأجنبية والمليشيات الموالية للحكومة، في تضييق مساحات المواجهة بين الطرفين خلال الفترة المقبلة، إضافة إلى عدم الرغبة في الانسحاب من مواقع استراتيجية، كما حدث خلال النصف الثاني من العام الماضي، بعد طرد مليشيات موالية للحكومة عناصر الحركة من بعض المناطق التي كانت تحت سيطرتها ونفوذها.
ورغم إشارة بعض التقارير والتقديرات إلى انسحاب الحركة من بعض المناطق خلال الأشهر القليلة الماضية، إلا أن هذا الانسحاب ربما يحمل أبعاداً تكتيكية عملياتية، منعاً لخسارة أعداد كبيرة من العناصر، في ظل عودة الطيران الأمريكي عبر طائرات من دون طيار للنشاط في الأجواء الصومالية.
4- قطع إمدادات الدعم خلال عمليات “الشباب”: يتضح من خلال تحليل النشاط العملياتي لاستهداف القواعد العسكرية، أنها تأتي في سياق عمليات “منسقة”، بالتزامن مع عمليات استهداف دوريات أو حواجز وثكنات، وبقدر ما يُظهر قدرات الحركة على شن هجمات منسقة ومتزامنة على أكثر من هدف في توقيت واحد، في إطار أبعاد دعائية؛ إلا أنه ربما يعكس رغبة “الشباب” في تعطيل إمدادات الدعم من تلك القواعد خلال عمليات الحركة لاستهداف الدوريات والثكنات والتصدي للحملات العسكرية، أو خلال تحركات “الشباب” لدعم نفوذها في مناطق الجنوب، وباتجاه مناطق الوسط.
منحنى فارق
وأخيراً، تعكس اتجاهات وأبعاد النشاط العملياتي لحركة “الشباب”، خلال شهر ونصف تقريباً منذ مطلع عام 2023، مع النظر إلى تصاعد ذلك النشاط خلال العام الماضي بشكل عام، وتحديداً خلال النصف الثاني، تمتع الحركة بقدرات عملياتية متقدمة، تُمكنها من مواصلة النشاط العملياتي وزيادته، رغم تصاعد معدلات المواجهات مع القوات الصومالية، والتنسيق مع مليشيات موالية من بعض أبناء العشائر، إضافة إلى عودة القوات الأمريكية مجدداً لتدريب عناصر جديدة.
لكن يبقى أن الشهور القليلة المقبلة ستحدد قدرات الحركة على الصمود، والمدى الزمني لاتساع موجة العنف، في ظل زيادة الضغوط الحكومية عبر التضييق على الأنشطة التمويلية، وزيادة التنسيق مع المليشيات الموالية، وتزايد الدعم الإقليمي والدولي.