أطلق وزير الخارجية الأردني “أيمن الصفدي” في تصريحات مع قناة CNN الأمريكية، في 5 مايو 2023، تهديداً شديد اللهجة إلى النظام السوري، وذلك بشن الأردن عملية عسكرية داخل الأراضي السورية لمواجهة حرب المخدرات على الحدود مع سوريا التي يبلغ طولها 375 كم، وهي الحرب التي تواجهها المملكة الهاشمية بشكل كبير منذ 2011؛ ولذلك فإن تهديد الأردن لسوريا في هذا التوقيت يحمل جملة من الرسائل، منها: إجبار الحكومة السورية على وضع إجراءات فعالة لجرائم التهريب، والضغط على مهربي المخدرات من سوريا إلى الأردن، وحث الدول العربية على وضع شروط للتطبيع مع “الأسد”، ووضع حد لانتشار حلفاء إيران عبر الحدود السورية، والحصول على دعم أمريكي للأردن لمكافحة “الكبتاجون” بسوريا.
يأتي تهديد وزير الخارجية الأردني “أيمن الصفدي” للمرة الأولى بشكل مباشر بشنّ عملية عسكرية داخل الأراضي السورية إذا تطلب الأمر، بالتزامن مع جملة من التطورات شهدتها المنطقة خلال الفترة الأخيرة، من أبرزها ما يلي:
تطورات متلاحقة
1- إحباط القوات الأردنية لعملية تهريب المخدرات: يأتي تهديد الوزير “الصفدي” في ظل تصاعد عمليات تهريب المخدرات التي تستهدف المملكة الهاشمية عبر الحدود السورية، فمنذ مطلع عام 2023 لم تتوقف تلك العمليات الإجرامية التي تمكنت القوات المسلحة الأردنية من الوقوف لها بالمرصاد، إذ أحبطت في 4 مايو الجاري -أي قبل يوم من تهديد الوزير الأردني- محاولة تهريب كمية من المواد المخدرة والأسلحة قادمة من سوريا إلى الأردن، وعثرت على “133 ألف حبة من مخدر الكبتاجون، وسلاح ناري نوع كلاشينكوف وكميات من الذخائر، إضافة لمقتل مهرب وفرار آخرين إلى داخل العمق السوري” وفقاً لبيان الجيش الأردني، إضافة إلى ذلك فلم تمر سوى أيام قليلة على هذه العملية حتى أحبطت القوات الأردنية في 8 مايو الجاري “محاولات تهريب 1.2 مليون حبة كبتاجون، و500 كف حشيش، و400 شريط جاليكا، و5 أسلحة نارية من نوع كلاشنكوف، وكميات من الذخائر”.
2- اجتماع وزراء الخارجية العرب في عمّان: يأتي هذا التهديد بعد أيام قليلة من انطلاق “اجتماع عمّان التشاوري” في 1 مايو الجاري، وناقش الاجتماع الذي حضره وزراء خارجية مصر، والعراق، والأردن، والسعودية، وسوريا، في العاصمة الأردنية عمّان، عدداً من القضايا التي تنص على ضرورة تسوية الأزمة السورية، وحل أزمة اللاجئين، وتعزيز التعاون بين سوريا ودول الجوار، وقد جاءت “قضية تهريب المخدرات” لبعض دول المنطقة عبر الحدود السورية ضمن المواضيع الأساسية في هذا الاجتماع، الذي نص في مخرجاته على ضرورة تشكيل فريق عمل أمني سياسي من عمان ودمشق في غضون شهر لمواجهة هذا الخطر، وهو ما أكده وزير الخارجية الأردني قائلاً وقتها: “سأتصل قريباً بوزير الخارجية السوري (فيصل المقداد) لترجمة هذا الاتفاق إلى آلية عمل”. مبيناً أن هذا الاتفاق سيقتصر على “تحديد مصادر إنتاج المخدرات في سوريا وتهريبها، والجهات التي تنظم وتدير وتنفذ هذه العمليات عبر الحدود مع الأردن والعراق، واتخاذ الخطوات اللازمة لإنهاء عمليات التهريب”.
3- زيارة وزير الخارجية الأردني إلى سوريا: اعتبر البعض تهديدات “الصفدي” بـ”المفاجئة”، نظراً لكونها تأتي بعد ثلاثة أشهر من زيارة أجراها إلى الأراضي السورية في 15 فبراير الماضي، وتعد أول زيارة لمسؤول أردني رفيع المستوى إلى دمشق منذ 2011، والتقى خلالها الرئيس الأسد، وأكد الوزير الأردني خلالها على استمرار دعم ومساندة بلاده لسوريا والوقوف بجانبها دوماً، خاصة أن زيارته كانت بعد أيام قليلة من “زلزال كهرمان مرعش” الذي ضرب شمال سوريا وخلّف عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، فضلاً عن الخسائر المادية، هذا بالإضافة إلى أن الدبلوماسية الأردنية مؤخراً لم تكفَّ عن دعوة دول المنطقة لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية وهو ما حدث بالفعل، إذ قرر وزراء الخارجية العرب في اجتماع بالقاهرة، في 7 مايو الجاري، إعادة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة بعد غياب دام 12 عاماً.
رسائل أردنية
وفي ضوء هذه التطورات، فإن هنك جملة من الرسائل أرادت المملكة الأردنية إيصالها من خلال التهديد بشن عملية عسكرية داخل سوريا، يمكن توضيحها على النحو التالي:
1- الضغط على مهربي المخدرات من سوريا إلى الأردن: إن إطلاق وزير الخارجية “الصفدي” في هذا التوقيت تهديداً بشن عملية عسكرية داخل سوريا بعد أشهر قليلة من اجتماعه مع الرئيس “الأسد” في سوريا، يحمل رسالة بشكل خاص إلى أبرز مهربي المخدرات من سوريا إلى الأردن، مفادها أن المملكة الهاشمية جادة هذه المرة في تهديداتها، ولن تترك هذا الخطر الداهم يهدد أمنها واستقرارها، وستتصدى بحزم لرؤوس العصابات العاملة في هذا المجال. ويبدو أن المملكة أرادت إثبات ذلك وترجمة التهديد إلى “فعل”، إذ لم يمضِ سوى ثلاثة أيام فقط على تهديد وزير الخارجية الأردني حتى استهدفت “غارة جوية” في 8 مايو الجاري، موقعين جنوبي سوريا، الأول في السويداء، والثاني في درعا. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان ووكالة “رويترز” البريطانية بأن سلاح الجو الملكي الأردني وراءها، وأن الطيران الذي شن هذه الغارة يرجح أنه “أردني”، خاصة أن هذا الاستهداف نجم عنه مقتل المدعو “مرعي الرمثان” أكبر تاجر مخدرات في سوريا والمسؤول الأول عن تهريبها إلى الأردن ويعرف بـ”اسكوبار سوريا”، و”كارتيل المخدرات” في جنوب سوريا، وتجمعه علاقة جيدة بحزب الله اللبناني المدعوم من إيران.
2- دفع الحكومة السورية إلى وضع إجراءات فعالة لمواجهة التهريب: إن الرسالة الثانية التي يحملها تهديد “الصفدي” موجهة إلى النظام السوري، إذ تريد المملكة الهاشمية الضغط على “الأسد” لوضع استراتيجية فعالة، والتعامل بجدية مع عمليات تهريب المخدرات والأسلحة إلى الأردن، فلطالما أعربت عمّان عن قلقها من ممارسة الحكومة السورية “نهج المراوغة” برفضها التصدي لعمليات التهريب التي لا تهدد فقط الأردن ولكن دول الخليج وباقي الدول العربية، وعليه فإن رفع المملكة من حدة لهجتها هذه المرة يؤكّد أنها استنفدت كل السبل لدفع حكومة “الأسد” لوضع حد لهذا الخطر الداهم، ولذلك لم يتبقَّ سوى “الخيار العسكري” كوسيلة لمواجهة الأوضاع الراهنة.
3- وضع حد لمشاركة حلفاء إيران في تهريب المخدرات: فقد كشفت بعض التقارير الدولية أن عملية تهريب المخدرات تبدأ أولاً من الأراضي اللبنانية، وتحديداً من حمص، والبقاع، والقلمون وصولاً إلى الجنوب السوري وتحديداً لدرعا والسويداء ثم إلى الأراضي الأردنية. ويلعب “حزب الله اللبناني” المدعوم من إيران الدور الأكبر في تسهيل عملية تهريب المخدرات إلى دمشق ومنها إلى عمان، ولذلك فإن تهديد “الصفدي” يحمل رسالة موجهة إلى النظام الإيراني بوضع حد لجرائم حلفائه داخل سوريا وخاصة في الجنوب، إذ سبق وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان أواخر مايو 2022، عن مساعي الحزب اللبناني لتدشين “معامل جديدة” متخصصة في صناعة “حبوب الكبتاجون” في مدينتي السويداء ودرعا، إضافة إلى ذلك فقد كشف الجيش الأردني في بيان له أواخر مارس الماضي، أن مهربي المخدرات لجأوا إلى استخدام “الطائرات المسيرة (الدرونز)” في عمليات لتجسس، وأيضاً التهريب باتجاه الحدود الأردنية، وأن القوات أسقطت عدداً من المسيرات خلال العمليات التي نفذت في أكتوبر 2021، ومايو 2022، وفبراير 2023، وهو ما يؤكد استمرار الدعم الإيراني لمليشياته وعناصره العاملين بتهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن.
4- حثّ الدول العربية على ممارسة ضغط على “الأسد”: إن تهديد الأردن باستهداف سوريا رغم الجهود التي تقودها لإعادة دمشق إلى المحيط العربي، يحمل رسالة خاصة إلى الدول العربية مفادها ألا يعطوا الثقة الكاملة لـنظام “الأسد” وأن يفرضوا عليه “شروطاً” للالتزام بأية قرارات تُصدرها الجامعة العربية، خاصة ما جاء في البيان الختامي لاجتماع عمان التشاوري الذي نصّ على مطالبة النظام السوري بمكافحة تهريب المخدرات، ووضع حد لهذا الخطر الذي يهدد جميع دول المنطقة وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية التي سبق وصادرت شحنات هائلة من المخدرات خاصة من حبوب الكبتاجون مصدرها سوريا. وعليه فإن المملكة الهاشمية تريد التأكيد على أن اتجاهها للخيار العسكري يأتي بعد جهود عدة طالبت خلالها النظام السوري بوضع استراتيجية فعالة لعمليات تهريب المخدرات، ولكن “دون جدوى”، ولذلك تريد المملكة حثّ دول المنطقة على عدم السماح لـ”الأسد” باستخدام المخدرات كـ”ورقة ضغط” على الدول العربية، وتكثيف جهودها لإجبار النظام السوري على كبح “تجارة الكبتاجون”.
5- الحصول على دعم أمريكي لمكافحة “الكبتاجون” بسوريا: إن إعلان “الصفدي” عن استعداد بلاده لشن عملية عسكرية داخل الأراضي السورية إذا تطلب الأمر، قد يكون رسالة غير مباشرة إلى واشنطن لتقديم الدعم اللازم للمملكة الهاشمية بأجهزة المراقبة المتطورة وجميع الإمكانيات الضرورية لمساعدة الأردن على منع عمليات تهريب المخدرات والأسلحة على حدودها. وتجدر الإشارة إلى أن أمريكا لن تتوانى عن تقديم الدعم للأردن، وذلك بسبب “قانون الكبتاجون” الذي أصدرته إدارة الرئيس “جو بايدن” أواخر ديسمبر الماضي لمحاربة تجارة الكبتاجون، كما خصص القانون (400 مليون دولار) لدعم سلطات الجمارك وحرس الحدود في الدول العربية الأكثر تأثيراً بالمخدرات القادمة من سوريا، وبجانب هذا فقد يكون “الصفدي” بعث رسالة إلى النظام السوري مفادها أن المملكة قد تنسق مع واشنطن لشن عمل عسكري أو أمني لمكافحة وتفكيك شبكات التهريب داخل الأراضي السورية، وهو ما قد يلحق خسائر جمة بنظام الأسد، ويدفعه لتنفيذ أية اتفاقيات مبرمة مع عمان للتصدي لعمليات التهريب.
استهداف الرؤوس
خلاصة القول، إن الأردن قد يتجه خلال الفترة المقبلة لشن عملية عسكرية كبيرة في الأراضي السورية في حال لم تستجب الحكومة السورية لما تم الاتفاق عليه في اجتماع عمان التشاوري، والذي نصّ على ضرورة تعاون دمشق مع عمان وبغداد فيما يتعلق بفريق العمل السياسي والأمني الذي سيتم تشكيله خلال شهر، لتحديد الجهات الرئيسية التي تنظم وتدير عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود وذلك لوقف تدفق المخدرات نحو دول المنطقة. ويبدو أن تنفيذ الأردن لـ”غارة جوية” استهدفت أبرز تجار المخدرات في الجنوب السوري، هو رسالة لسوريا مفادها أن الأردن يستطيع استهداف رؤوس التهريب واتخاذ ما يلزم لمنع أي تهديد لأمنه واستقراره، وأن استمرار عمليات التهريب سيضع النظام السوري في مأزق كبير قد يزيد من معاناته على الصعد كافة.