تجددت المواجهات بين الجيش وجماعات المعارضة المسلحة في تشاد، في 28 فبراير الفائت، قبل شهرين من إجراء الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في مايو المقبل، وبعد مضي ثلاثة أشهر من الموافقة على الدستور الجديد للبلاد، وبعد الإعلان عن ترشح الرئيس الانتقالي، محمد إدريس ديبي، في الانتخابات المقبلة؛ حيث أسفرت الاشتباكات عن مقتل المعارض التشادي، يايا ديلو، الذي يرتبط بعلاقة عائلية مع الرئيس الراحل، إدريس ديبي، الذي قتل خلال مواجهات مسلحة نشبت في 20 أبريل 2021، بجانب مقتل عشرة أفراد من الأسرة الحاكمة، فضلاً عن اعتقال صالح ديبي، عم الرئيس الانتقالي، محمد إدريس ديبي.
ومن دون شك، فإن هذا التصعيد، الذي ربما ينتج تداعيات مباشرة على الأرض، لا يمكن فصله عن جملة من المتغيرات التي بدأت تنعكس مباشرة على أنماط التفاعلات بين الأجنحة المختلفة داخل النظام الحاكم، وعلى رؤية المعارضة لتوازنات القوى القائمة والمسارات المحتملة التي يمكن أن تتجه إليها خلال المرحلة القادمة.
أسباب عديدة
يمكن تفسير تصاعد حدة الصراع بين الجيش والمعارضة مجدداً في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:
1- صراع الأجنحة داخل قبيلة “الزغاوة”: كان يايا ديلو يمثل قطباً داخل قبيلة “الزغاوة”، وهو ابن شقيق الرئيس السابق إدريس ديبي، وينحدر من نفس القبيلة التي تقطن شمال شرق تشاد وغرب السودان. وقد أشارت تقارير عدة إلى مقتل ديلو إثر اشتباكات بين جناحين داخل القبيلة، والتي كان لها دور في قيام السلطات التشادية باعتقال صالح ديبي عم الرئيس الانتقالي، محمد إدريس ديبي، على نحو يُشير إلى اندلاع صراع أجنحة بين الرئيس الانتقالي ومعارضيه داخل قبيلة “الزغاوة”.
2- التصعيد السياسي من جانب المعارضة: لم يتبن ديلو نهجاً واحداً في إدارة تفاعلاته مع النظام الحاكم. فقد كان في البداية أحد قادة المعارضة، لا سيما بعد أن ترأس “الحزب الاشتراكي بلا حدود”. بل إنه اتجه إلى قيادة فصيل مسلح معارض للنظام، في عام 2005. إلا أن جهات عديدة بذلت جهوداً حثيثة من أجل الوصول إلى حلول وسط بين ديلو والنظام، على نحو أسفر عن إبرام اتفاق مصالحة تولى بمقتضاه الأول مناصب عديدة.
لكنهذه المصالحة لم تدم طويلاً بعد أن اتجه ديلو إلى التركيز على قضايا فساد داخل النظام، على نحو كان له دور في دفع السلطات إلى فرض قيود شديدة عليه، انتهت بمحاولة اعتقاله في 28 فبراير 2021، والتي أدت في النهاية إلى مقتل والدته وأحد أبناءه.
وبعد مقتل إدريس ديبي في اشتباكات مسلحة في 20 أبريل من العام نفسه، تحول ديلو إلى أحد أبرز قادة المعارضة المناوئين لحكم الابن محمد إدريس ديبي، حيث اتجه إلى توحيد قوى المعارضة، على نحو أدى إلى تصاعد حدة التوتر في العلاقات بينه وبين الرئيس الانتقالي، وانتهى الأمر باندلاع اشتباكات بين الجيش التشادي وأنصار “الحزب الاشتراكي بلا حدود”، في 28 فبراير الفائت، أسفرت عن مقتل ديلو.
3- تصاعد حدة المنافسة الانتخابية: يرى مراقبون أن ديلو تحول قبل شهرين من الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في مايو القادم إلى خصم محتمل للرئيس الانتقالي، محمد إدريس ديبي، خاصة أنه كان يمتلك قاعدة اجتماعية داخل قبيلة “الزغاوة”. لذلك اتهمت قوى عديدة ديبي بالسعى إلى التخلص منه، لأنه كان “معارضاً حقيقياً” للنظام، لاسيما أن مقتله جاء قبل أيام قليلة من بدء تقديم الترشيحات للانتخابات الرئاسية، وعقب الإعلان عن خوض الرئيس الانتقالي محمد إدريس ديبي للانتخابات، ودخول الدستور الجديد حيز التنفيذ.
وقد كان هذا الدستور محور خلافات واسعة بين النظام والمعارضة، بعد أن وافقت عليه المحكمة العليا في 17 ديسمبر الماضي، والتي رفضت مطالب المعارضة بإلغاء الاستفتاء عليه، وهو الأمر الذي سمح للرئيس الانتقالي بالترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، مما دفع مراقبين إلى ترجيح أن الاستفتاء على الدستور كان يهدف إلى إضفاء الشرعية على نمط التحول الذي يسعى الجيش إلى ترسيخه في تشاد، خصوصاً مع دعوة العديد من جماعات المعارضة إلى مقاطعة الاستفتاء، باعتبار أن المجلس العسكري سوف تكون لديه القدرة على التحكم في نتائجه.
سيناريوهات محتملة
من المتوقع أن يفرض اغتيال المعارض التشادي، يايا ديلو، تداعيات عديدة على المشهد السياسي في تشاد، ومن ثم يمكن طرح ثلاثة سيناريوهات محتملة لمسار الصراع في تشاد خلال المرحلة المقبلة: السيناريو الأول، يتعلق بتفاقم الانقسامات داخل الأسرة الحاكمة،وخاصة بعد مقتل حوالي عشرة منها خلال الاشتباكات التي أسفرت عن اغتيال ديلو، وهو ما لا يستبعد معه المراقبون أن تدخل تشاد في مرحلة قد تشهد انقلابات عسكرية للإطاحة بالنظام الحاكم وبدعم من جانب بعض أجنحة الأسرة الحاكمة.
والسيناريو الثاني، ينصرف إلى تحالف أنصار ديلو مع جماعات المعارضة المسلحة،والتي تعمل من الخارج وتسعى إلى إسقاط نظام الحكم والاستيلاء على السلطة، وقد تسعى هذه الجماعات إلى استغلال الأوضاع الحالية لتوثيق العلاقات مع أنصار ديلو والمعارضين لرئاسة محمد إدريس ديبي ومن ثم التخطيط لإسقاط نظام حكمه، وذلك على نحو ما فعلت جماعات المعارضة المسلحة التي نجحت في اغتيال الرئيس إدريس ديبي، لكنها أخفقت في الاستيلاء على السلطة. لكن هذا السيناريو يواجه تحديات عديدة يأتي في مقدمتها الدعم العسكري الفرنسي للرئيس الانتقالي، محمد إدريس ديبي.
أما السيناريو الثالث والأخير، فيرتبط بسيطرة الجيش على الأوضاع وفوز ديبي برئاسة البلاد. ويبدو أن هذا السيناريو هو المرجح، وخاصة بعد نجاح عملية تمرير الدستور الجديد رغم وجود معارضة كبيرة له، فضلاً عن سيطرة الجيش على الأوضاع ومنعه تنظيم الاحتجاجات المعارضة حتى التي حاولت بعض القوى تنظيمها للاعتراض على رفع أسعار الوقود في بلد يقع حوالي 75% من سكانه تحت خط الفقر.
وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية، إن تشاد تبدو مقبلة على استحقاقات سياسية وأمنية صعبة، نتيجة اتساع نطاق الخلافات بين الأجنحة الرئيسية في الأسرة الحاكمة، فضلاً عن تفاقم التوتر بين النظام الحاكم وقوى المعارضة المسلحة.