أهداف متنوعة:
لماذا تجدد حديث الرئيس التركي بشأن كتابة دستور جديد؟

أهداف متنوعة:

لماذا تجدد حديث الرئيس التركي بشأن كتابة دستور جديد؟



أعلن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” خلال افتتاحه السنة القضائية الجديدة، في 1 سبتمبر الجاري، عن نيته تقديم مسودة لدستور جديد لتركيا خلال الأشهر الأولى من العام المقبل، وأكد أنه سيلجأ إلى استفتاء شعبي على الدستور الجديد حال عدم حصوله على إجماع داخل البرلمان. وتزامنت تصريحات الرئيس التركي مع مساعي حزبَيِ: العدالة والتنمية، وشريكه الحركة القومية، إلى خفض العتبة الانتخابية من 10% إلى 7%، وهو الأمر الذي أثار تساؤلات بشأن أهمية هذه الخطوات، ومقاصدها. كما تفتح دعوة “أردوغان” مجددًا إلى كتابة دستور جديد للبلاد البابَ حول غايته من ذلك. وفي حين يقول إنه “سيتم التوصل إلى نص معقول تتبناه الغالبية العظمى من الشعب، ويتسم بالاتساق الداخلي، ويلبّي احتياجات تركيا على المديين المتوسط والطويل”؛ فإن الدستور الجديد المزمع تقديمه قد يسعى إلى معالجة الخلل الذي يعانيه الحزب الحاكم، وإنقاذ حليفه حزب الحركة القومية من جهة، وتحقيق انتصار داخلي يُنعش حضوره وسط قواعده التقليدية من جهة أخرى.

توقيت لافت

تزامنت تصريحات الرئيس التركي عن عزمه عرض تصورات حزبه بخصوص الدستور الجديد أمام الشعب في الأشهر الأولى من العام المقبل، مع تراجع الرصيد لحزب العدالة والتنمية وشريكه (الحركة القومية) في الشارع، وأوساط قواعدهما التقليدية. وبحسب مركز “متروبول” لاستطلاعات الرأي في تركيا، فإن أصوات الحزب الحاكم تراجعت منذ انتخابات 2018 من 42.5% إلى 29.3%، في حين تراجعت أصوات حزب الحركة القومية من 11.1 إلى 7.3%.

في المقابل، وبالرغم من أن الحديث عن دستور جديد ليس هو الأول من نوعه، حيث طرح الرئيس “أردوغان” الأمر في أبريل الماضي؛ لكن تحركات الرئيس التركي هذه المرة من خلال الحديث عن كتابة نسخة جديدة للدستور تأتي في سياق التحايل على التجاذبات السياسية التي بلغت الذروة في الداخل التركي، والقفز على تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد منذ عام 2018، إضافة إلى السعي لإنقاذ حزب الحركة القومية ومنع خروجه من البرلمان في الانتخابات المقبلة، في ظل تراجع موقعه على الساحة السياسية، وتأكيد استطلاعات رأي متعددة أنه قد لا يتمكّن -على الأغلب- من تجاوز العتبة الانتخابية، المقدرة بـ10%.

لذا، قد ينصّ الدستور الجديد، إلى جانب تخفيض النسبة المقررة للفوز في الانتخابات الرئاسية من 50% + 1 إلى 40% + 1، على خفض العتبة الانتخابية ربما إلى 7%. على صعيد ذي شأن، تتزامن تصريحات الرئيس التركي عن إنتاج دستور جديد، مع قرب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر لها عام 2023، التي يراهن الرئيس “أردوغان” على الفوز بها، باعتبارها نقطة البدء لتكريس الجمهورية التركية الثانية التي تخاصم في مبادئها روح الكمالية وتقاليدها العلمانية.

اعتبارات مكملة

يمكن تفسير عودة الرئيس التركي للحديث عن كتابة دستور جديد في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- إلهاء الرأي العام عن فداحة الأزمة الاقتصادية: تتعرض حكومة العدالة والتنمية لضغوط غير مسبوقة بسبب التحولات الدراماتيكية في الاقتصاد التركي، حيث وصلت تركيا إلى قمة مؤشر البؤس الاقتصادي، بعد أن حققت أعلى نقطة في المؤشر بالسنوات الأخيرة بمعدل 32.2 نقطة. كما تتفاقم الأوضاع المعيشية في البلاد، التي تعاني بالأساس من تحديات مالية ونقدية واسعة. وتعاني تركيا أزمة اقتصادية حادة، كشف عنها انهيار سعر صرف العملة الوطنية (الليرة) التي فقدت أكثر من ثلث قيمتها أمام الدولار، ناهيك عن ارتفاع معدلات التضخم، والبطالة. ويصف زعيم حزب الديمقراطية والتقدم المعارض “علي باباجان” مقترح “أردوغان” لوضع دستور جديد للبلاد بأنه “أمر يندرج في سياق محاولات الائتلاف الحاكم من أجل الهروب من الأزمة الاقتصادية، وإلهاء الشارع التركي عن أزماته الحقيقية”.

2- تثبيت هيمنة الرئيس “أردوغان” على السلطة: لا تنفصل الدعوة لكتابة دستور جديد عن مساعي الرئيس التركي لتثبيت النظام الرئاسي من خلال وضع فصول جديدة تُعزز هيمنته على السلطة، وتقزيم السلطات التي يمكن أن تمثل تحديًا أمام توجهاته، وتفح الباب أمام إمساكه بمفاصل المشهد في الداخل. كما أن الدعوة إلى كتابة دستور جديد تمثل إحدى آليات تثبيت هيمنة الرئيس السياسية من جهة، وتوظيف الدستور المزمع في التحايل على التراجع الحادث في شعبية الحزب الحاكم من جهة أخرى.

3- محاصرة التقدم في شعبية أحزاب المعارضة: يهدف الرئيس التركي من وراء الدعوة لكتابة دستور جديد إلى محاصرة التقدم الحادث في شعبية أحزاب المعارضة، فضلًا عن قطع الطريق على دعوات المعارضة التقليدية لإلغاء النظام الرئاسي والعودة إلى النظام البرلماني. كما تستهدف الدعوة لكتابة دستور جديد تقزيم حضور الأحزاب الوليدة التي خرجت من رحم العدالة والتنمية، وفي الصدارة منها: حزب المستقبل، وحزب الديمقراطية والتقدم، خاصة أنها تمكّنت من أن تكون طرفًا فاعلًا على الساحة السياسية من خلال الاشتباك مع أزمات الداخل التركي، ومناهضة توجهات الحزب الحاكم.

وراء ما سبق، يستهدف الدستور الجديد حماية حليفه (الحركة القومية) بعد تراجع شعبيته، وتضاؤل فرص تجاوزه حاجز العتبة الانتخابية. لذا، قد يتضمن الدستور المزمع تعديل حاجز العتبة الانتخابية لدخول البرلمان، بحيث يتم تخفيض الحد الأدنى للتمثيل في البرلمان من 10% إلى 7 أو 5%.

مكاسب محتملة

ختامًا، إن إعلان الرئيس “أردوغان” عن تصميم حزبه على تقديم دستور جديد للجمهور في أوائل عام 2022 لا ينفصل عن محاولات التحايل على التوترات في الداخل التركي، وتحقيق انتصار داخلي يمكن من خلاله التغطية على حالة التباطؤ الاقتصادي. كما أنّ الدعوة لكتابة دستور جديد تأتي في سياق تحسين الصورة الذهنية للحزب الحاكم وشريكه الحكومي المتشدد (حزب الحركة القومية)، وهي التي تعرضت لهزة عميقة بسبب فيديوهات زعيم المافيا التركي “سادات بكر” الذي كشف عن تورط قيادات العدالة والتنمية والحركة القومية في جرائم فساد.