توجه جديد:
لماذا اهتم تنظيم “داعش” بالتطورات السودانية؟

توجه جديد:

لماذا اهتم تنظيم “داعش” بالتطورات السودانية؟



حرص تنظيم “داعش” على توجيه العديد من الرسائل التي تكشف عن اهتمامه بالتطورات السودانية، خلال افتتاحية صحيفة “النبأ” التابعة له في العدد “315”، الصادر في 2 ديسمبر الجاري. إذ قام التنظيم بالتعليق على الأحداث التي شهدتها السودان في الفترة الأخيرة، وبشكل خاص اتفاق 21 نوفمبر الفائت بين رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك. وقد طلب التنظيم، بشكل غير مباشر، من عناصره محاولة إعادة التموضع في السودان، باعتبارها “ساحة جديدة” في رؤيته. ويطرح ذلك العديد من التساؤلات حول أسباب تركيز تنظيم “داعش” على التطورات في السودان لأول مرة خلال العام الجاري، على الرغم من تعدد الأحداث التي شهدتها الساحة السودانية منذ عزل الرئيس السابق عمر البشير في أبريل 2019، ودوافع إصدار تلك الرسالة في هذا التوقيت تحديداً.

دوافع مختلفة

يمكن تفسير أسباب تركيز تنظيم “داعش” على التطورات التي شهدتها السودان خلال الفترة الأخيرة، في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- توجيه رسالة سياسية بعد اتفاق نوفمبر: تأتي الرسالة الأخيرة لتنظيم “داعش”، بعد نحو عشرة أيام من إعادة الاتفاق بين المكون المدني والمكون العسكري، في 21 نوفمبر الفائت، والذي قضى بعودة رئيس الحكومة عبد الله حمدوك إلى منصبه وتعديل الوثيقة الدستورية وتنفيذ اتفاق سلام جوبا واستكمال الاستحقاقات الناشئة بموجبه، إلى جانب تشكيل جيش وطني والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين وضرورة الإسراع في استكمال جميع مؤسسات الحكم الانتقالي، وهو ما يضفي طابعاً سياسياً على تلك الرسالة، التي سعى من خلالها “داعش” إلى الإشارة لاهتمامه بمحاولة النفاذ إلى داخل السودان. وبعبارة أخرى، فإن اهتمام “داعش” بمتابعة تلك التطورات يمثل مؤشراً على سعيه إلى الحصول على موطئ قدم في السودان، وهو ما تكرر في الدول الأخرى، حيث كان اهتمامه بالتطورات السياسية في العراق وسوريا وأفغانستان مقدمة للتمدد داخلها قبل أن يتعرض لضربات وهزائم عسكرية كبيرة.

2- استغلال التغييرات الأمنية المستمرة: تشهد الأجهزة الأمنية السودانية منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير إعادة هيكلة من قبل السلطة الجديدة تحت مسمى “تطهير الدولة من فلول النظام السابق”، مع الدفع بقيادات أمنية جديدة. وكان آخر هذه الإجراءات ما قام به رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، في 27 نوفمبر الفائت، بعزل العديد من قيادات الأجهزة الأمنية. ويبدو أن ذلك دفع “داعش” إلى مطالبة عناصره بمحاولة استغلال المشهد الأمني داخل السودان من أجل العمل على تأسيس بناء تنظيمي لفرع جديد له فيها.

3- محاولة استقطاب بعض العناصر: دائماً ما يسعى “داعش” إلى استغلال تصاعد حدة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية من أجل استقطاب عناصر جديدة للانضمام إليه، حيث يعتبر ذلك إحدى أهم أولوياته خلال المرحلة الجارية، لاسيما في ظل تراجع عدد العناصر التي انضمت إليه خلال المرحلة التي أعقبت سقوط الباغوز السورية في 23 مارس 2019، وتعرضه لضربات أمنية قوية على غرار مقتل قائده السابق أبو بكر البغدادي بمحافظة إدلب في 27 أكتوبر 2019.

4- تأسيس محور “داعشي” جديد: تصاعد اهتمام التنظيم المركزي لـ”داعش”، خلال العام الجاري، بتعزيز وجوده في القارة الأفريقية، وهو ما يمكن ملاحظته من تنامي عمليات الأفرع الثلاثة للتنظيم، في عام 2021، في مناطق غرب أفريقيا ووسط أفريقيا والصومال. ومن هنا، قد يعتبر التنظيم أن السودان تمثل محوراً للربط بين الأفرع الثلاثة في أفريقيا، باعتبارها- وفقاً لرؤيته- ممراً للتنظيم من الصومال بشرق أفريقيا إلى فرعه في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء الأفريقية وصولاً إلى وسط أفريقيا. وبمعنى آخر، فإن تركيز التنظيم المركزي لـ”داعش” على السودان خلال المرحلة الجارية نابع من سعيه إلى استكمال الاستراتيجية التي أعلن عنها مؤخراً وتقضي بإنشاء “هلال داعشي” في بعض مناطق العالم ومنها أفريقيا.

5- الاقتراب من البحر الأحمر: يبدي تنظيم “داعش” منذ تأسيسه في عام 2014، اهتماماً خاصاً بالاقتراب من الممرات الملاحية، وبشكل خاص مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وذلك في محاولة من جانبه للتأثير على طرق الملاحة وخطوط المواصلات العالمية، وبشكل خاص ناقلات النفط، وهو ما يفسر تركيزه، خلال السنوات السبعة الماضية، على محاولة تعزيز نفوذه في كل من الصومال واليمن وجيبوتي، ومع تراجع قدراته في اليمن منذ منتصف العام الماضي، وتصاعد نفوذ حركة “شباب المجاهدين” في الداخل الصومالي، وفشل التموضع في جيبوتي، يسعى التنظيم خلال المرحلة الجارية إلى النفاذ إلى الداخل السوداني والتموضع بهدف الاقتراب من البحر الأحمر.

رسائل متعددة

بتحليل مضمون الرسالة الأخيرة التي أصدرها تنظيم “داعش”، يتضح أنها تتضمن العديد من الرسائل المباشرة وغير المباشرة التي يسعى التنظيم إلى توجيهها إلى بعض الأطراف سواء داخل السودان أو على المستوى الدولي، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- استقطاب عناصر الإخوان المسلمين: تناول تنظيم “داعش” عبر الإصدار الأخير العديد من الرسائل المباشرة وغير المباشرة لعناصر جماعة الإخوان المسلمين عبر الهجوم على قيادات الجماعة ودعوة عناصرها في السودان للانضمام إليه، حيث يرى أن ذلك قد يعزز قدرته على تحقيق هدفه في النهاية.

2- الاستفادة من الانقسام المناطقي: يبدو أن قيادة التنظيم ترى أن الانقسام الجاري بين الحكومة المركزية في الخرطوم وقبائل “البجا”، بانعكاساته الأمنية على الأوضاع في شرق السودان، يوفر فرصة للتنظيم من أجل استقطاب المزيد من العناصر في الداخل، وتعزيز نفوذه بظهير مجتمعي، حيث تزامنت الرسالة الأخيرة مع تصاعد حدة استياء قبائل “البجا” التي توعدت بعودة عمليات التصعيد والإغلاق شرق البلاد مع انتهاء المهلة التي منحتها للحكومة لتنفيذ مطالبها، لاسيما ما يتعلق بما يسمى “مسار الشرق”، الذي يعتبر أحد محاور اتفاقية جوبا للسلام، ويقضي بحل تظلمات سكان البلاد.

3- تحويل أفريقيا إلى مركز مؤقت: يحاول تنظيم “داعش” عبر الرسالة الأخيرة التي تزامنت مع تنامي العمليات الإرهابية في أفريقيا عبر أفرعه الثلاثة، تأكيد قوته وسيطرته في تلك المنطقة، وذلك لتحقيق هدفين:

أولهما، تقليص حدة الضغوط التي يتعرض لها فرع التنظيم في كل من العراق وسوريا.

وثانيهما، تعزيز قدرة التنظيم على تأسيس بؤرة انطلاق جديدة بعد تراجع المركز في الدولتين، على نحو يمكن أن يُؤهِّل المنطقة لتكون بديلاً، على الأقل مؤقتاً، لقيادة التنظيم المركزي في حالة تكثيف الضربات العسكرية التي يتعرض لها في كل من سوريا والعراق.

تحدٍ خطير

في المجمل، تأتي الرسالة الأخيرة لتنظيم “داعش” التي ركز فيها على التطورات في السودان، لتشير إلى أن التنظيم يتبنى سياسة “إعادة التموضع” التي يحاول من خلالها الوصول إلى مناطق جديدة وتأسيس بؤر إرهابية يستطيع من خلالها توسيع نطاق نفوذه وتعويض الخسائر التي تعرض لها نتيجة الهزائم العسكرية التي منى بها والضربات التي وجهتها القوى الدولية والإقليمية المعنية بالحرب ضده واستهدفت من خلالها قياداته ومواقعه فضلاً عن مصادر تمويله.