لغز العلاقات المصرية – الإيرانية – الحائط العربي
لغز العلاقات المصرية – الإيرانية

لغز العلاقات المصرية – الإيرانية



جرت مياه كثيرة من تحت الجسور في ملف العلاقات العربية-الإيرانية؛ فاستعيدت العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، وشهدنا مزيداً من التقارب بين الأخيرة والإمارات، وزار السلطان هيثم بن طارق طهران في 28 مايو/أيار، وجرت عدة جولات من المحادثات بين جماعة الحوثي المدعومة إيرانياً من جهة وبين الحكومة اليمنية الشرعية والسعودية من جهة أخرى، وتبذل عُمان مساعيها الحميدة في سبيل تخفيف التوتر في العلاقات الإيرانية-الأمريكية، واستئناف مفاوضات فيينا النووية المتوقفة منذ سبتمبر/أيلول الماضي….

ورغم أنّ مياهاً كثيرة جرت أيضاً من تحت جسر العلاقات المصرية-الإيرانية في الفترة الأخيرة، فإنّ هذه المياه لم تصل إلى غايةٍ بعد، وثمة تكهنات متباينة عن اتجاهها المستقبلي؛ ما يثبت أن ملف هذه العلاقات يمثل لغزاً، ويتضمن الكثير من الغموض والإبهام. ولتوضيح ذلك، فبعد أن نقلت وسائل الإعلام ترحيب المرشد الأعلى علي خامنئي باستئناف العلاقات مع مصر، خلال استقباله السلطان هيثم بن طارق في طهران في 28 مايو المنصرم، على أساس أن الوسيط العُماني نقل له رغبة مصرية مماثلة، أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، في حديث تلفزيوني، أن «ما تردد في الإعلام عن وجود مسار مصري إيراني ليس له أساس من الصحة»، وأن علاقات البلدين «مستمرة كما هي عليه».

كما يكفي أن نستقرئ التطورات الأخيرة في العلاقات المصرية-الإيرانية، ولاسيما في ضوء الوساطة العُمانية والوساطة العراقية، لنفهم الإلغاز في ملف هذه العلاقات. وقبل إلقاء الضوء على الوساطتين العُمانية والعراقية بين مصر وإيران، نشير إلى أنهما ما كانتا لتتمّا لولا وجود ضوء أخضر من جانب الدولتين. فقد استقبلت بغداد، في مارس/آذار الماضي، لقاءين اتسما بالسرية بين مسؤولين مصريين وإيرانيين، بإشراف المكتب الخاص لرئيس الوزراء العراقي ووزير خارجيته فؤاد حسين. ونقل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أثناء زيارته لمصر في 12 يونيو/حزيران الفائت، رسائل إيرانية تهدف إلى تحقيق اختراق في ملف عودة العلاقات بين القاهرة وطهران، وطرح فكرة عقد لقاء جديد بين مسؤولين في البلدين، للتوافق حول الخطوط العريضة لقمة ثلاثية أو اجتماع ثلاثي برعاية العراق في بغداد، بمشاركة مصر وإيران.

وطرحت الوساطة العُمانية، خلال زيارتي السلطان هيثم بن طارق لكلٍّ من القاهرة وطهران، على التوالي. ولهذا نفهم كيف توقعت صحيفة «ذي ناشيونال» أن تتبادل مصر وإيران السفراء خلال أشهر. بل توقعت الصحيفة، استناداً إلى مصادر مصرية، أن يعقد اجتماع بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي بنهاية العام الجاري.

والواقع أنه لم تنقطع الاتصالات على المستوى الأمني والاستخباري بين مصر وإيران، خلال السنوات الخمس الفائتة، للتداول في قضايا ارتبطت في معظمها بالأوضاع الأمنية في منطقة البحر الأحمر، وسوريا واليمن. وانتقل التواصل بين الطرفين مؤخراً من مستوى اللقاءات والاتصالات الأمنية السرية إلى مستوى لقاءات شارك بها دبلوماسيون من البلدين في بغداد، في إطار الوساطة العراقية، لتطبيع العلاقات بينهما. كما جرت محادثات مصرية إيرانية في الأيام الماضية، تم خلالها التوافق على الذهاب إلى سلسلة لقاءات استكشافية بشأن الملفات التي تشغل صانعي القرار في البلدين. وهناك لجنة مشتركة من الجانبين المصري والإيراني في الوقت الراهن، تتولى ترتيب وتنسيق الخطوات المتعلقة بمسار استعادة العلاقات بين البلدين، وتحديد الملفات والقضايا التي تحتاج إلى إزالة الخلافات بشأنها.

علاوة على ذلك، ثمة تطورات إيجابية لافتة في هذا الصدد، منها ممانعة مصر الانخراط في تحالف عسكري يأتي في مقدمة أهدافه مواجهة إيران. ورغبة البلدين في الانضمام إلى مجموعة «بريكس» تمثل فرصة إضافية لتطبيع العلاقات بينهما، إلى جانب موافقة مصر على دخول السیاح الإيرانيين إلى أراضيها، وتطبيع العلاقات السعودية-الإيرانية. كما لا تفوتنا الإشارة إلى زيارة وجولة مساعد الرئيس الإيراني، علي سلاجقة، في مصر أثناء فعاليات مؤتمر «كوب-27»، في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي.

وإذا كانت هذه المتغيرات جميعاً تدفع في اتجاه تطبيع العلاقات المصرية-الإيرانية، فلماذا هذا الغموض الملغز في طبيعة هذه العلاقات وآفاقها؟ ربما تتاح لنا فرصة الإجابة عن هذا التساؤل في مقال مقبل، إن شاء الله.

نقلا عن الخليج