لبنان والخليج إلى أين؟ – الحائط العربي
لبنان والخليج إلى أين؟

لبنان والخليج إلى أين؟



فى الوقت الذى تحتضن دول الخليج، وفى طليعتها المملكة العربية السعودية، اللبنانيين العاملين لديها، وجلهم من رجال الأعمال والمهنيين والخبراء، وفى الوقت الذى تُثمن هذه الدول عاليًا كفاءة اللبنانيين المهنية ودورهم فى نهضتها الاقتصادية والعمرانية، وكذلك سلوكهم فى احترام الأنظمة والقوانين المرعية، يستمر حزب لبنانى فى استعداء دول الخليج ومهاجمة السعودية، وذلك خدمة لمشروع إقليمى يبتعد كليًا عن مصالح اللبنانيين وتطلعاتهم، ويتنكر للعلاقات التاريخية مع دول الخليج، وفى مقدمتها المملكة العربية السعودية.

إنه لأمر مؤسف أن يصل البعض إلى تغييب المسؤولية الوطنية، وتغطية حالة البؤس والانهيار الاقتصادى والنقدى الذى تسببت بها مواقفه وأفعاله، من خلال إصراره على إبعاد لبنان عن محيطه العربى وجعله فى مواجهة دول الخليج. ومن المؤسف أيضًا أن يعمد هذا البعض فى كل مرة يقترب فيها لبنان من تحسين علاقاته بالسعودية ودول الخليج، إلى إطلاق تصريحات ومواقف تتماهى مع مصالح رعاته الإقليميين، وتهدف إلى تعميق الشرخ القائم والقضاء على فرص تحسين علاقات لبنان بمحيطه، وكأن المقصود باستمرار القضاء على أى آمال باستعادة لبنان عافيته السياسية والاقتصادية.

إنه من غير المقبول أن يتنكر هذا البعض لكل مسار العلاقات الطيبة مع المملكة ودول الخليج الأخرى، التى تحتضن مئات آلاف من اللبنانيين وتوفر لهم فرص العمل فى أسواقها، الأمر الذى يُمكّنهم من الاستمرار فى إرسال الأموال إلى ذويهم وعائلاتهم، المحاصرين بالبؤس والفقر من جراء سياسات ورهانات هذا البعض، والتى لم يحصد منها لبنان سوى الفقر والعزل عن محيطه العربى وعن المجتمع الدولى.

إننا إذ نلفت انتباه من يسعى إلى تخريب علاقات لبنان بالمملكة إلى أن التصريحات والأفعال التى يقوم بها لا تنحصر تداعياتها فقط على اللبنانيين المقيمين فى دول الخليج، بل تشمل اللبنانيين فى مناطق أخرى، لاسيما فى الدول الإفريقية، إذ يوجد مئات الآلاف من اللبنانيين الناجحين فى أعمالهم، والذين يخشون من تداعيات المواقف غير المسؤولة التى تُلحق الضرر الكبير بمصالحهم وباقتصاد بلدهم، فى الوقت الذى يتطلعون فيه إلى أن يستعيد لبنان عافيته، لأن استمرار الوضع على حاله من شأنه أن يعيدنا إلى العصور الغابرة ويقضى على أى فرصة لإعادة النهوض.

آن الأوان أن يقف هذا النهج التدميرى، الذى وصل إلى حد الادعاء «بأن دول الخليج تستخدم اللبنانيين العاملين لديها كرهائن»، فيما الواقع المرير هو جعل لبنان رهينة لمشروع لم يجلب سوى البؤس والعوز والانغلاق على الذات.

فى الواقع، فإن هذا الادعاء يهدف إلى حرف الأنظار عن المشكلة الحقيقية التى يعيشها لبنان، والتى تتمثل فى مصادرة قرار دولته وأخذه رهينة لمشروع أصبح مكشوفًا فى محتواه وأبعاده، ويا ليت وكيل هذا المشروع يراجع، ولو مرة واحدة، نتائج ما وصلت إليه مواقفه وأفعاله، عله يدرك، قبل فوات الأوان، أين تقع مصالح لبنان، دولةً وشعبًا.ويا ليته يفكر فيما آلت إليه دول الخليج والسعودية من ازدهار وتطور وحداثة، وما آلت إليه نماذج المشروع الذى يشغل وكالته، هذا المشروع الذى يتوسل العنف لتحقيق غايات سياسية، والفقر لوضع اليد على مستقبل الناس وطموحاتهم، فى حين يستعد وكلاء هذا المشروع التدميرى إلى مزيد من إفقار الناس وإرغام الشباب اللبنانى على السفر بحثًا عن لقمة العيش، وتستعد المملكة فى هذه المرحلة لفورة إعمارية واقتصادية جديدة ستولد الآلاف من فرص العمل المفتوحة أمام الجميع، بمن فيهم اللبنانيون الذين يتطلعون إلى المشاركة فى هذه الفرص والخروج من المأساة التى حلت بهم على الأصعدة المختلفة. فهل من مسؤول حكيم يفوّت على شعبه مثل هذه الفرص، ويستمر فى مشروع لا يُنتج سوى الفقر والعنف والمآسى؟

اتقوا الله فيما فعلتم وتفعلون، ودعوا شعبنا يتنفس ويعمل فى الداخل ويقم بأعماله ومصالحه فى الخارج، بعيدًا عن الممارسات التى لم تجلب سوى الانهيار المالى والاقتصادى. دعوا المغتربين فى الخليج وغير مكان يعيشوا بأمان، وينصرفوا إلى أعمالهم وكسب العيش وتوفير مقومات الصمود لذويهم وعائلاتهم من المقيمين، اتركوهم بعيدًا عن جهنم الموعودة، واتركوهم بعيدًا عن السجن الذى وُضع لبنان فيه خدمة لمشروع لم يجلب سوى البؤس والآلام والفقر والهجرة والتشرد. والشواهد على ذلك كثيرة فى سوريا والعراق وفى اليمن، وقد أصبح لبنان «بفضلكم» فى منتصف الطريق إلى هذه النماذج.

ختامًا، نقول: «إن اللبنانيين فى الخليج معززون ومكرمون، والرهائن هم اللبنانيون الذين يعيشون فى لبنان. هذا هو الواقع، وهذه هى المأساة».

نقلا عن المصري اليوم