كيف يبدو المشهد اللبنانى عشية عام ٢٠٢٢ الذى هو عام الاستحقاقات فى لبنان: انتخابات نيابية وانتخابات رئاسية، ولكن «الاستحقاق» الأساسى يكمن فى العمل على وقف الانهيار المتسارع: حروب سياسية فى الداخل من خلال تبادل الاتهامات بمسئولية ما آلت إليه الأوضاع وشلل فى السلطة التنفيذية. خير ما يعبر عن هذا الشلل غياب أو تغييب دور مجلس الوزراء فى تحمل مسئولياته فى لحظة البلد فيها بأمس الحاجة لهذا الدور المطلوب، وانعقاد المجلس أسير للحرب السياسية الدائرة. ويؤسس هذا الوضع الفيتو لمنع انعقاد المجلس، وربط الانعقاد بتحقيق شروط معينة لسابقة خطيرة فى العمل الحكومى مستقبلا قد يلجأ إليها أى طرف يمتلك القوة فى لحظة للقيام بذلك.
وللتذكير فإن المطلوب من المجلس أن ينعقد ليتخذ القرارات الضرورية لوقف الانهيار: الأمر الذى يضفى مصداقية أكثر من مطلوبة على وجود قرار عند أهل السلطة لوقف الانهيار كشرط ضرورى ولكن بالطبع غير كافٍ لإطلاق عجلة الإصلاح المطلوب. إصلاح تزداد تكلفته مع مرور كل يوم على التأخير. كما إن كل تأخير أيا كانت الأسباب التى تقدم لتبريره يضرب مصداقية السلطة فى لبنان أمام الأطراف الخارجية من دول ومنظمات دولية داعمة للبنان: شلل سياسى فى الداخل وانتظار حلول تأتى من الخارج تسهل الحلول الداخلية. فالأنظار والرهانات أو التمنيات المتضاربة والمتناقضة تركز على ما يجرى فى فيينا (المفاوضات النووية) وما ستنتج عنه توافقا أم هدنة أم تفاهما إلى جانب بالطبع «الرسائل» المتبادلة من خلال الاتصالات أو اللقاءات على الصعيد الإقليمى، ليبنى كل موقفه على ذلك.
فلبنان يبقى بإرادة الطبقة السياسية الحاكمة أسيرا «للعبة الأمم» الدائرة فى المنطقة أو كما يسميه البعض «حجرا» مهما، بسبب تركيبته السياسية والمجتمعية، فى «لعبة الشطرنج» فى الشرق الأوسط. الأمين العام للأمم المتحدة كان صريحا فى كلامه خلال زيارته للبنان الأسبوع الماضى عندما حمل اللبنانيين المسئولية بشكلٍ جزئى، محملا المسئولية أيضا لجهات خارجية. فلبنان محاصر من الداخل ومن الخارج مما يزيد من تعقيدات الوضع اللبنانى ومن صعوبة التوصل إلى الحلول المطلوبة. كل ذلك يحصل فى ظل مؤشرات تدل على ازدياد الفقر المدقع فى لبنان وعلى ازدياد هجرة الشباب وهجرة الكفاءات من لبنان. وللتذكير فإن مجموعة الدعم الدولية للبنان دعت فى اجتماعها منذ عامين فى باريس إلى ضرورة الإسراع فى إجراء إصلاحات اقتصادية حكومية (سياسية). وهذه دعوات تكررها جميع الأطراف الداعمة للبنان. ولكن السلطة السياسية، إذا ما وضعنا جانبا العناوين والشعارات الفضفاضة للإصلاح وتبادل الاتهامات فى هذا المجال، مازالت بعيدة كل البعد عن هذا الأمر، وغارقة فى لعبة «تقاسم الجبنة» فى نظام المحاصصات الطائفية وفى اعتماد سياسات المراهم فيما البلد بحاجة «لجراحات» إصلاحية وشاملة. الأمر الذى يدركه كل شخص موضوعى يعرف لبنان سواء كان لبنانيا أو غير لبنانى.
وعلى صعيد الانتخابات القادمة وفى إطار الشلل الحكومى الحاصل والمفتوح على احتمالات عديدة بشأن حصول أو عدم حصول انتخابات نيابية والاستمرار بسلطة تنفيذية مشلولة أو حصول انتخابات وعدم تشكيل حكومة جديدة والاستحقاق الرئاسى وحصول اجتهادات حول عدم جواز حصول شغور رئاسى خاصة مع حكومة مستقيلة إلى جانب بالطبع دعوات إلى إعادة تفسير اتفاق الطائف أو تطويره، كلها أمور تشير إلى احتدام معركة بالنسبة للبعض. معركة تعبر عن أكثر من أزمة حكم إذ يعتبرها هؤلاء أنها تعكس بالفعل أزمة نظام بحاجة للتغيير أو للتطوير. ما لا يقال علنا بعد يجرى الهمس به بازدياد. كل السيناريوهات مطروحة من أزمة نظام يجرى حلها عبر «طائف معدل» كما يلمح البعض، أو عبر تحديثه كما يلمح البعض الآخر أو عبر تفاهم من الخارج. وكانت هذه هى الحال دائما مع أزمات لبنان تنعكس فى «تشجيع» تسوية داخلية كما حصل فى اتفاق الدوحة عام ٢٠٠٨. لكن وجب التذكير أن الأوضاع الداخلية هذه المرة مقارنة بالماضى لم تعد تسمح «بترف» الانتظار وقد وصلنا إلى الانهيار.
أخيرا هل من أمل بالتوصل إلى «هدنة» بين الأطراف اللبنانية لإنقاذ المركب اللبنانى من الغرق كما حذرنا مرارا، ولو أن جميع المؤشرات لا تشجع على ذلك. بعد هدنة من هذا النوع يعاودون التقاتل على من يقود المركب، أم ننتظر تفاهمات «الخارج» ليتم إنقاذ المركب. ونبقى دائما عرضة لأن تتقاذفنا الأمواج فى «بحرنا الإقليمى». العام القادم سيأتينا بالجواب.
نقلا عن الشروق