يسعى حزب “العدالة والتنمية” في المغرب، لتوظيف الانتخابات التشريعية الجزئية على خمسة مقاعد شاغرة بمجلس النواب، لصالحه بعد تراجع كبير في الانتخابات التشريعية في العام الماضي، بعدما بدأ في تبني منهج براجماتي بعدما قرر عدم المشاركة في انتخابات جزئية للمجالس البلدية العام الماضي، مع السعي لاختبار جديد لحضوره، وتحقيق قدر من التغلغل المجتمعي وزيادة حدة الهجوم على الحكومة الحالية، فضلاً عن تحقيق قدر من التماسك الداخلي، وإمكانية زيادة عدد ممثليه في المجلس، بما قد يمكنه من تشكيل فريق نيابي حال تعديل النظام الأساسي، بخفض العدد اللازم لتشكيل فريق نيابي.
إذ يستعد المغرب، في 21 يوليو الجاري، إلى إجراء انتخابات تشريعية جزئية، على خمسة مقاعد شاغرة في مجلس النواب، بناء على مرسوم حكومي صدر في الجريدة الرسمية في عددها 7096 بتاريخ 2 يونيو الماضي، بعد قرار المحكمة الدستورية بإلغاء انتخاب خمسة من أعضاء مجلس النواب، الذين فازوا في الانتخابات التي أجريت العام الماضي.
وأعلن عدد من الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات الجزئية، من خلال الدفع بمرشحين لها للتنافس على المقاعد الخمسة، وكان من بين تلك الأحزاب “العدالة والتنمية” (المعبر عن جماعة الإخوان في المغرب) في وقت يعاني فيه الحزب من تراجع على الساحة السياسية، بعد حصده 12 مقعداً فقط في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ليبدأ مرحلة جديدة في محاولة استعادة حضوره مجدداً.
ويُمكن النظر إلى المشاركة في الانتخابات التشريعية الجزئية كجزء من مسارات التحرك على المستوى السياسي بهدف استعادة مكانته، والتي ربما تحقق عدداً من الأهداف التي يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:
نهج براجماتي
1- تحولات المواقف بشأن المشاركة في الانتخابات الجزئية: قرر حزب العدالة والتنمية المشاركة في الانتخابات التشريعية الجزئية المقررة في 21 يوليو الجاري، مع اهتمام داخل أروقة الحزب بدعم المرشحين من أجل الفوز في هذه الانتخابات، وهذا الموقف يتناقض مع قرار سابق للحزب بعدم المشاركة في انتخابات جزئية مماثلة على مستوى الانتخابات البلدية في نوفمبر 2021، بما يعكس تحولات براجماتية في مواقف الحزب خلال الأشهر القليلة الماضية. وعلل الحزب موقفه الرافض للمشاركة في الانتخابات البلدية التكميلية حينها، من خلال بيان لأمين عام الحزب عبد الإله بنكيران؛ إذ ذكر البيان أن شغور المقاعد في المجالس البلدية يرجع إلى “قصور القوانين الانتخابية، وهو شغور سبق تشكيل المجالس ومكاتبها وهيئاتها، وهو بذلك يطرح إشكالية ديمقراطية وقانونية”.
وبغض النظر عن إشارة الحزب إلى رؤيته الرافضة لقوانين الانتخابات، فإن عدم المشاركة جاءت عقب تراجع نسبة تمثيل الحزب في مجلس النواب لأول مرة منذ عام 2011، وربما كان الحزب يرغب في عدم تكرار هذا التراجع من خلال مشاركته في الانتخابات الجزئية للمجالس البلدية، خاصة مع تصاعد حدة الخلافات داخل الحزب بعد الخسارة في انتخابات 2021، واستقالة سعد الدين العثماني ومجموعته من قيادة الحزب، وتولي بنكيران المسؤولية، وبالتالي لم تكن الظروف مواتية للمشاركة حينها على المستوى الداخلي.
اختبار جديد
2- المشاركة بهدف إعادة اختبار حضور الحزب: واجه حزب “العدالة والتنمية” تحديات على المستوى السياسي ليس أولها التراجع الكبير في التمثيل بمجلس النواب في الانتخابات الماضية، ولكن قبلها بأشهر قليلة وتحديداً في يناير 2021 حينما خسر أحد معاقله جنوب شرق المغرب في دائرة الرشيدية، وهو ما فتح مجالاً للتكهنات بمستقبل الحزب في الانتخابات التشريعية التي أجريت في العام ذاته، قبل أن تتضح الصورة بأن الخسارة في دائرة الرشيدية كان مؤشراً على تراجع الحضور على المستوى الشعبي، إذ كانت تلك الدائرة معقلاً رئيسياً وحاضنة للحزب، وربما يرغب الحزب في اختبار جديد لحضوره في عدد من الدوائر الانتخابية تحت القيادة الجديدة للحزب.
واتجه حزب “العدالة والتنمية” إلى الدفع ببعض الوجوه الجديد للمشاركة في الانتخابات التشريعية الجزئية، واستبعاد الوجوه التي شاركت سابقاً في الانتخابات التشريعية الأخيرة في نفس الدوائر ولم تتمكن من النجاح، فمثلاً دفع الحزب بعبد السلام الخالدي وكيلاً لقائمة الحزب في دائرة مكناس، في حين أن المنافسة ستكون شديدة نظراً لمواجهة مرشح حزب التجمع الوطني للأحرار بدر الطاهري، الذي فاز في هذه الدائرة قبل إلغاء العضوية بقرار من المحكمة الدستورية.
تغلغل شعبي
3- تعزيز الاختلاط شعبياً في إطار دعم مسارات المعارضة: تحول حزب “العدالة والتنمية” من قيادة الائتلاف الحكومي إلى صفوف المعارضة، وبقدر ما أحدث هذا التراجع خللاً داخلياً في الحزب، إلا أنه دفع إلى تبني الحزب مسارات الهجوم وانتقاد السياسات والإجراءات الحكومية بصورة لافتة خلال الأشهر القليلة الماضية. وفي مطلع يوليو الجاري، وجه الأمين العام للحزب هجوماً شديداً على الحكومة الحالية، واعتبرها “عاجزة عن القيام بمهامها على الوجه المطلوب في مثل هذه الظروف، ولم تتخذ إلى حدود الساعة القرارات المناسبة للتخفيف على المواطنات والمواطنين، ولم تقم بما يلزم لحماية قدرتهم الشرائية جراء ارتفاع أسعار الوقود”.
ولم يكن هذا هو الهجوم الأول لبنكيران وقيادات الحزب على الحكومة، ولكن زادت حدته أخيراً في إطار محاولة جديدة للتغلغل على المستوى الشعبي، عبر استغلال التداعيات الاقتصادية للأزمة الروسية الأوكرانية للهجوم على الحكومة، والسعي لتوظيف هذه الأوضاع لصالح الحزب ومرشحيه في الانتخابات، الذين سلكوا النهج نفسه بالهجوم على الحكومة خلال حملته الانتخابية. فعلى سبيل المثال، قال نبيل الأندلسي، وكيل لائحة حزب العدالة والتنمية للانتخابات بإقليم الحسيمة، في تصريحات إعلامية: “إن حكومة أخنوش تستحق عقاباً انتخابياً”.
تماسك داخلي
4- استنفار قواعد الحزب بعد التراجع في الانتخابات الأخيرة: انعكس تراجع الحزب في الانتخابات التشريعية الأخيرة على قواعد الحزب خلال الأشهر القليلة الماضية، وهو ما عبر عنه عدد من قيادات الحزب بشعور قواعد الحزب بـ”اليأس والإحباط”. وفي سياق مساعي القيادة الجديدة للحزب بالمضي في مسار الإصلاح الداخلي وترتيب الأوضاع داخل الحزب بعد خسارة الانتخابات، فإن المشاركة في الانتخابات الجزئية تخدم أهداف الحزب من خلال تحقيق قدر من التماسك الداخلي، بإحداث حالة من الاستنفار الداخلي لدعم مرشحي الحزب في الانتخابات، خاصة أن الحزب يستعد لمؤتمر “جمعية منتخبي العدالة والتنمية” في أكتوبر المقبل، إضافة إلى ترتيب مؤتمرات “الشبيبة والهيئات الموازية”.
وتمثل هذه الانتخابات فرصة لتجميع قواعد الحزب تحت هدف جديد، هذا بغض النظر عن الفوز أو الخسارة في الانتخابات، ولكنه هدف مرحلي يمكن البناء عليه مستقبلاً في مسارات إعادة البناء الداخلي، ويتضح ذلك من خلال توجيه قيادات الحزب للقواعد بضرورة دعم جهود المرشحين في الانتخابات؛ إذ دعت “الكتابة الجهوية” لحزب العدالة والتنمية بطنجة تطوان الحسيمة، أعضاء الحزب إلى “تقديم ما تيسر لهم من دعم مادي أو مالي أو بربط الاتصال بأبناء إقليم الحسيمة، الذين يحق لهم التصويت، قصد حثهم على تعبئة أسرهم للمشاركة في الانتخابات الجزئية المزمع تنظيمها بالحسيمة”.
الدور البرلماني
5- السعي لزيادة نوابه وتشكيل فريق نيابي: يرغب الحزب في زيادة عدد ممثليه في مجلس النواب من خلال المشاركة في الانتخابات الجزئية، وبالتالي فإنه يدفع بقوة لحصد تلك المقاعد ويحث الأعضاء على دعم المرشحين من أجل تعزيز حضوره في المجلس خلال الفترة المقبلة، وهذا السعي يرتبط أيضاً بإمكانية تمكن الحزب من تشكيل فريق نيابي داخل المجلس، إذ إن عدد الأعضاء اللازم لتشكيل فريق نيابي هو 20 نائباً، في حين أن عدد ممثلي “العدالة والتنمية” في مجلس النواب 12 نائباً فقط.
ربما يجد الحزب أن المشاركة في الانتخابات واحتمالية زيادة عدد ممثليه فرصة لإمكانية تشكيل فريق نيابي، خاصة مع إمكانية تعديل النظام الأساسي للمجلس وخفض عدد النواب اللازم لتشكيل فريق نيابي، وهو أمر مطروح للمناقشة والتعديلات، بعدما تقرر أن يكون آخر موعد لتلقي المقترحات في هذا الشأن بحلول 15 يوليو الجاري. وتُشير بعض التقارير الإعلامية المحلية إلى أن خفض عدد النواب لتشكيل فريق نيابي إلى 12 نائباً يُثار داخل أروقة مجلس النواب، لتمكين “العدالة والتنمية” من تشكيل فريقه، وبالتالي التمثيل في مكتب المجلس ورئاسة لجنة دائمة، وهي خطوة لو تحققت فإنه يمكن للحزب أن يعزز من خلالها حضوره، ولكن تواجه التعديلات معارضة من قبل عدد من الأحزاب.
مأزق مركب
على الرغم من إمكانية تحقيق المشاركة في الانتخابات التشريعية الجزئية في ذاتها أهدافاً متعددة للحزب بغض النظر عن الفوز أو الخسارة، إلا أنها لن تتمكن من إعادة الحزب إلى الخريطة السياسية، ولكن ربما يمنح توقيتها في خضم تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية فرصة للحزب لتكثيف الضغوط والهجوم على الحكومة الحالية، ولكن تبقى أن أزمة الحزب مركبة، يتعلق بعضها بالبناء الداخلي للحزب ومدى القدرة على تحقيق التماسك، وحسم الخلافات الداخلية، قبل التطرق إلى برامج ورؤى الحزب.