ارتدادات سلبية:
كيف يؤثر الصراع السوداني على تفاعلات الداخل في تشاد؟

ارتدادات سلبية:

كيف يؤثر الصراع السوداني على تفاعلات الداخل في تشاد؟



تخشى نجامينا من تمدد الصراع السوداني إلى الداخل التشادي، أو استفادة حركات المعارضة التشادية المسلحة من الاضطرابات الحالية في السودان، للحصول على السلاح والدعم الخارجي. ولعل هذا ما دفع بالرئيس التشادي، محمد إدريس ديبي إتنو، إلى التحرك على أكثر من محور إقليمي ودولي، كان من أهمها الزيارة التي قام بها إلى الإمارات (14 يونيو الجاري) التي تم من خلالها توقيع عدد من الاتفاقيات، منها ما يخص المجال العسكري والاقتصادي، وقرض من صندوق أبو ظبي للتنمية، فضلاً عما يستهدف منها مجال الطاقة، وغيرها. ويبدو القلق التشادي من الصراع في السودان من خلال العمل أيضاً على تعزيز التعاون مع فرنسا والولايات المتحدة لضمان عدم تمدد هذا الصراع؛ حيث ترتبط تشاد والسودان، إضافةً إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، بروابط اجتماعية وثقافية تتمثل في التمدد القبلي، حيث تتواجد العديد من القبائل المشتركة بين هذه الدول، خاصةً في المثلث الحدودي بينها.

في إطار التحركات التشادية الراهنة، خارجياً وداخلياً، تبدو بوضوح حالة القلق، بل والحذر، من تداعيات الصراع في السودان على الداخل في تشاد، عبر أكثر من جانب، لعل أهمها الجوانب التالية:

تداعيات متشابكة

1- تزايد عدم الاستقرار السياسي الداخلي: حيث إن السودان له دور مهم ومؤثر في استقرار أو عدم استقرار الوضع السياسي في تشاد، فأغلب حركات التمرد التشادية التي وصلت إلى الحكم أو تلك التي لم تنجح بالوصول إلى الحكم، كانت تنطلق من السودان، وخاصة من إقليم دارفور؛ إذ كان الإقليم يُمثل المأوى بالنسبة للحركات المتمردة، خاصة المسلحة.

فالرئيس السابق لتشاد، إدريس ديبي، قبل توليه السلطة عبر انقلاب عسكري، في ديسمبر 1990، كان يتخذ من دارفور هو ومليشياته قاعدة خلفية، وبعد وفاته عام 2021 تولى مجلسٌ عسكري بقيادة ابنه محمد ديبي السلطة في تشاد. ولأن الأب والابن من عرقية الزغاوة، التي استمرت في الحكم أكثر من 30 عاماً؛ فإن القبائل العربية في الداخل التشادي، التي لها امتدادات في دارفور، مثل القرعان والفولاني وغيرهما، قد ترغب في إنهاء حكم هذه القبائل، وبالتالي يتبدى بوضوح تأثير مسارات الصراع السوداني على الوضع في تشاد، خاصة أن “حميدتي”، قائد قوات الدعم السريع، ينتمي إلى قبائل الرزيقات، إحدى أكبر القبائل العربية الممتدة عبر الحدود بين دارفور وكردفان في السودان، وبين شرق تشاد.

2- تنامي مؤشرات الأزمة الاقتصادية: إذ إن تشاد غير الساحلية تعتمد على واردات معظم السلع، من المواد الخام والمنتجات الصناعية والمواد الغذائية، من موانئ رئيسية هي ميناء بورتسودان في السودان، إضافة إلى ميناء دوالا في الكاميرون، بما يجعل لإغلاق الحدود مع السودان، منذ بداية الصراع المسلح، تأثير كبير على الداخل التشادي؛ حيث ارتفاع أسعار السلع والخدمات.

مثل هذا التأثير يبدو أكثر في المقاطعات الشرقية لتشاد، التي تتأثر بشكل كبير بما يحدث في السودان، وهو ما يُمكن أن يتسبب في أزمة اقتصادية تتنامى مؤشراتها في الوقت الراهن، باعتبار أن تشاد “دولة حبيسة” في منطقة الساحل الأفريقي. أضف إلى ذلك، من مؤشرات الأزمة الاقتصادية، توقف الصادرات التشادية القليلة غير النفطية، التي تتشكل من القطن والصمغ العربي والماشية، بما لذلك من تأثيرات على الاقتصاد التشادي الضعيف أصلاً.

3- تصاعد إشكاليات الأوضاع الإنسانية: حيث إن الصراع العسكري في السودان، وفي الخرطوم خصوصاً، ساهم في فرار نحو 90 ألف لاجئ من السودان إلى تشاد، بينهم قرابة 12500 تشادي كانوا يعيشون في السودان قبل اندلاع الصراع العسكري الحالي، وذلك بحسب تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في منتصف مايو الماضي؛ ولعل هذا ما دفع نائب المفوض السامي لشؤون اللاجئين، رؤوف مازو، إلى الوعد بتقديم المساعدة للاجئين والتشاديين، خلال لقائه مع الرئيس ديبي، في 22 مايو الماضي.

واللافت أن النزوح الجماعي إلى تشاد يُسلط الضوء على الإشكاليات المتزايدة في دول منطقة الساحل الأفريقي المضطربة في الأصل، من مالي وبوركينافاسو إلى السودان، بما في ذلك تنامي الجماعات الإرهابية، وعدم فاعلية عمليات حفظ السلام الغربية، بشكل قد يؤدي إلى حدوث كارثة إنسانية في الداخل التشادي، خصوصاً في المناطق الشرقية.

تأثيرات محتملة

رغم هذه التداعيات المتشابكة للصراع العسكري في السودان، على الداخل التشادي؛ فإن ثمة تأثيرات محتملة في المستقبل القريب، تزامناً مع الاضطرابات الإقليمية الراهنة بسبب هذا الصراع، لعل أهمها ما يلي:

1- تحوّل تشاد إلى منطقة صراع دولي: فإضافة إلى المشاورات التي أجراها رئيس المجلس الانتقالي العسكري في تشاد، محمد ديبي، مع الحكومة الفرنسية وطالب فيها بضرورة تكثيف الطلعات الجوية على الحدود الفاصلة بين تشاد والسودان؛ فإن هناك قلقاً أمريكياً متزايداً من تحركات مجموعة “فاغنر” الروسية، خاصة أن هذه التحركات أسفرت عن استقطاب فاغنر لعناصر من المعارضة التشادية، للانضمام إلى معسكر تابع لها في جمهورية أفريقيا الوسطى، وهو ما يعني أن ثمة احتمالاً لأن تقوم فاغنر بدعم تمرد محتمل من جانب المعارضة المسلحة ضد الحكومة التشادية.

وإذا كانت المشاورات التي أجراها ديبي مع الحكومة الفرنسية قد أسفرت عن تعزيز فرنسا وجودها في تشاد، حيث حصلت باريس على موافقة المجلس العسكري الحاكم بالسماح لها بإنشاء قواعد عسكرية جديدة داخل تشاد، من حيث كونها الداعم الرئيسي لحكم ديبي؛ فإن تعزيز السلطات التشادية علاقاتها مع الولايات المتحدة، على مستوى التنسيق الاستخباراتي، يمكن أن يساهم في تحويل تشاد إلى منطقة صراع دولي، على الأقل من منظور “الاحتكاك” المحتمل بين عناصر فاغنر الروسية، التي تتمدد في الداخل السوداني، وفي أفريقيا الوسطى، مع القوات الفرنسية المتواجدة في تشاد.

2- التخوف من اشتعال الصراع في دارفور: حيث من المعروف انتماء حميدتي إلى قبيلة الرزيقات العربية، التي لها امتدادات داخل تشاد، وهي القبائل التي على خلاف واضح مع قبائل الزغاوة، التي ينتمي إليها الرئيس التشادي الحالي. أيضاً هناك ارتباط قوي للجيش السوداني مع القادة السابقين لقبائل الزغاوة في دارفور، ومن بينهم مني أركو ميناوي، حاكم إقليم دارفور، وزعيم أكبر فصيل في جيش تحرير السودان، والقيادي بإعلان الحرية والتغيير. ومن ثم فإن مسار الصراع العسكري بين الدعم السريع والجيش السوداني، واحتمالات امتداد الصراع إلى دارفور، سوف يُلقي بظلال سلبية على الداخل التشادي، سياسياً وعسكرياً.

والملاحظ أن احتمال امتداد الصراع السوداني إلى دارفور، سوف يُساهم أيضاً في تحول المثلث الحدودي بين تشاد والسودان وأفريقيا الوسطى، الذي يُمثل إحدى أبرز بؤر التداخل العرقي والقبلي بين الدول الثلاث، إلى منطقة صراع إقليمي؛ خاصة أن هذا المثلث يشمل قبائل كبرى بينها تاريخ من الاختلافات، بين العنصر العربي فيها والعنصر الأفريقي، مثل الرونقا والزغاوة والتاما والقرعان والمساليت.. وغيرها؛ وهو ما يجعل الصراع السوداني مصدر قلق كبير بالنسبة إلى الداخل التشادي، وكذلك بالنسبة إلى أفريقيا الوسطى، في ظل الأوضاع السياسية والأمنية الهشة في كلا الدولتين.

3- القلق من تفاقم عدم الاستقرار الأمني: ففي ظل الظروف الأمنية غير المستقرة بالأصل في الداخل التشادي، يبدو القلق من احتمالات متعددة؛ منها ما يتعلق بأن يؤدي الصراع في السودان، وتدفق الكثير من المقاتلين والأسلحة إلى داخل تشاد، في تفاقم الأوضاع الأمنية، خاصة من المعارضة المسلحة، ومنها أيضاً احتمال انخراط بعض المجموعات التشادية العرقية والقبلية في الصراع السوداني، لمساندة الحلفاء الإقليميين، من نفس العرقيات والقبائل، وهو ما يعني التشابك في الصراع وامتداده إلى الداخل التشادي.

بل إن مثل هذه الاحتمالات يزداد تحققها في المستقبل القريب، على وقع الاحتمال الأهم، وهو توجه المجلس العسكري الحاكم إلى تمديد المرحلة الانتقالية، ففي هذه الحال سوف تعمد أحزاب المعارضة السياسية إلى العودة لتنظيم احتجاجات واسعة ضد المجلس العسكري، بما يُنذر باتساع نطاق التأزم في المشهد التشادي الداخلي، ومع التأزم تحاول حركات المعارضة المسلحة تكرار هجماتها في داخل تشاد، ومحاولة التخلص من نظام ديبي والمجلس العسكري الحاكم.

توازن حذر

في هذا السياق، يُمكن القول إنه رغم موقف الحياد الذي تتخذه تشاد تجاه طرفي الصراع العسكري في السودان، وسعيها لمحاولة التوصل إلى تسوية لهذا الصراع؛ إلا أن خطر التداعيات المحتملة للأزمة السودانية، والصراع الدائر هناك، يُثير قدراً كبيراً من الانعكاسات السلبية على الداخل التشادي، مثل تفاقم الأزمات الإنسانية والأمنية، وتأليب الأبعاد العرقية والقبلية، وتعطيل حركة التجارة، وتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية.

وكما يبدو، فإن عدم حسم المنافسة القبلية طويلة الأمد على الحدود المشتركة بين السودان وتشاد، خاصة في أبعادها العربية والأفريقية، لا بد من أن يؤدي إلى “ارتدادات مستقبلية” سلبية على الداخل التشادي، ولعل ذلك نفسه ما يدفع المجلس العسكري في نجامينا إلى الحفاظ على “توازن حذر”، في الموقف من طرفي الصراع السوداني، ومحاولة التقارب مع عدد من القوى الدولية والإقليمية والعربية، لتحجيم الصراع السوداني، والحيلولة دون امتداده إلى داخل البلاد.