وقّع الرئيس الأمريكي جو بايدن، في ٢٩ ديسمبر الفائت، على قانون الإنفاق الحكومي لعام 2023، بقيمة ١,٧ تريليون دولار، والذي يقع في ٤١١٥ صفحة. ويتضمن القانون عدداً من أولويات الإدارة الأمريكية، كما يتجنب إغلاق الحكومة، ويتوج عامين مثمرين تشريعياً لبايدن. ويحمل القانون بصمة الديمقراطيين على الإنفاق الحكومي قبل تولي الجمهوريين الأغلبية بمجلس النواب، في 3 يناير الجاري. ويشمل القانون مخصصات مالية لمساعدة دول في الشرق الأوسط، وحلفاء الولايات المتحدة، على مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، والتي من شأنها تعزيز الدور الأمريكي في المنطقة في وقت أضحت فيه ساحة لمنافسة القوى العظمى.
ملفات رئيسية
تتمثل ملامح تناول القانون لقضايا منطقة الشرق الأوسط فيما يلي:
1- استمرار المساعدات العسكرية للحلفاء: تضمن القانون مخصصات مالية للمساعدات العسكرية السنوية لحلفاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الوسط، بالقيمة نفسها التي كانت عليها لعقود، وهو ما برره وزير الخارجية الأمريكي انطوني بلينكن بأن هذا التمويل ضروري لمكافحة الإرهاب وتعزيز أمن الحدود وبرامج منع الانتشار النووي التي تُعد من مصالح واشنطن في منطقة الشرق الأوسط. وعادة ما يتم الإفراج عن تلك المبالغ بعد خطاب وزير الخارجية إلى الكونجرس.
2- الاهتمام بتعزيز الأمن في الأردن ولبنان: يخصص القانون مساعدات اقتصادية وعسكرية للأردن، منها ٨٤٥ مليون دولار لدعم ميزانية الحكومة الأردنية، وما يقدر بحوالي ٤٢٥ مليون دولار ضمن برنامج التمويل العسكري الأجنبي، و٥٠٠ مليون دولار من الأموال المخصصة لوكالة التعاون الأمني الدفاعي لتقديم المساعدة للحكومة الأردنية لدعم القوات المسلحة وتعزيز الأمن على طول الحدود.
كما تحصل لبنان بموجب برنامج التمويل العسكري الأجنبي بالقانون على مساعدات من شأنها إضفاء الطابع المهني على الجيش اللبناني والقوات الأمنية لمواجهة التهديدات الداخلية والخارجية، ولا سيما تلك التي يُمثلها حزب الله، وتعزيز قدرات لبنان على حماية الحدود، ومكافحة الإرهاب، من خلال تدريب وتجهيز الجيش اللبناني لتأمين حدود الدولة، وتلبية متطلبات الأمن والاستقرار في المناطق المتضررة من النزاع السوري، ومنع تهريب الأسلحة واستخدام الأراضي اللبنانية كملاذ آمن للتنظيمات الإرهابية، وتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم ١٧٠١. ويطلب القانون من وزير الخارجية الأمريكي تقديم خطة إنفاق للجان الاعتمادات بالكونجرس تتضمن الإجراءات التي يتعين اتخاذها لضمان عدم استخدام المعدات المقدمة إلى القوات المسلحة اللبنانية إلا للأغراض المخصصة لها. ويُمنع التمويل الأمريكي بموجب القانون لقوات الأمن الداخلي والجيش اللبناني إذا كانت تُسيطر على أي منهما منظمة تصنفها الولايات المتحدة “منظمة إرهابية أجنبية”.
3- ربط المساعدات لسوريا بشروط محددة: يوفر القانون مساعدات لسوريا تُساهم، وفقاً للرؤية الأمريكية، في تحقيق الاستقرار في البلاد، بما في ذلك الاستجابة الطبية للأزمات الطارئة، والتحقيقات في الأسلحة الكيميائية لدى النظام السوري. ولكنه يفرض جملة من الشروط على تلك المساعدات، ومنها عدم إتاحتها لمشروع أو نشاط يدعم أو يُضفي الشرعية على المنظمات الإرهابية الأجنبية أو وكلاء إيران في سوريا، وكذلك الأنشطة التي من شأنها تعزيز الأهداف الاستراتيجية للحكومة الروسية، والتي يُقرر وزير الخارجية الأمريكي أنها قد تُهدد أو تُقوض مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، وعدم استخدامها في المناطق السورية التي يُسيطر عليها النظام السوري أو القوات المرتبطة به. كما ينص على عدم استخدام أي من المخصصات المالية المتاحة بموجب هذا القانون في سوريا بما يتعارض مع قرار سلطات الحرب والتي من شأنها انخراط القوات الأمريكية في الأعمال العدائية بسوريا.
4- مراقبة تأثير العقوبات على إيران: في إطار تشكيك عدد من المشرعين الأمريكيين في فاعلية العقوبات الأمريكية على إيران في تقويض مساعيها لامتلاك برنامج نووي، والدعم المالي لوكلائها في الشرق الأوسط؛ ينص القانون على أن يقدم وزير الخارجية الأمريكي، بالتشاور مع وزير الخزانة، تقرير لجنة الاعتمادات خلال ١٨٠ يوماً من تمريره، عن وضع العقوبات الأمريكية على إيران، وإعادة فرض العقوبات الثانوية وتجديد فرضها، وتأثير هذه العقوبات على أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
5- دعم العملية السياسية في دول الأزمات: في إطار تركيز الإدارة الأمريكية على قضية الديمقراطية، وممارسة ضغوط على الدول التي تتعثر في الانتقال الديمقراطي؛ نصّ القانون على تقديم المساعدات لتونس والتي من شأنها تحسين النمو الاقتصادي، ودعم الحكم الديمقراطي والمجتمع المدني، والحفاظ على الاستقرار والأمن الإقليميين.
وينص القانون على تقديم وزير الخارجية الأمريكي، في غضون ٩٠ يوماً من تاريخ سن هذا القانون، تقريراً إلى لجان الاعتمادات عن مدى تنفيذ الحكومة التونسية إصلاحات اقتصادية، ومكافحة الفساد، واتخاذ خطوات لاستعادة النظام الدستوري والحكم الديمقراطي، وأن الحكومة التونسية تحافظ على استقلالية القضاء، وتحاسب قوات الأمن التي ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان، وما إذا كان الجيش التونسي مؤسسة غير سياسية ومهنية.
وقد نصّ القانون أيضاً على تقديم المساعدات التي من شأنها تحقيق الاستقرار في ليبيا، بما في ذلك دعم العملية السياسية التي تقودها منظمة الأمم المتحدة، وأمن الحدود. وكذلك دعم الانتقال الديمقراطي في السودان الذي يقوده المدنيون. ويحظر القانون تقديم المساعدات لحكومة السودان المركزية، باستثناء دعم تنفيذ القضايا العالقة باتفاق السلام الشامل، أو أي اتفاق سلام آخر قابل للتطبيق في الخرطوم.
6- حظر تقديم اعتمادات مالية لـ”طالبان”: يحظر القانون تقديم أي من الاعتمادات المالية لوزارة الخارجية الأمريكية، أو العمليات الأجنبية، والبرامج ذات الصلة والمتاحة للمساعدة في أفغانستان والتي من شأنها توفير الدعم المباشر لحركة “طالبان” التي سيطرت على مقاليد الحكم في البلاد قبل إتمام إدارة الرئيس جو بايدن عملية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في ٣١ أغسطس ٢٠٢١، ونسفت المكاسب التي حققتها الولايات المتحدة خلال عقدين في أفغانستان، ولا سيما حقوق الأفغانيات.
ولذلك، يطلب القانون، في موعد لا يتجاوز ٤٥ يوماً من تاريخ سن هذا القانون، أن يقدم وزير الخارجية ومدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تقريراً إلى لجان الكونجرس يوضح تفاصيل الخطط الأمريكية لحماية وتعزيز حقوق النساء والفتيات الأفغانيات، ودعم نشطاء المجتمع المدني الأفغاني والصحفيين ووسائل الإعلام المستقلة، وكذلك دعم الصحة والتعليم، بما في ذلك التعليم المجتمعي، ودعم برامج التعليم العالي، وغيرها من البرامج لتلبية الاحتياجات الأساسية للشعب الأفغاني.
7- فرض قيود على المبيعات الدفاعية لتركيا: يمنع القانون استخدام أي من الأموال المتاحة بموجبه لتسهيل أو دعم بيع مواد الدفاع أو خدمات الدفاع إلى إدارة الحماية الرئاسية التركية بعد الحكم قضائياً داخل الولايات المتحدة على عدد من عناصرها لضرب متظاهرين خارج مقر السفارة التركية في واشنطن خلال زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان للولايات المتحدة في مايو ٢٠١٧، ولكن هذا القيد لا ينطبق على استخدام الأموال بموجب هذا القانون لأغراض أمن الحدود، أو لحلف شمال الأطلسي أو لعمليات التحالف، أو لتعزيز حماية المسئولين الأمريكيين والمنشآت الأمريكية في تركيا.
تعهدات تقليدية
تضمن قانون الإنفاق الحكومي للولايات المتحدة للسنة المالية ٢٠٢٣ تعهدات أمريكية تقليدية تجاه الشرق الأوسط. ويأتي ذلك متسقاً مع التوجهات التي أعلنتها الإدارة الأمريكية في استراتيجيتها للأمن القومي الأمريكي واستراتيجية الدفاع الوطني اللتين صدرتا في أكتوبر الماضي، وتحول الأولويات الأمريكية بعيداً عن المنطقة، على الرغم من أنها أضحت ساحة رئيسية للتنافس -ضمن مناطق أخرى- بين الولايات المتحدة من جانب وروسيا والصين من جانب آخر، وهو الأمر الذي يتطلب من الإدارة الأمريكية مزيداً من الاهتمام بالمنطقة وقضاياها للحفاظ على الدور المركزي لواشنطن كفاعل مؤثر في أمنها واستقرارها.