تعزيز الشراكة:
كيف تستفيد تركيا من التعاون مع روسيا في مجالات الطاقة؟

تعزيز الشراكة:

كيف تستفيد تركيا من التعاون مع روسيا في مجالات الطاقة؟



ارتفعت واردات تركيا من النفط الروسي خلال الفترة الأخيرة لتصل إلى الضعف، ناهيك عن تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات متنوعة، في الصدارة منها قطاع الطاقة. وكشفت بيانات رفينيتيف (مزود عالمي لبيانات السوق المالية والبنية التحتية) أن أنقرة زادت من وارداتها النفطية من روسيا، بما في ذلك خامي الأورال وسيبيريا الخفيف، بما يتجاوز 200 ألف برميل يومياً منذ بداية العام 2022. وشهدت العلاقات الروسية التركية تعاوناً لافتاً في قطاع الطاقة، كشف عنه السماح لتركيا بالدفع بالروبل لجانب من وارداتها النفطية من موسكو، فضلاً عن قيام شركة روستوم الروسية ببناء أول محطة للطاقة النووية في تركيا.

تُعوِّل تركيا -فيما يبدو- على روسيا لتلبية احتياجاتها من مصادر الطاقة والمشتقات النفطية، وضاعفت تركيا مؤخراً من وارداتها النفطية من موسكو، حيث أظهرت بيانات رفينيتيف أن أنقرة زادت وارداتها من النفط الروسي، بما في ذلك خاما الأورال وسيبيريا الخفيف، بما يتجاوز 200 ألف برميل يومياً منذ بداية العام الجاري، مقابل 98 ألف برميل فقط في الفترة نفسها من العام 2021. وتضع أنقرة في حسبانها حالياً موافقة روسيا على تزويدها بالمنتجات النفطية عبر تسهيلات ائتمانية جنباً إلى جنب مع موافقة فلاديمير بوتين عشية لقائه نظيره التركي في سوتشي، في 5 أغسطس الجاري، على بيع جزء من الغاز الروسي لتركيا بالروبل.

تعاون مستمر

في تحول لافت، بات قطاع الطاقة، وفق مؤشرات عديدة، أحد مجالات التعاون ذات الأهمية المشتركة بين الجانبين التركي والروسي في الآونة الأخيرة، ويتمثل أول هذه المؤشرات في انفتاح الشركات الروسية على الاستثمار في محطات الطاقة التركية. وفي يناير 2020، دخل مشروع خط السيل التركي الخدمة، وهو عبارة عن أنبوبين لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى كل من تركيا وأوروبا مروراً بالبحر الأسود، ويغذي الأنبوب الأول تركيا، والثاني دول شرقي وجنوبي أوروبا.​​​​​​​ أما ثانيها فينصرف إلى رفض تركيا الانخراط في العقوبات الغربية على قطاع الطاقة الروسي على خلفية الأزمة الأوكرانية، كما أبقت أبوابها مفتوحة أمام الشركات الروسية، وسمحت للمواطنين الروس ورجال الأعمال الوافدين إليها بضخ أموالهم في قطاعها المالي والبنكي. علاوة على ذلك، فإنّ تركيا ما زالت مشترياً مهماً للغاز الروسي، إذ تستورد ما يقرب من نصف احتياجاتها من الغاز من موسكو. فيما يتصل ثالثها برفض موسكو للعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على تركيا بسبب أعمال التنقيب التي تنفذها في شرق المتوسط.

مجالات متعددة

ساهمت الأزمة الأوكرانية، والعقوبات الغربية على موسكو من جهة، وافتقار تركيا لمصادر الطاقة، في رفع مستوى التعاون بين أنقرة وموسكو في مجالات الطاقة من جهة أخرى. وشهد هذا التعاون تطوراً لافتاً خلال الفترة الماضية، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:

1- الحصول التركي على النفط الروسي الخام: مع تضييق الدول الغربية الخناق على موسكو، وجد النفط الروسي في تركيا منفذاً للتوسع في المبيعات التي عُرِضَت بأسعار مخفضة، مقارنة بصادرات الطاقة من الدول الأخرى، حيث تقدّم روسيا خصماً بنسبة 20% على مشتريات النفط الروسي، أقلّ من الأسعار القياسية العالمية. وفي هذا السياق فإنَّ منشأتي التكرير الرئيسيتين في تركيا، وهما مصفاة “توبراش”، ومصفاة “ستار” التابعة لشركة “سوكار” النفطية الأذربيجانية، زادتا بشكل كبير من واردات النفط الروسي من خامي الأورال وسيبيريا الخفيف هذا العام، بينما قلصتا مشترياتهما من بحر الشمال والعراق وغرب أفريقيا.

وتحرص تركيا على شراء النفط الروسي، وتعزيز التعاون في مجال الطاقة مع روسيا، من دون الأخذ في الاعتبار الضغوط الغربية عليها. وهنا، يمكن فهم تحذير وزارة الخزانة الأمريكية، في أغسطس الجاري، من مساعي كيانات وأفراد من روسيا يحاولون استخدام تركيا في تخطي العقوبات الغربية المفروضة على موسكو بسبب الأزمة الأوكرانية. وفي هذا السياق، يمكن فهم تصريحات وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، الذي أكد على هامش مؤتمر “سيراويك للطاقة”، في مارس الماضي، أن بلاده ستواصل شراء النفط الروسي. وأضاف أن تركيا تعتمد على روسيا في تلبية نحو 45% من طلبها على الغاز الطبيعي، و17% من النفط مقابل 40% من البنزين.

2- الدفع بالعملات المحلية في المبادلات التجارية بين موسكو وأنقرة: حملت الأزمة الأوكرانية ارتدادات سلبية على الدول المستوردة لمنتجات الطاقة، وبخاصة تركيا التي تعاني افتقاراً شديداً في مصادر الطاقة جنباً إلى جنب مع تراجع احتياطاتها الدولارية. لكن عدم اصطفاف تركيا مع الغرب بشأن العقوبات المفروضة على موسكو، سمح للأخيرة بالموافقة على التوسع في استخدام العملات المحلية في المبادلات التجارية، حيث وافق الرئيس الروسي عشية لقائه نظيره التركي، في 5 أغسطس الجاري، على تحويل جزء من مدفوعات الغاز الروسي إلى تركيا بالروبل.

ويساعد تحويل قيمة الواردات التركية من مشتقات الطاقة الروسية بالروبل على حماية احتياطيات أنقرة المتناقصة من العملة الصعبة. ويشار إلى أن إجمالي احتياطيات تركيا من العملات الأجنبية قد انخفض إلى أقل من 59 مليار دولار في الأول من شهر يوليو الماضي مقارنة بنحو 97 مليار دولار قبل نحو 5 سنوات، وذلك بسبب إنفاق الحكومة التركية مليارات الدولارات في إطار محاولتها دعم الليرة التي تدهورت قيمتها، وخسرت نحو 40 في المائة من قيمتها أمام الدولار.

3- الاستفادة التركية من الخبرة الروسية في بناء محطات طاقة نووية: تسعى تركيا إلى تعزيز الاستفادة من الخبرات الروسية في قطاع الطاقة النووية، لتنويع مصادرها من الطاقة، وتغطية كافة احتياجاتها. وفي هذا السياق، وضع الرئيس بوتين ونظيره التركي في العام 2018 حجر الأساس لبناء محطة “أكويو النووية” في منطقة مرسين على ساحل البحر المتوسط، وتصل تكلفتها إلى نحو 20 مليار دولار بتمويل روسي. وتقوم مجموعة “روساتوم” النووية الروسية ببناء محطة “أكويو” للطاقة النووية السلمية، بما يُعزز أمن الطاقة في تركيا، ويدعم اقتصادها. ويشار إلى أن شركة “روساتوم” الروسية حوّلت في 22 يوليو الماضي، ما قيمته 5 مليارات دولار في إطار خطتها لاستكمال بناء محطة “”أكويو”، ​في خطوة تبدد المخاوف بشأن إمكانية تأجيل المشروع بسبب العقوبات المفروضة على موسكو.

منافع متبادلة

وفي ضوء ذلك، يمكن القول إن تصاعد اهتمام تركيا بتطوير مستوى العلاقات مع موسكو في مجال الطاقة، يكتسب أهمية خاصة من جانبها، حيث تسعى تركيا إلى مضاعفة وتوسيع نطاق وارداتها من مشتقات الطاقة الروسية لتلبية وسد احتياجاتها من مصادر الطاقة، فضلاً عن أن السماح لها بدفع فاتورة وارداتها النفطية بالروبل يوفر بيئة مواتية للتحايل على النقص الحادث في احتياطاتها النقدية، فيما تبحث روسيا عن شركاء إقليميين موثوق بهم على المدى الطويل تحسباً لإطالة أمد الأزمة الأوكرانية، ناهيك عن رغبة موسكو في توظيف قطاع الطاقة في بناء تحالفات إقليمية ودولية تمكنها من استيعاب الضغوط الغربية عليها.