انخراط اضطراري:
كيف تتعامل كينيا مع أزمات دول الجوار؟

انخراط اضطراري:

كيف تتعامل كينيا مع أزمات دول الجوار؟



تترقب قوى إقليمية ودولية عديدة توجهات الرئيس الكيني الجديد ويليام روتو تجاه منطقة القرن الأفريقي، لا سيما وأن كينيا تعد من الدول الأكثر استقراراً في المنطقة، ولها ثقلها ووزنها السياسي والاقتصادي. ويبدو أن الرئيس الجديد يدرك هذه المكانة، على نحو يطرح تساؤلات عديدة بشأن حدود التحول في السياسة الكينية تجاه أزمات منطقة القرن الأفريقي في عهده.

اقترح الرئيس الكيني الجديد ويليام روتو، في 2 يناير الجاري، على رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، عقد قمة الهيئة الحكومية للتنمية (إيجاد) لمناقشة القضايا التي تهم الدول الأعضاء ومواجهة التحديات الماثلة، وهو ما يأتي في سياق الخطة الإقليمية التي كشف عنها الرئيس الكيني في الأسبوع الأول من يناير الجاري، وقال بشأنها: “إننا نحشد المنطقة وكذلك الدعم الدولي لمبادرات السلام الإقليمية الخاصة بنا للتأكد من استقرار منطقتنا حتى نتمكن من دفع اقتصادنا”.

توجّهات جديدة

وصل الرئيس ويليام روتو إلى السلطة، في سبتمبر من العام الماضي، وسط ترقب إقليمي لتوجهات سياسته الخارجية تجاه دول القرن الأفريقي، حيث يكشف تحليل مضمون خطابه عن اهتمام متزايد بتعزيز الدور الإقليمي لكينيا في المنطقة، عبر الاعتماد على آليات عديدة من أبرزها:

1- تهدئة الخلافات مع الصومال: أكد الرئيس روتو أنه مستعد للعمل مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود من أجل مواجهة التحديات المشتركة، وقام وزير الدفاع الكيني آدم بري دعالي بزيارة العاصمة الصومالية مقديشيو، في 28 ديسمبر الفائت، لدعم الصومال ضد حركة “شباب المجاهدين” الإرهابية. وقال دعالي، في تصريحات إعلامية عقب وصوله إلى مطار مقديشيو الدولي، أن حكومة بلاده تقف إلى جانب الصومال في الحرب على الإرهاب، وأوضح أن جهود الحرب التي يقودها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود “ليست لصالح الصومال فقط، بل لصالح المنطقة عموماً”، ومضى قائلاً: “إن الرئيس روتو وحلفاء نيروبي يدعمون بقوة خطط الرئيس حسن شيخ محمود للقضاء على الإرهابيين، وإرساء السلام، وفرض الاستقرار في ربوع البلاد”.

2- إعادة دمج إريتريا في الإطار الإقليمي: قام الرئيس روتو بزيارة أسمرة، في 10 ديسمبر الفائت، حيث التقى الرئيس أسياس أفورقي، وكانت هذه أول إشارة إلى نية كينيا إعادة دمج إريتريا في الإطار الإقليمي. وقد أكدت بعض التقارير أن طموحات روتو في رئاسة “الإيجاد” تحمل شقين: قيادة نشطة محسوسة في المنطقة وإعادة ضم إريتريا، خاصة أن الأخيرة لا تزال تقاطع الاجتماعات احتجاجاً على التحيز المتصور ضدها.

3- تعزيز التقارب مع الدول الغربية: لا سيما مع الولايات المتحدة، فبعد زيارته إلى أسمرة، اتجه الرئيس روتو إلى واشنطن لحضور القمة الأمريكية-الأفريقية (13-14 ديسمبر الفائت)، حيث دعا الولايات المتحدة إلى “صيغة مربحة للطرفين مع أفريقيا”. ويرصد مراقبون توجهاً للرئيس الكيني الجديد للتقارب مع الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى، فيما شهد عهد الرئيس السابق أوهورو كينياتا توجهاً إلى توطيد العلاقات مع الصين، وتم العمل على مشاريع بنية تحتية ضخمة أنشأتها ومولتها الأخيرة، فارتفعت ديون كينيا بأكثر من خمسة أضعاف منذ تولي كينياتا منصبه في 2013 مع تحول إدارته المتزايد إلى القروض لتمويل أجندة توسيع البنية التحتية.

لكن يبدو أن روتو يتبنى توجهات مختلفة نحو تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، وهو ما يوفر فرصة ودعماً لسياسته الخارجية قي القرن الأفريقي. وقد أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أثناء لقائه بالأول، خلال القمة الأمريكية-الأفريقية، على الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لشراكتها الاستراتيجية مع كينيا، كما شدد بلينكن على العلاقات التجارية القوية بين البلدين، وأقر بقيادة كينيا في معالجة التحديات الأمنية الإقليمية الحرجة في شمال إثيوبيا وشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان والصومال.

4- توسيع نطاق التنسيق مع دول المنطقة: أجرى الرئيس روتو، في أول 100 يوم من توليه منصبه، محادثات مع رؤساء وقادة عدة بالمنطقة. ففي 6 أكتوبر الماضي، قام بزيارة إثيوبيا، وتضمنت الزيارة محادثات ثنائية بينه وبين رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وبعد يوم من عودته من إثيوبيا، توجه إلى دار السلام في تنزانيا حيث أجرى محادثات ثنائية مع الرئيسة سامية سولوهو، وكان يبحث عن طرق لتوسيع فرص الأعمال وزيادة حجم التجارة مع تنزانيا. كما زار الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان وإريتريا.

عقبات متعددة

تواجه جهود الرئيس روتو لتعزيز الدور الإقليمي لكينيا في منطقة القرن الأفريقي تحديات داخلية وإقليمية عديدة، تتمثل في:

1- التوصل إلى تفاهمات حول الصراع البحري مع الصومال: ولا سيما بعد رفض كينيا قرار محكمة العدل الدولية المؤيد لموقف الصومال، حيث يحتاج الرئيس الكيني إلى التعامل بحذر شديد تجاه هذا النزاع، ويتعين عليه إيجاد صيغة عمل تفيد كلاً من كينيا والصومال ونزع فتيل أي توترات تنجم عنه. وقد أثنى الرئيس الكيني على الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، واعتبره “أكثر تقدمية والتزاماً بمحاربة حركة الشباب”.

لذلك، يرى مراقبون أنه ينبغي أن تستمر كينيا في ممارسة دور قيادي في تعزيز التنمية السياسية في الصومال، وأن تقدم الدعم الكامل للنظام الحالي للرئيس حسن شيخ محمود، ليس فقط على المستوى الأمني، ولكن أيضاً على الصعيد الاقتصادي، وأنه يجب على حكومة روتو إعادة النظر في دعم مساعي الصومال للانضمام إلى مجموعة شرق أفريقيا.

2- تطبيق اتفاقية السلام في جنوب السودان: يواجه الرئيس روتو تحدي انتهاج سياسة حازمة تجاه قادة جنوب السودان من أجل تعزيز فرص تطبيق اتفاقية السلام، وخاصة بعد مد الفترة الانتقالية لعامين وتأجيل الانتخابات حتى عام 2024، في الوقت الذي يشير فيه بعض المراقبين إلى تراجع النفوذ والدور الكيني في جنوب السودان لصالح قوى إقليمية أخرى.

وفي هذا السياق، دعا الرئيس روتو، في 24 أكتوبر الماضي، المجتمع الدولي إلى التدخل في الصراع الجديد الجاري في جنوب السودان، وطالب رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت بوقف تصعيد الصراع في ولايتي أعالي النيل وجونقلي.

3- دعم الاستقرار السياسي في السودان: يكتسب تحقيق الاستقرار في السودان أهمية اقتصادية لكينيا. وقد حملت زيارة نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى نيروبي في 10 يناير الجاري، أبعاداً اقتصادية عديدة، انعكست في تصريحات الرئيس روتو التي قال فيها: “السودان سوق كبير لكينيا، خاصة للشاي والقهوة، كما أنه يمثل أهمية كبيرة للبنوك الكينية”.

ويتطلع السودان إلى استقطاب دعم كينيا لاستعادة عضويته داخل الاتحاد الأفريقي. وقال الرئيس روتو إن كينيا ملتزمة بالدعم الكامل لاتفاقية الإطار السياسي الموقعة في 5 ديسمبر الفائت بين مجلس السيادة الانتقالي والفاعلين السياسيين المدنيين في السودان، وقال إن “هذه الخطوة تؤكد من جديد الالتزام القوي بمستقبل سلمي لبلدهم”.

4- استمرار تداعيات الحرب في إثيوبيا: تعتبر كل من إثيوبيا وكينيا من أكبر الاقتصادات في المنطقة. غير أن إثيوبيا لا تزال تواجه تحديات تنفيذ اتفاق السلام مع جبهة تيجراي، ولا تزال تعاني أيضاً من صراعات عنيفة مختلفة في مناطقها الغربية، ولذلك فإن انشغالها بشئونها الداخلية يزيد من حدة الضغوط الخارجية التي تتعرض لها كينيا، باعتبار أنها تمارس دوراً أمنياً وسياسياً أكبر في المنطقة.

5- مواجهة التحديات الاقتصادية الداخلية: تشمل هذه المشكلات، وفقاً للخطة الثالثة متوسطة الأجل في كينيا (2018-2022)، انخفاض نمو التصنيع والصادرات، واستمرار عجز التجارة وميزان المدفوعات، وانخفاض مستويات الاستثمار، وارتفاع معدلات البطالة. وقد أشار البنك الدولي إلى بعض المشكلات الأخرى مثل المستويات العالية من الفقر وعدم المساواة، وضعف استثمار القطاع الخاص، وقابلية التعرض للصدمات الداخلية والخارجية.

وعلى ضوء ذلك، تهدف رؤية “كينيا 2030” إلى تحويل البلاد إلى دولة صناعية متوسطة الدخل توفر نوعية حياة عالية للجميع. فيما يتزايد الجدل والتوتر في الشارع الكيني والأوساط السياسية حول قرارات أصدرها الرئيس روتو برفع الدعم عن الكهرباء منذ بداية العام، بعد رفع الدعم عن أسعار المحروقات، في سبتمبر الماضي، مما تسبَّب في ارتفاع كبير بأسعار السلع، ولا سيما أسعار الغذاء، علاوة على تصاعد موجة من الغضب حيال تصريحات بإلغاء برنامج لدعم طلاب الجامعات. وقد هدّد زعيم الأقلية في الجمعية الوطنية الكينية أوبيو واندي، بالدعوة إلى احتجاجات على مستوى البلاد إذا لم يقم روتو باستعادة مجلس قروض التعليم العالي.

ضغوط مباشرة

في المجمل، يمكن القول إن تعزيز الاستقرار في الداخل يمكن أن يساعد الرئيس روتو على معالجة التحديات الأمنية والإقليمية التي تتعرض لها بلاده، وهى تحديات تكتسب، على ما يبدو، أولوية خاصة لدى الرئيس الكيني الجديد، باعتبار أنها تفرض تداعيات مباشرة على الداخل الكيني، وهو ما سوف يدفعه إلى مواصلة الاهتمام بالمشاركة في جهود تسوية الأزمات والانخراط في محاولات تنفيذ اتفاقيات السلام في منطقة القرن الأفريقي.