كشف القائم بأعمال السفارة الصينية لدى اليمن شاو تشنغ عن ملامح الموقف الصيني تجاه حل الأزمة اليمنية، في حوار مع صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية، في 21 يونيو الجاري. ويمكن القول إن تصريحات تشنغ تكشف أن الصين لا تمتلك رؤية سياسية خاصة بالملف اليمني، بقدر ما تتبنى تصوراً يقوم على أن الحل الإقليمي في ظل التقارب السعودي-الإيراني يمكن أن يساهم في تسوية الأزمة اليمنية، بالإضافة إلى رغبتها في الوصول إلى تسوية تساهم في استقرار اليمن، وتحقق مصالح كافة الأطراف بما فيها الصين التي تسعى إلى المشاركة في عملية إعادة الإعمار باليمن.
ولا ينفصل ذلك من دون شك عن المحددات الواضحة لدى الصين في عملية التسوية، ومنها أن الحوار السياسي هو مفتاح الحل لطي صفحة الحرب، مما يعني ضرورة تخلي المليشيا الحوثية عن السلاح، بالإضافة إلى الحفاظ على تماسك اليمن ووحدة أراضيه، ودعم مجلس القيادة الرئاسي باعتباره السلطة الشرعية في اليمن، على أن تساهم كافة الأطراف السياسية في التوصل إلى الحل السياسي.
في هذا السياق، من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الصين لم تُشر إلى أنها تسعى إلى الوساطة في الملف اليمني، لكنها راهنت على أن التقارب السعودي-الإيراني سيساهم في حل الأزمة اليمنية، بالإضافة إلى الملفات العالقة في باقي الأزمات سواء على المستوى الثنائي ما بين الرياض وطهران، أو على المستوى الإقليمي.
وكقوة دولية وباعتبارها عضواً في الأمم المتحدة، فإن الصين لديها موقف واضح من الأزمة، وهو ما انعكس في المحددات المشار إليها سلفاً، لكن التساؤل الذي يمكن طرحه في هذا السياق مفاده: هل من المتصور أن عدم انخراط الصين بشكل تفصيلي في الملف اليمني يضعف من مستوى التوقعات بشأن مقاربة التسوية المرتقبة؟
متغيرات رئيسية
في هذا السياق، يمكن الإشارة إلى عدد من النقاط الرئيسية حول الموقف الصيني تجاه عملية التسوية، ومنها على سبيل المثال:
1- تعادل فرص وقيود التسوية: في حواره المشار إليه سلفاً، قال السفير الصيني أن اليمن يتمتع بفرص ويواجه تحديات في الوقت نفسه، فهناك ثلاث فرص هي: الأولى، أنه بعد حرب استمرت ثماني سنوات أصبحت تطلعات الشعب اليمني للسلام أكبر فأكبر. وثانياً، أن العلاقات بين دول المنطقة شهدت تحسناً، حيث نجحت الصين في التوسط بين السعودية وإيران لإجراء مباحثات في بكين والتوصل لاتفاق لتطبيع العلاقات. وثالثاً، أن المفاوضات بين السعودية والحوثيين حققت بعض النتائج في بعض المجالات، ونطمح في أن يأتي هذا التفاوض بمزيد من الفوائد والتقدم لكي يرسي أساساً متيناً للسلام في المستقبل.
وبالقدر ذاته، أشار تشنغ إلى ثلاثة تحديات: الأول، أن الثقة لا تزال مفقودة بين الأطراف اليمنية بعد ثماني سنوات من الحرب، وتحتاج إلى مزيد من الوقت لاستعادتها. وثانياً، أن عملية تحسن العلاقات بين دول المنطقة لا تزال في بدايتها وما زالت هشة. وثالثاً، أن الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في اليمن متفاقمة ولا يمكننا حلها بين ليلة وضحاها.
2- نقطة البدء للتسوية السياسية: في ظلّ هذا التعادل بين الفرص والقيود، يصعب الحديث عن إمكانية حدوث اختراق في الملف. ومع ذلك، يمكن تصور أن بداية المخرج من هذا المأزق هو تخلي الحوثيين عن الخيار العسكري والعودة إلى الطاولة –بحسب تشنغ- وهي نقطة مهمة، حيث تعكس أن الحركة الحوثية لا تزال تراهن على الخيار العسكري، وهو تصور صيني واقعي بالنظر لمؤشرات الواقع الميداني.
إذ إن الحركة الحوثية لا تزال تصعد عسكرياً على الجبهة الداخلية سعياً منها للتمدد على حساب الشرعية، وهو اتجاه لا ينسجم مع التوجه نحو التسوية بل الاستمرار في العمل على فرض معادلة القوة التي تعتبرها المدخل لفرض التسوية التي تريدها في المستقبل وفقاً لمشروعها وتوجهها.
كما تعني هذه الدعوة من الصين للحوثيين بالتخلي عن السلاح والتوجه للطاولة أنها الطرف المعرقل لعملية التسوية، في الوقت الذي تعمل فيه سلطنة عمان والسعودية على التوجه لهذا المسار وفق المنظور الصيني.
3- نهج دولي مختلف تجاه الأزمة: من المتصور أن هناك قواسم مشتركة بين الصين وغيرها من القوى الدولية، ولا سيما أعضاء مجلس الأمن، نحو تسوية الأزمة اليمنية من حيث التأكيد على مرجعيات الحل السياسي للأزمة، خاصةً في ظل تأكيد السفير الصيني على دعم الشرعية المتمثلة في مجلس القيادة الرئاسي، بالإضافة إلى التأكيد على ضرورة اعتماد الخيار السياسي كمخرج من الأزمة وليس الخيار العسكري.
لكن -في الوقت ذاته- يمكن القول إن بكين تتعامل مع الأزمة الإنسانية في اليمن باعتبارها عَرَضاً للمشكلة، وأن مدخل التسوية الحقيقية هو الحوار الذي يقود إلى الاستقرار السياسي لليمن، في حين أن معظم أنظار القوى الدولية المنخرطة في الملف تتجه إلى أبعاد ونهج مختلفين. فعلى سبيل المثال، تُشكك الولايات المتحدة في أن التقارب الإيراني-السعودي سيكون له انعكاساته على الأزمة اليمنية، نظراً لعدم ضمان السياسة الإيرانية، وأن التغيير سيكون تكتيكياً وليس استراتيجياً.
كذلك، لا يبدو أن بكين تسعى إلى منافسة واشنطن في التحرك في هذا الملف، وإلا لكانت الأولى قد تحركت في الملف كوسيط، بينما هي تسعى إلى الوساطة على مستوى الحل الإقليمي، على أن يطور الحل الإقليمي الوساطة للتسوية، بالتوازي مع الرهان على العلاقات الثنائية ما بين الرياض والحوثيين في الوقت ذاته، وذلك على عكس واشنطن التي يبدو من مقاربتها للملف أنها تنظر إلى الصين ليس كمنافس فقط في اليمن، ولكن في الشأن الإقليمي بشكل عام.
وفي هذا السياق، من الأهمية بمكان العودة إلى طرح الصين مقاربة لحل الأزمات الإقليمية خلال زيارة وزير الخارجية الصيني السابق وانغ يي إلى المنطقة، في الفترة من 24 إلى 30 مارس 2021، والتي شملت 6 دول، هي: السعودية، وتركيا، وإيران، والإمارات، وعُمان، والبحرين، والتي اقترح خلالها استضافة حوار أمني خليجي متعدد الأطراف يركز في البداية على تأمين المنشآت النفطية والممرات الملاحية، كما طرح مبادرة الـ5 نقاط بشأن تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، ومفادها: “الدعوة إلى الاحترام المتبادل، والالتزام بالعدالة والإنصاف، وتحقيق عدم انتشار الأسلحة النووية، والعمل معاً على تحقيق الأمن الجماعي، وتسريع وتيرة التنمية والتعاون”.
ومع ذلك، لا يُمكن التقليل من أهمية المنطقة بالنسبة للصين، وهو ما تتحسب له الولايات المتحدة، فبالإضافة إلى ما أشار إليه تشنغ من أهمية اليمن كصديق وشريك تجاري (30 ألف يمني في الصين معظمهم من التجار، و3 مليارات دولار حجم التبادل التجاري)؛ فإن اليمن يمثل من جانب آخر حجر زاوية في المنظور الجيوسياسي لمشروع الصين (الحزام والطريق) في المنطقة، وبالتالي تتزايد أهميته بالنسبة للصين من البعد الاقتصادي، في حين أن البعد الأمني يشكل الأولوية لدى الولايات المتحدة، حيث تنشط القيادة الوسطى في تقويض الدعم العسكري الإيراني للحوثيين، ومن ثم لا يُعتقد أن هناك تعارضاً في الأهداف بقدر ما يعتقد أن هناك توجهات ونهجاً سياسياً مختلفاً ما بين الطرفين بالنظر إلى معادلة وضع الصين والولايات المتحدة في النظام الدولي وتحولاته.
تعزيز المسار
على ما يبدو، فإن الصين لا تزال تعوّل على استمرار التقارب الإقليمي بين السعودية وإيران لإنضاج عملية التسوية المرتقبة في اليمن، والتي يمكن أن تشكل خطوة في اتجاه طاولة التفاوض بين كافة الأطراف اليمنية. ومع ذلك، لا يتوقع أن يحدث التقارب بالشكل المستهدف، وهو ما لفت إليه تشنغ في تصوره للتحديات “التقارب الهش”، الأمر الذي يفرض على الصين زيادة دفع هذا المسار، وعدم الاكتفاء بدور المراقب.
العامل الآخر هو أن عدم الانخراط في التفاصيل الخاصة بالمشهد اليمني يشكل متغيراً إيجابياً في عدم التقاطع مع أدوار القوى الإقليمية والدولية الأخرى التي تسعى إلى ترتيب المشهد اليمني من جهة، حيث لم يشر تشنغ-على سبيل المثال-إلى موقف الصين من الملف الجنوبي، لكنه قد يشكل ثغرة في الوقت ذاته من جهة أخرى تعكس قصور المنظور الصيني تجاه الملف وتعقيداته، فالملف أوسع من مجرد أزمة الانقلاب الحوثي على الشرعية، بالإضافة إلى الحاجة لتنسيق صيني-أمريكي في هذا الملف، وهو أمر ممكن عبر مجلس الأمن.