سيطرت على جلسات الاجتماع السنوي الرابع والخمسين للمنتدى الاقتصادي العالمي، الذي يعقد في الفترة من ١٥ إلى ١٩ يناير الجاري في دافوس بسويسرا، التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط راهناً، بداية من استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة والتي دخلت شهرها الرابع، مروراً بالمناوشات العسكرية بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله اللبناني، وصولاً إلى تهديدات مليشيا الحوثيين للملاحة الدولية، مما دفع الولايات المتحدة وبريطانيا إلى توجيه ضربات عسكرية لردعها عن مواصلة تهديداتها العسكرية للسفن التجارية. وربما تنذر تلك التطورات بحرب إقليمية لا ترغب فيها القوى الدولية والإقليمية على حد سواء، وهو ما تحول أيضاً إلى أحد محاور النقاش في جلسات المنتدى.

ملفات متعددة

تناول المتحدثون في جلسات المنتدى رؤية دولهم للتعامل مع الكثير من التحديات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والتي تفرض تأثيرات قوية على مصالحها الدولية والإقليمية، ويتمثل أبرزها فيما يلي:

1- رغبة أمريكية في خفض التصعيد: رغم العديد من التطورات التي تشهدها المنطقة –السابق الإشارة إليها– والتي تُنذر بتوسيع نطاق العمليات العسكرية الإسرائيلية، وتحولها إلى حرب إقليمية، ومزيد من الانخراط العسكري الأمريكي، الذي ترفضه إدارة الرئيس جو بايدن، التي تبنت سياسات من شأنها الحد من التورط الأمريكي في أزمات وصراعات الشرق الأوسط في ظل التحديات الداخلية والخارجية؛ فقد أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، خلال كلمته بإحدى جلسات المنتدى، على أن الولايات المتحدة تسعى إلى خفض التصعيد في المنطقة رغم الهجمات العسكرية الأمريكية-البريطانية ضد مليشيا الحوثيين في اليمن عبر سياسة تمزج بين الردع والدبلوماسية من أجل منع توسع الصراع.

إذ أن هناك قناعة أمريكية عبّر عنها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، خلال مشاركته في المنتدى، من أن امتداد الحرب الإسرائيلية إلى أنحاء مختلفة بالمنطقة هو احتمال لا يمكن استبعاده. ولمنع تحول الحرب في الشرق الأوسط إلى صراع عالمي، قال سوليفان إنه يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها والقوى الإقليمية الأخرى صياغة استجابة مشتركة ومتماسكة لمنع انتشار الحرب.

2- تشكيل حكومة فلسطينية موحّدة: يطرح أطراف الصراع فضلاً عن العديد من القوى الإقليمية والدولية رؤى متعددة ومتعارضة حول إدارة قطاع غزة بعد وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة منذ 7 أكتوبر الماضي. لكن رغم ذلك، كان هناك تركيز من المسئولين الغربيين، والأمريكيين تحديداً، على ضرورة إعادة بناء السلطة الفلسطينية بحيث تكون قادرة على إدارة المرحلة التالية في الأراضي الفلسطينية.

فقد أشار وزير الخارجية النرويجي، اسبن بارث، إلى أن عدداً من الدول الأوروبية، والدول العربية المعنية، والولايات المتحدة، تعمل على وضع تصور لتشكيل حكومة فلسطينية موحدة، يمكنها جذب أموال لإعادة الإعمار، وهو النهج الذي تؤيده الولايات المتحدة، على نحو بدا جلياً في اللقاء الذي عقد بين الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، ووزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في 10 يناير الجاري، والذي أكد خلاله الأخير على أهمية إجراء إصلاحات في السلطة الفلسطينية، لتتحمل مسئولية الحكم في قطاع غزة.

3- الربط بين هجمات الحوثيين والعمليات الإسرائيلية: مع استمرار الاهتمام الدولي بإيقاف هجمات مليشيا الحوثيين على السفن التجارية وتعطل الملاحة الدولية بالبحر الأحمر، والذي كان حاضراً في الاجتماع السنوي للمنتدى، كان هناك ربط من جانب بعض المسئولين العرب بين استمرار تلك التهديدات واستمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة. ولذلك رأوا أن العمليات العسكرية التي تشنها الولايات المتحدة وبريطانيا ضد مليشيا الحوثيين لن تُنهي تهديداتها مع استمرار معاناة آلاف الفلسطينيين في ظل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية، والتي تؤدي إلى حلقات من التصعيد في منطقة الشرق الأوسط.

4- بحث إنهاء تواجد قوات التحالف الدولي بالعراق: تمارس الفصائل العراقية المتحالفة مع إيران ضغوطاً على رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، لإنهاء مهمة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في البلاد. واستجابةً لتلك الضغوط، أفاد مكتبه، في 5 يناير الجاري، بأن الحكومة تشكل لجنة للتحضير لإنهاء مهمة التحالف الدولي في وقت أضحت فيه القوات العراقية قادرة على الحفاظ على سيادة العراق. ويذكر أن للولايات المتحدة حوالي ٩٠٠ جندي في العراق في مهمة تقول واشنطن إنها تستهدف تقديم المشورة والمساعدة للقوات العراقية لمنع عودة تنظيم “داعش” الذي سبق أن سيطر على مساحات شاسعة من البلاد في عام ٢٠١٤.

وقد كانت قضية إنهاء وجود قوات التحالف الدولي في العراق على أجندة لقاءات رئيس الوزراء العراقي مع المسئولين الغربيين على هامش مشاركته في المنتدى. فقد بحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي صياغة جدول زمني لإنهاء مهمة التحالف في العراق، والانتقال إلى علاقات ثنائية شاملة مع دول التحالف. كما بحث مع الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرج، مهمة إنهاء وجود التحالف الدولي في العراق، حيث ناقشا أهمية الاتفاق على خطوات تنفيذية لترتيب إنهاء مهمته في العراق عبر إجراء حوارات ثنائية بما يضمن انتقالاً سلساً لمهامه.

5- نشاط دبلوماسي إيراني مكثّف: مع تركيز عديد من جلسات المنتدى على دور إيران ووكلائها المزعزع للاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط، والدور العسكري الإيراني في العراق ولبنان واليمن، وبرنامج إيران النووي، وتوفير طهران طائرات من دون طيار لروسيا لمساعدتها في عملياتها العسكرية ضد أوكرانيا المستمرة منذ ٢٤ فبراير ٢٠٢٢؛ استغل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مشاركته في المنتدى في توجيه انتقادات للسياسات الأمريكية في المنطقة، ولا سيما دعمها للعمليات العسكرية الإسرائيلية التي تهدد أمن واستقرار المنطقة، واستمرار قتل المواطنين الفلسطينيين. وقد أجرى مشاورات مع رئيسي وزراء لبنان وباكستان، ونظيره الإسباني، لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية مع دولهم.

انتقائية ملحوظة

ركزت جلسات الاجتماع السنوي الرابع والخمسين للمنتدى الاقتصادي العالمي على القضايا والصراعات والتهديدات الأمنية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والتي تفرض تداعيات مؤثرة ومباشرة على المصالح الدولية، والأمن القومي الأمريكي، ولا سيما تلك التي تؤثر على حركة الشحن العالمي في البحر الأحمر مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية وارتفاع تكلفتها الإنسانية، والتي تنعكس على أسعار الوقود في الدول الغربية، والتي عانت منها في أعقاب العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، وستكون لها تداعيات خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستُجرَى في 5 نوفمبر المقبل.

وفي مقابل ذلك، كان هناك تراجع لقضايا لا تقل أهمية عن تلك التي ناقشها المتحدثون، مثل الحرب الأهلية في السودان، في ظل تقارير متعددة عن التطهير العرقي الذي يشهده عدد من المدن السودانية، وغياب أفق الحل السياسي في ليبيا، بعد تعثر إنهاء المرحلة الانتقالية والاتفاق على جدول زمني لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.