احتجاجات العطش:
كيف انعكست تداعيات الدور الإقليمي الإيراني على أزمة الأحواز؟

احتجاجات العطش:

كيف انعكست تداعيات الدور الإقليمي الإيراني على أزمة الأحواز؟



رغم أن الاحتجاجات التي انتشرت في مدينة الأحواز الإيرانية الي تقطنها القومية العربية ليست جديدة، حيث سبق أن اندلعت فيها احتجاجات عديدة، كان آخرها في نوفمبر 2019، إلا أن الاحتجاجات الحالية التي دخلت يومها السابع اكتسبت أهمية وزخماً خاصاً لاعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في أنها تأتي قبل نحو أسبوعين من بداية الفترة الرئاسية الأولى للرئيس الجديد إبراهيم رئيسي الذي سوف يتولى مقاليد منصبه في 5 أغسطس القادم، كما أنها تتوازى مع استمرار الجهود التي تبذلها القوى الدولية من أجل استئناف المفاوضات التي توقفت في فيينا من أجل الوصول إلى صفقة تعزز من احتمالات استمرار مواصلة العمل بالاتفاق النووي، إلى جانب أنها اندلعت في وقت تتزايد الضغوط المفروضة على إيران نتيجة تدخلاتها المستمرة في الأزمات الإقليمية المختلفة فضلاً عن الشئون الداخلية لعديد من الدول العربية.

تسييس مستمر:

كان العنوان الأبرز للاحتجاجات الحالية التي اندلعت في محافظة خوزستان وبدأت تنتقل إلى محافظات أخرى، بل إنها وصلت إلى العاصمة طهران، هو نقص المياه العذبة وانقطاع الكهرباء، نتيجة تحويل مجرى الأنهار التي تنبع من الأحواز، وفي مقدمتها نهر كارون، ونقل المياه إلى داخل العمق الإيراني، إلى جانب موجة الجفاف الشديدة التي تتعرض لها إيران في الوقت الحالي، والتي تشير تقارير عديدة إلى أنها لم تحدث منذ نحو خمسين عاماً، وهى الموجة نفسها التي تسببت قبل نحو أسبوعين في الانقطاع المتكرر للكهرباء في مناطق مختلفة من إيران، على نحو أدى إلى خروج مظاهرات منددة بانهيار البنية التحتية وعدم قدرة الحكومات المتعاقبة على احتواء تلك الأزمات المعيشية.

ومع أن الطابع الأساسي لتلك الاحتجاجات كان اقتصادياً أو بمعنى أدق معيشياً، نتيجة تصاعد حدة الاستياء بسبب تراجع القدرة على تقديم الخدمات الحياتية للمواطنين، إلا أنها، على غرار الاحتجاجات السابقة، لم تخل من تسييس واضح، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات أساسية ثلاثة هى:

1- ضغوط مسبقة: يمثل انطلاق الاحتجاجات قبيل تسلم الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي مقاليد منصبه في 5 أغسطس القادم، رسالة تحذير إلى الأخير مفادها ضرورة تغيير النهج القائم حالياً فيما يتعلق بالإصرار على تقديم مزيد من الدعم للحلفاء الإقليميين لإيران في الخارج على حساب معالجة الأزمات المعيشية والاجتماعية التي تعاني منها إيران في الوقت الحالي. وربما لا يمكن فصل ذلك عن ما سبق أن أعلنه إبراهيم رئيسي، في أول مؤتمر صحفي عقده بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، في 21 يونيو الفائت، عندما قال أن “أنشطة إيران في المنطقة أو برنامج الصواريخ الباليستية غير قابلة للتفاوض”، بما يوحي بأن إيران سوف تواصل السياسة الحالية الخاصة بدعم الميليشيات الموالية لها في دول الأزمات، على نحو يتسبب في استمرار استنزاف الخزينة الإيرانية لصالح التدخل في الأزمات الإقليمية المختلفة.

2- استمرار المغامرات الخارجية: كان لافتاً أن الاحتجاجات توازت مع تزايد انخراط إيران في الأزمة الأفغانية، استعداداً للانسحاب العسكري الأمريكي، حيث كشفت تقارير عديدة عن أن إيران تستعد لاستنساخ تجربة ميليشيا “الحشد الشعبي” العراقية في أفغانستان، بحجة مواجهة حركة “طالبان” وتنظيم “داعش”، رغم أنها حريصة على فتح قنوات تواصل مع الأولى، فضلاً عن أنها لم تتعرض لهجمات من جانب الثاني عبر الحدود الأفغانية. ويبدو أن إيران سوف تستند في هذا السياق، إلى ما سبق أن شكلته من ميليشيا “لواء فاطميين” التي شاركت في المواجهات العسكرية التي جرت على الساحة السورية لصالح نظام الرئيس بشار الأسد، وهو ما يفرض بدوره مزيداً من الأعباء على الموارد الإيرانية في وقت تتصاعد حدة الأزمة الاقتصادية الداخلية نتيجة فشل حكومة الرئيس حسن روحاني في احتواء تداعيات العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران منذ انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي في 18 مايو 2018.

3- جهود استئناف مفاوضات فيينا: تسعى القوى الدولية في الوقت الحالي إلى تعزيز فرص استمرار المفاوضات التي تجري في فيينا للوصول إلى صفقة جديدة تتيح عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاتفاق النووي وعودة إيران إلى الالتزام بتعهداتها فيه، بعد أن فضلت الأخيرة تأجيل الجولة السابعة لحين تسلم الرئيس الجديد مهام منصبه وتشكيل فريقه الحكومي فضلاً عن وفد المفاوضات. واللافت في هذا السياق، أن أطرافاً عديدة بذلت جهوداً حثيثة من أجل توسيع نطاق المفاوضات لتضم ملفات أخرى مثل برنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي وحقوق الإنسان، أو الحصول على تعهد من إيران بإجراء مفاوضات ملحقة حول تلك الملفات.

وهنا، فإن اندلاع الاحتجاجات في هذا التوقيت من الممكن أن يضفي مزيداً من الزخم على هذه الجهود باعتبار أن المشكلة مع إيران لا تنحصر في البرنامج النووي، رغم أهميته، وإنما تمتد إلى هذه الملفات في مجملها. ويتوازى ذلك أيضاً مع تطورين مهمين يرتبطان بهذه الملفات: يتمثل أولهما، في تزايد اهتمام المجتمع الدولي بقضايا حقوق الإنسان في إيران، على نحو انعكس في انعقاد المؤتمر الذي نظمته المعارضة الإيرانية في الخارج، لاسيما منظمة مجاهدي خلق، في باريس، في 10 يوليو الجاري، والذي شارك فيه مسئولون أجانب، على غرار رئيس وزراء سلوفينيا يانيس يانشا، الذي قال، في كلمة عبر الفيديو، أن “الشعب الإيراني يستحق الديمقراطية، والحرية، واحترام حقوق الإنسان، ويجب أن ينال دعماً قوياً من المجتمع الدولي”، داعياً إلى “محاسبة النظام الإيراني على انتهاكه لحقوق الإنسان”.

وينصرف ثانيهما، إلى تعثر مفاوضات تبادل السجناء بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، وما تخللها من توجيه اتهامات متبادلة بين الطرفين، باستخدام هذا الملف للتأثير على مفاوضات فيينا. ولا ينفصل ذلك، من دون شك، عن الانتقادات التي توجهها دول غربية عديدة لإيران بسبب إمعانها في استغلال قضايا السجناء الأجانب كورقة ضغط، فضلاً عن ما يعانيه هؤلاء السجناء، وفقاً لتلك الدول، من انتهاكات لحقوق الإنسان من قبل السلطات الإيرانية.

في النهاية، لا يبدو أن احتجاجات المياه في الأحواز- التي بدأت تمتد إلى مناطق ومحافظات أخرى- سوف تكون الأخيرة من نوعها التي تواجهها إيران في المرحلة القادمة، لاسيما أن المُحفِّزات، الداخلية والخارجية، لهذه الاحتجاجات، ما زالت قائمة ولا يبدو أنها سوف تتغير طالما أمعن النظام الإيراني في تبني السياسة نفسها في التعامل مع القضايا المحلية أو الأزمات الإقليمية.