ضغوط اقتصادية:
كيف استجابت حكومة “أخنوش” لمطالب الاتحاد المغربي للشغل؟

ضغوط اقتصادية:

كيف استجابت حكومة “أخنوش” لمطالب الاتحاد المغربي للشغل؟



قدّم الاتحاد المغربي للشغل قائمة تتضمن مجموعة من المطالب ذات الطابع الاقتصادي للحكومة الحالية برئاسة “عزيز أخنوش”، في 16 أكتوبر الجاري، تتضمن إقرار زيادة عامة في أجور العمال والموظفين تتماشى مع ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والخدمات وغلاء المعيشة، من أجل حماية القدرة الشرائية للعمال والموظفين. ومن أبرز هذه المقترحات ما يلي:

1- زيادة أجور الموظفين والعمال: اقترح الاتحاد زيادة أجور العمال والموظفين في القطاع العام للدولة في حدود ألف درهم (100 دولار) صافية، ورفع الحد الأدنى للموظفين في القطاع العام إلى 4 آلاف درهم صافية، وأيضاً تحسين نظام “الترقيات في الدرجة” عبر مراجعة رفع نسبة حصص الترقي في الدرجة إلى 36% لتشمل كافة الهيئات والقيادات، وذلك على غرار ما هو معمول به لبعض الفئات كالمنتدبين القضائيين والمحررين وكتاب الضبط بوزارة العدل.

2- تخفيف العبء الضريبي على الموظفين: وذلك عبر إعفاء أصحاب الدخل السنوي من “صفر” إلى 36 ألف درهم من الضريبة، وتحديد الضريبة على الدخل من 36.001 درهم إلى 50 ألف درهم بنسبة 7%، وتحديدها على الدخل من 50.001 ألف درهم إلى 60 ألف درهم بنسبة 17%. كما اقترح الاتحاد تحديد الضريبة على الدخل السنوي من 60 ألف درهم إلى 80 ألف درهم بنسبة 28%، وأن تكون الضريبة على الدخل السنوي من 80 ألف درهم إلى 180 ألف درهم بنسبة 36%.

3- تخفيض الضرائب على فئات معينة: شملت المقترحات أيضاً زيادة المبلغ المالي المقتطع من الضريبة على الدخل من 30 درهم إلى 100 درهم بالنسبة للزوجة وعن كل طفل أو طفلة، مع زيادة نسبة خصم المصاريف المهنية من 20% إلى 30% بالنسبة للأجور، هذا إلى جانب المطالبة بزيادة الخفض الجزافي على المعاشات من 60% إلى 70%، وذلك بغرض تحسين الأوضاع المعيشية عبر تعزيز القدرة الشرائية للمواطنين، وهو الأمر الذي لن يحدث إلا بتحقيق “العدالة الجبائية” من خلال إقرار نظام ضريبي يتسم بالإنصاف بين كافة الفئات المختلفة داخل المجتمع المغربي.

4- خفض الضريبة على الشركات العاملة في القطاع الصناعي: تقدم “الاتحاد العام لمقاولات المغرب” (الممثل للقطاع الخاص) بمقترحات للحكومة بشأن ميزانية 2023 تضمنت المطالبة بخفض الضريبة على الشركات العاملة في القطاع الصناعي، وخفض المساهمة الدنيا في أفق حذفها في عام 2025، مع خفضها إلى 0.3% عام (2023)، وأيضاً دعوة الحكومة لعدم اعتماد الضريبة الاجتماعية للتضامن، أي الضريبة المفروضة على الأرباح في السنوات الأخيرة، هذا إلى جانب إصلاح الضريبة على القيمة المضافة، ومراجعة حساب الضريبة الداخلية على الاستهلاك على المنتجات الملوثة، لتطبيق مبدأ التناسب وتوضيح توجيه إيراداتها. بالإضافة إلى المطالبة بمراجعة أشطر الضريبة على الدخل، وخصم الرسوم المدرسية من الوعاء الخاضع للضريبة، وتجديد إجراء الإعفاء من الضريبة على الدخل لمدة 36 شهراً لجميع الشباب الذين يتم توظيفهم في إطار عقود عمل دائمة.

إجراءات حكومية

اتّخذت الحكومة المغربية بعض الإجراءات الاقتصادية والمالية في محاولة منها لتخفيف حدة التداعيات المترتبة على استمرار الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، ومن ذلك ما يلي:

1- اعتماد ميزانية تستهدف رفع النمو الاقتصادي: حيث قامت الحكومة بإعداد مسودة ميزانية تستهدف زيادة معدلات النمو الاقتصادي بنسبة 4% خلال عام 2023، بشكل يمكن من خلاله مواجهة العجز المالي المتوقع بنسبة 4.5% خلال العام نفسه، حيث سجلت ميزانية المغرب عجزاً بقيمة 30.4 مليار درهم (تعادل نحو 3 مليارات دولار) بنهاية أغسطس الماضي، مقابل 43.3 مليار درهم لنفس الفترة من عام 2021. وتهدف هذه المسودة إلى محاولة مواجهة التوقعات الخاصة ببطء النمو الاقتصادي والمتوقع بنسبة 0.85% مع نهاية عام (2022)، هذا إلى جانب التوقعات الخاصة بزيادة نسبة التضخم لتصل إلى 6.3% أيضاً.

2- دعم الفئات الفقيرة والمستضعفة: حيث أعلنت وزيرة المالية “نادية فتاح العلوي”، في 19 أكتوبر الجاري، أن مشروع الميزانية سيواصل تقديم الدعم للفئات المستهدفة، من خلال مجموعة من الإجراءات المحددة التي تشمل تنفيذ سجل اجتماعي موحد، وتعميم شبكات الحماية الاجتماعية، وكذلك تأهيل منظومة الصحة الوطنية من خلال العمل على زيادة الاعتمادات المالية المخصصة لقطاع الصحة والحماية الاجتماعية، وكذلك تسهيل إجراءات الحصول على سكن للمواطنين، حيث جاء الإعلان عن هذه الإجراءات بالتزامن مع تراجع مؤشر ثقة المواطنين خلال الفصل الثالث من العام الجاري (وفقاً للمندوبية السامية المغربية للتخطيط)، حيث أقر 81% من الأسر بتدهور الأوضاع المعيشية.

3- تأسيس صندوق محمد السادس للاستثمار: وفي إطار محاولات مؤسسة القصر المساعدة في تقديم حلول فاعلة يمكن من خلالها حل المشكلات الاقتصادية المتفاقمة في البلاد، تم تأسيس “صندوق محمد السادس للاستثمار” خلال الفترة الأخيرة، والذي يهدف بشكل رئيسي إلى زيادة حصة القطاع الخاص من الاستثمارات في الاقتصاد الوطني إلى الثلثين بدلاً من الثلث فقط، وذلك خلال عام 2035، الأمر الذي من شأنه زيادة مساهمة القطاع الخاص في إنعاش الاقتصاد الوطني عبر إقامة المزيد من المشروعات التنموية، ومن ثم توفير المزيد من فرص العمل، وبما يُسهم في نهاية الأمر في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وفي هذا الإطار، يتبنى استراتيجية تقوم على جذب استثمارات المغاربة المقيمين بالخارج الذين تبلغ قيمة تحويلاتهم للداخل 77 مليار درهم، وتساهم بنسبة 10% في الاستثمارات الداخلية، ويسعى لتوجيه استثماراتهم لأربعة قطاعات رئيسية هي: الصناعات الغذائية والتحويلية، والتجارة، والبنوك، والطاقات المتجددة ولا سيما الشمسية.

4- ضخ استثمارات بقيمة 50 مليار دولار: حيث أطلق الملك “محمد السادس” مبادرة تهدف لضخ استثمارات إضافية بقيمة 550 مليار درهم (50 مليار دولار) في الدولة خلال 5 سنوات بالتعاون بين الحكومة والقطاعين الخاص والمصرفي، وذلك بهدف توفير 500 ألف فرصة عمل خلال الفترة بين عام 2022 وعام 2026، وذلك لمواجهة الزيادات المتسارعة في نسبة البطالة التي وصلت إلى 11.2% في الربع الثاني من العام الجاري وتسجيلها نسبة 30% بين الشباب خلال الفترة نفسها.

5- رفع الحد الأدنى للأجور بالقطاع الخاص: وافقت الحكومة المغربية على قرار الرفع من الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص بنسبة 10%، تنفيذاً للاتفاق الاجتماعي الموقّع في شهر مايو الماضي مع النقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب، حيث تمت زيادة الأجور بنسبة 5% في شهر سبتمبر الماضي، على أن يتم تطبيق باقي الزيادة الـ5% مع بداية العام القادم (2023)، وكان الهدف من ذلك هو رفع القدرة الشرائية للمواطنين في مواجهة التضخم وخاصة الفئات الفقيرة.

6- تنظيم مؤتمرات اقتصادية دولية: كما لجأت الحكومة المغربية إلى تنظيم بعض المؤتمرات الاقتصادية الدولية، ومن ذلك المؤتمر السنوي الـ47 لـ”المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية” الذي تم عقده في مدينة “مراكش” خلال الفترة من 17 إلى 19 أكتوبر الجاري لأول مرة بالمغرب، بغرض البحث عن فرص إنعاش الاقتصادي الوطني، خاصة وأن هذا الاجتماع تشارك فيه كافة دول العالم، كما تتعاون منظمة هيئات الأوراق المالية مع الدول والجهات الدولية المانحة وخاصة مجموعة العشرين (G 20) ومجلس الاستقرار المالي (FSB)، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، الذين يعتمدون معاييرها مرجعاً للقطاع المالي.

سيناريوهات محتملة

وفي ضوء ما سبق، يمكن القول بوجود سيناريوهات محتملة فيما يتعلق باستجابة الحكومة للمطالب المقدمة إليها من اتحاد الشغل، وذلك على النحو التالي:

السيناريو الأول- استجابة محدودة: يرجح هذا السيناريو أن تستجيب حكومة “عزيز أخنوش” للمطالب المقدمة إليها من اتحاد الشغل باعتباره أكبر نقابة عمالية في البلاد، ويستند هذا السيناريو إلى أن الحكومة الحالية تحتاج إلى مزيد من كسب الثقة فيها من قبل المواطن المغربي، بما يساعدها على أداء مهامها الموكلة إليها؛ إلا أن هذه الاستجابة قد تكون في أضيق الحدود نظراً لتفاقم الأوضاع الاقتصادية، كما أن إعادة النظر في الضريبة على الدخل التي تصيب بشكل خاص الأجور، كانت من توصيات المناظرة الوطنية للجباية التي نُظمت في البلاد قبل أربعة أعوام، إلا أن الحكومات المتعاقبة لم تترجمها في شكل إجراءات فاعلة، وهو ما يستند إليه اتحاد الشغل في المطالبة بتنفيذ هذه الاتفاقات الآن في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين.

السيناريو الثاني- عدم الاستجابة ومواصلة تطبيق السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تتبناها الحكومة الحالية لحل الأزمة الاقتصادية، وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً في الوقت الراهن، خاصة وأن النقابات قد طالبت من قبل بزيادة أجور العمال والعمال المتقاعدين بنسبة 20% لمواجهة ارتفاع معدلات التضخم المتصاعدة وما لذلك من تداعيات على القدرة الشرائية لهم، كما رفع اتحاد الشغل المطالب نفسها في شهر أبريل الماضي، إلا أن الحكومة اكتفت بتطبيق قرارها الخاص بزيادة الأجور بنسبة 5% في شهر سبتمبر الماضي.

ومن غير المتوقع الاستجابة للمطالب المرفوعة من قبل اتحاد الشغل لتخفيض الضرائب على الدخول السنوية للعمال والموظفين في ظل تعارض مطالب تخفيض الضرائب مع معدلات التضخم الآخذة في الارتفاع، كما أن النظام الجبائي الحالي قد ساهم في زيادة عائدات الدولة من الضرائب، حيث أفادت وزارة الاقتصاد والمالية في شهر سبتمبر الماضي، بأن الإيرادات الجبائية زادت حتى شهر أغسطس الماضي بنحو 2.76 مليار دولار، أي بحوالي 19.8%، وارتفعت إيرادات الضريبة على الدخل بنحو 180 مليون دولار، وهي زيادة ساهمت فيها إيرادات الضريبة على الأجور بنحو 160 مليون درهم، وهو ما يشير إلى زيادة عائدات خزينة الدولة المغربية بما يسهم في تمكينها من حل المشكلات الاقتصادية، كما تراهن حكومة “أخنوش” على زيادة العائدات الضريبية والجمركية خلال العام الجاري بنحو 36.5 مليار درهم لتصل إلى حوالي 148.4 مليار دولار درهم، وذلك لتغطية الاعتمادات المالية الجديدة.

خلاصة القول، تكشف المطالب التي اقترحها الاتحاد المغربي للشغل بزيادة الأجور وخفض الضرائب، عن محدودية إجراءات الحماية الاجتماعية التي اتخذتها الدولة لحماية الفئات الفقيرة من العمال وموظفي القطاع العام، من تداعيات جائحة كورونا وتدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وما ترتب على ذلك من دخول الاقتصاد المغربي في حالة من الركود التضخمي، وارتفاع معدلات الفقر، الأمر الذي من شأنه تهديد السلم الاجتماعي، وفي ضوء المعطيات الراهنة، فإنه من المرجح عدم استجابة الدولة للمطالب المرفوعة، خاصة وأن الحكومة وافقت على رفع الأجور بنسبة 10% من قبل، وبالتالي من المستبعد إضافة زيادات جديدة في الأجور.