هذا أسبوع عربى صينى بامتياز ستكون الرياض هى المقر والمكان، لعلها المرة الأولى التى يلتقى فيه كل هذا الجمع من القادة العرب والقيادة الصينية حيث إن هذا هو اللقاء الاول من نوعه، الفكرة والتوقيت بارعة سباقة سيكون مابعدها ليس كما قبلها، الفكرة والطرح جاءت لأول مرة على لسان الأمين العام للجامعة العربية احمد ابو الغيط عام ٢٠١٩ خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب مع وزير الخارجية الصينى خلال فعاليات الحوار العربى – الصينى فى بكين، أعد لها الرجل الاقتراح والدراسة، وفاجأ الجميع فى بكين يومها.. لماذا لاتكون هناك ترقية وتعميق للعلاقات العربية – الصينية ،فلتكن هناك صيغة للارتقاء والتحليق بالعلاقات بين الجانبين لآفاق ارحب وأوسع واكبر، ولتكن البداية بضربة قمم عربية – صينية على غرار القمة العربية – الأوروبية، يومها لمعت الفكرة فى اذهان الحضور دهمهم الاقتراح، شرعوا فى التنفيذ بعد أخذ ورد حتى انساق الجميع للطرح، وضربوا الموعد للقاء الاول لولا لعنة جائحة كورونا، وبعد تفكير مستنير قررت المملكة العربية السعودية تفعيل الاقتراح وتطويره، لتقرر احتضان القمة الأولى بعد توسيع زوايا الرؤية ودوائر الحركة لتصبح ثلاث قمم متتالية هذا الأسبوع فى الرياض بدءا من الغد وحتى التاسع من هذا الشهر، الأولى تدشن بقمة سعودية – صينية، ثم قمة خليجية – صينية، ثم اللقاء الأخير والأوسع بقمة عربية – صينية، لوضع محركات التشغيل الكاملة للانطلاقة الكبرى لتعاون الجانبين العربى – الصيني.
ربما التذمر الامريكى سيكون سيد الموقف فى الأيام القادمة، القمة العربية – الصينية ستثير التساؤلات والألغاز فى البيت الأبيض، ربما ترفع منسوب الحنق الامريكى باتجاه العواصم العربية لبعض الوقت فى الأيام القادمة، لكنها سترسل العديد من الرسائل للجانب الامريكي، ان عرب اليوم ليسوا كعرب الامس، لن يبقوا اسرى للماضي، الفضاءات تتسع، وعالم القطبية الواحدة فى طريقه للذوبان ولو بعد حين، بمنطق الضرورة الحتمية سيكون عالما متعدد الأقطاب ، الحرب الروسية – الاوكرانية أطلقت وعجلت بشراكة الانطلاق الأولى لهذا التعدد واختصرت الأوقات ورفعت الحرج عن كثير من دول وقارات العالم لتعديل البوصلات وتغيير الشراع باتجاه التعدد والتنوع والانفتاح لصب وتدشين علاقات كفؤة بين اقطاب كبرى بازغة وقادمة فى العالم، والتخلى عن البقاء والكمون ضمن الحاضنة الامريكية للأبد حيث المعادلات الدولية والإقليمية تتغير بسرعة السنوات الضوئية، صحيح لن يرفع الغطاء ويحدث الانفكاك الدولى – الإقليمى والدول العربية فى القلب منه عن الحاضنة الامريكية بين يوم وليلة، بل سيستغرق الامر سنوات تقترب من العقد، ولكن فريقا من دول الانفتاح العربى واصحاب الأوزان الثقيلة فى الإقليم هنا ادركوا المعادلات سريعا، وباتت لديهم قناعة تلامس اليقين ان أمريكا والعالم قبل الحرب الروسية فى أوكرانيا لن يكون بأى حال من الأحوال كما بعدها، ومن هنا كانت الاستقلالية العربية الجديدة فى القرار والتفكير، فقرروا انتهاج الحياد الإيجابى فى الحرب الاخيرة، فريق منهم اعتمد وصاغ قرارات اوبك بلس الاخيرة بحرفية واقتدار، ومن ثم كان قرار القمم الثلاثية العربية – الصينية.
ربما لن يبقى الجانب الامريكى اثير الصمت والحيرة طويلا تلك التى ستضرب اندهاشته وتثير حفيظته بكل تأكيد فور القمة العربية – الصينية، حيث لديه محفزات للزهو فى الأسبوع القادم وتحديدا فى الخامس عشر من ديسمبر عندما يستضيف البيت الأبيض القمة الأولى هى الأخرى من نوعها القمة الامريكية – الافريقية بحضور زعماء ٥٤ دولة أفريقية، ولكنها ستكون بداية عملية امام الولايات المتحدة لتعيد النظر فى مجمل سياستها فى الشرق الأوسط والعالم العربي، اذا ارادت الفوز بانعطافة واستدارة أفريقية بعيدا عن الهيمنة والحضور الفرنسي، ناهيك عن السباق والمزاحمة الجديدة للأدوار الصينية والروسية التى بدأت فى التوطن والإقامة الطويلة على وسادة التلاقى والتماهى مع عواصم الشرق الأفريقى والغرب والساحل والصحراء، وهو الامر الذى سيواجه الحضور الامريكى هناك بمشقة شق الانفس وربما خسارة معركة الحضور فى الساحات الافريقية بخسائر مضاعفة، وبالتالى يجب ان يكون الإطار الحاكم لسيد البيت الأبيض من الآن فصاعدا ان جواز المرور الى قلب القارة الافريقية للتموضع والتمركز لابد حتما ان يمر عبر عواصم القرار العربى التى لها امتدادات وارتباط وعمق جغرافى اصيل كأعضاء بارزين ومحوريين ابناء القارة لاعبين أساسيين ،بجانب حضور خليجى مكمل لابأس به وطاغ فى السنوات الاخيرة.
بتقديرات الحسابات السياسية.. العرب وحدهم فى المقدمة سيكونون الرابحين فى القمم العربية – الصينية وكذلك الامريكية – الافريقية بجانب أشقائهم الافارقة فى الاخيرة، وهنا يثور التساؤل كيف نعظم المكاسب والأرباح من القمة العربية- الصينية، البداية موجودة وقائمة حيث هناك علاقات اقتصادية وتجارية تضرب بأرقام قياسية بين الجانبين بمقدار ٣٣٥ مليار دولار سنويا، وان كان معظمها لمصلحة الصين، لكن هناك فرصة فى قمة الرياض لتعظيم وتزايد الاستحقاقات الاقتصادية والتجارية العربية من خلال تزايد جملة الاستثمارات الصينية بكثرة فى العالم العربى آجلا وفى الحال، بجانب تفعيل دبلوماسية المسار الثانى التى تنتهجها الصين لإقامة علاقات كفؤة مع التجمعات الكبرى فى العالم، والعرب فى المقدمة حيث لها خصائص تتوافر لدى الجانبين مثل شراكة القوة والصداقة، وتعظيم بناء الكيانات الاقتصادية الكبرى وهذا مايطمح اليه العرب اليوم قبل الغد، وهذا يسهل التحقق مع الصين بما لها من نفوذ وصعود متسارع، ولتكن قمة الرياض البداية لتلك الانطلاقة واعتماد قمم المسار الثاني، وبداية السير فى عالم متعدد الأقطاب بدور وحضور عربى مؤثر فيه مستقبلا.
نقلا عن الأهرام