قراءة مُغايرة للقمة الأمريكية ـ الروسية – الحائط العربي
قراءة مُغايرة للقمة الأمريكية ـ الروسية

قراءة مُغايرة للقمة الأمريكية ـ الروسية



لا أُصدقُ أن الرئيسين الأمريكى والروسى قضيا ساعتين كاملتين هما مدة اللقاء الافتراضى الذى جمعهما الثلاثاء 7 ديسمبر 2021، لبحث تطورات الموقف فى أوكرانيا. ولا أُصدق أن الحوار بينهما دار حول تحذير بايدن لروسيا من أنها سوف تتعرض لعقوبات اقتصادية شديدة فى حالة مغامرتها بغزو أوكرانيا، وأن بوتين رد عليه بأن بلاده لا تخطط لعمل ذلك، وأنها حشدت قواتها على الحدود لردع أوكرانيا من القيام بأى اعتداء على المنطقة التى تقطنها أغلبية روسية، وأن موسكو طلبت ضمانات قانونية لمنع توسع حلف شمال الأطلنطى فى مناطق جوارها المباشر، وأن واشنطن رفضت تقديم هذه الضمانات. لا أُصدقُ أيضًا أن هذا الموضوع كان القضية الوحيدة التى ناقشها الرئيسان وهى النُقطة التى تُلح عليها وكالات الأنباء الأمريكية وتُرددها أدوات الإعلام فى كل العالم ومنها العربية.

ومرجعى فى ذلك، هو أن هذه الادعاءات المُتبادلة بين واشنطن وموسكو قديمة ولا يوجد فيها جديد وتكررت فى تصريحات وبيانات أمريكية وأوروبية وأُخرى روسية مُضادة فى 2021. فهل من المعقول أن يجتمع الرئيسان لتكرار ما هو معروف وسبق لكل منهما التصريح به من قبل، وهل من المُتصور أن يجتمعا فقط لتبادُل التحذيرات والاتهامات. فلقاءات القمة بين رؤساء الدول – وبين أمريكا وروسيا تحديدًا – لاتأتى مُصادفة بل يسبقها مشاورات بين الطرفين وتوافق حول جدول الأعمال.

واعتقادى أنه من الأفضل فهم حقيقة ما حدث فى هذا اللقاء فى ضوء التفاهمات التى تمت بين واشنطن وموسكو فى اجتماع الرئيسين فى جنيف فى يونيو 2021، فرغم أن هذا الاجتماع انعقد فى ظروف بلغت فيها مستوى العلاقات بين البلدين درجة عالية من التوتر وسحب كل منهما سفيره من الدولة الأخرى، ففى هذا الاجتماع اتفق الرئيسان على عودة سفير كُل منهماإلى مقر عمله، وأشار البيان الصادر عن الاجتماع إلى إجراء مباحثات بين الطرفين فى مجال الاستقرار الاستراتيجى والأمن السيبراني.

ولم تعلن الدولتان عن التقدم الذى تم إحرازه فى هذه المباحثات، ولكن المؤكد أن هناك قناة دبلوماسية من خلال السفارات وأخرى عسكرية واستخباراتية بين الأجهزة المعنية فى البلدين. ومن المؤكد أيضًا، أنه فى 23 نوفمبر الماضى تم اتصال تليفونى بين رئيس هيئة الأركان المسلحة الأمريكى ونظيره الروسي، والذى أعلنت عنه وزارة الدفاع الروسية، مما دفع المتحدث الرسمى باسم وزارة الدفاع الأمريكية إلى الإشارة إلى هذه الواقعة. وعندما سأله أحد الصحفيين عما تم بحثه فى هذه المحادثة كانت الإجابة أن الاتفاق بين البلدين هو عدم الإعلان عن تفاصيل هكذا اتصال.

ثم إن هناك البيان الرسمى الذى صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية قُبيل لقاء الرئيسين فى 7 ديسمبر، والذى ورد فيه أن جدول الأعمال يتضمن مناقشة قضيتى الاستقرار الاستراتيجى والأمن السيبرانى وعدد من الموضوعات الأخرى من بينها إيران. وأشار بيان المتحدث الرسمى باسم الكرملين فى اليوم السابق على الاجتماع إلى أنه ليس من المتوقع حدوث اختراق فى القضايا الخلافية بين البلدين بشأن أوكرانيا. وأضاف أنه رغم العلاقات الثنائية السيئة، فإن هُناك تحسنا فى بعض المجالات، وأنه سوف يتم متابعة كيفية تنفيذ التفاهمات التى تم التوصل إليها فى جينيف والمضى قُدمًا إلى الأمام.

نذكُر هُنا أيضًا تصريح بوتين بعد الاجتماع والذى وصف فيه المباحثات بأنها بناءة ومفتوحة وإيجابية. وأعرب عن أمله فى أن يكون لدى الجانب الأمريكى تقييم مشابه. ثم اقترح فى الأسبوع التالى عقد لقاء وجها لوجه مع بايدن. وبعدها اقترح خلال الاتصال مع الرئيس الفرنسى ماكرون ضرورة بدء مُباحثات مع أمريكا وحلف الناتو بشأن القضايا المُعلقة.

فلماذا اتسم الخطاب السياسى الأمريكى بعد اللقاء بالتركيز على قضية أوكرانيا وتهديد روسيا بالتداعيات الخطيرة التى سوف تترتب على قيامها بغزو أوكرانيا، وقيام بايدن بالاتصال بعدد من القادة الأوروبيين لإصدار بيانات مشتركة فى هذا الاتجاه، ثم اتصاله بالرئيس الأوكرانى وعدد من دول شرق أوروبا للتأكيد على الالتزام الأمريكى بسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها؟

يمكن تفسير هذا الموقف برغبة بايدن فى تقديم واشنطن باعتبارها الغطاء الأمنى والاستراتيجى للاتحاد الأوروبي، وأن دول الاتحاد ما زالت فى حاجة لهذا الغطاء، ورغبته فى ترميم الصورة الأمريكية فى العالم بعد الإخفاق الدبلوماسى والاستخباراتى فى أفغانستان. وربما أيضًا لتدعيم موقفه الداخلى بعد أن تراجعت شعبيته ونسبة تأييده فى استقصاءات الرأى العام إلى أدنى مستوى لها، وأن ذلك يحدث فى سنة انتخابات التجديد النصفى للكونجرس، خاصة مع إدراكه أن اتخاذ مواقف مُعادية لروسيا من الأمور التى يجتمع عليها أعضاء الكونجرس من الحزبين الديمقراطى والجمهوري.

وبغض النظر عن التصريحات والبيانات العلنية الموجهة إلى الرأى العام، فالحقيقة أن كلًا من بايدن وبوتين سياسى واقعى من المُستبعد أن يختزل العلاقات بين البلدين فى قضية واحدة. فكلاهما يدرك حدود استخدام القوة، والآثار المترتبة على مواجهة عسكرية على الحدود بين روسيا وأوكرانيا وعلى الأمن الأوروبى عمومًا. تدرك موسكو جسامة العقوبات الاقتصادية المتوقعة خصوصًا التهديد بوقف استخدام خط غاز نورد ستريم 2، وواشنطن تدرك أنها لا تملك الأدوات العسكرية لمواجهة هجوم روسى على أوكرانيا، وهو ما أبلغته وزارة الدفاع الأمريكية للكونجرس، لذلك فإنه ليس لأى منهما مصلحة فى الحرب، وسوف يحرصان على استمرار الاتصالات الدبلوماسية بينهما للوصول إلى توافق بشأن الوضع فى أوكرانيا ولتفاهمات حول التهديدات الموجهة إلى الاستقرار العالمى والقضايا الإقليمية الساخنة.

نقلا عن الأهرام