أصابت الجسد العربي خلال السنوات ال12 الماضية الكثير من الأمراض التي نقلتها إليه فيروسات ما يسمى «الربيع العربي»، والتي انتقلت من دولة إلى أخرى، ولم تنج من هذه الفيروسات سوى الدول التي تحصنت ضدها بالمناعة الوطنية القادرة على دحر أية أوبئة خارجية، وكان البيت فيها متوحداً في مواجهة أي عواصف تستهدف خلق الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، فيما تمكنت هذه الفيروسات من بعض الشعوب ونشرت الفوضى بين الأهل والأشقاء وفتحت ثغرات للطامعين والإرهابيين للتسلل إليها بأسلحة الخراب والتدمير والتفتيت، ونجحت واحدة من دولنا، وأعني مصر، في وأد الفتنة في مهدها وإطفاء النار قبل أن تحرق الأخضر واليابس لتستعيد نفسها وتعالج أوجاعها وتعيد تحصين أبنائها، وواصلت محاربة الإرهاب وصناع الخراب وشعبها صامد خلف جيشها مؤازر له حتى تحققت النجاة واكتمل النصر.
بعض أعضاء الجسد العربي ظل سليماً ولم تنل منه هذه الفيروسات التي تم تصنيعها في معامل خارجية، رغم الطعنات التي تلقاها من كل حدب وصوب، وذلك بفضل حكمة قيادة تلك الدول وتوحد شعوبها، بينما البعض الآخر فعلت به الفيروسات الأفاعيل، ليتصارع مع ذاته ويفرض الضعف نفسه بدلاً من أن يصد عن ذاته سهام الطعنات الخارجية. وضعف بعض الأعضاء يؤثر سلباً في الأعضاء السليمة مهما كانت قوتها المناعية، ولكي يصلح الجسد كله فلا مفر من أن تتداعى أعضاؤه السليمة بالسهر والحمى للأعضاء المتهالكة، حتى تُشفى من سقمها أملًا في أن يساعد ذلك على استرداد الجسد لعافيته خطوة خطوة، حتى يتمكن من استعادة حضارة الأجداد المسلوبة ومجد الآباء المفقود.
سنوات عجاف عاشتها الأمة العربية، تبعثرت فيها بعض دولها، تقاتل الأهل وتناحر الأشقاء وأدارت دول ظهرها لدول شقيقة، ووجدت بعض دولنا نفسها وحيدة بلا سند ولا داعم، فانقسمت شعوبها شيعاً وجماعات، وبحثت كل جماعة لنفسها عن داعم من الخارج، يمول ويسلح حتى تظل نار الفتنة مشتعلة في الدار، وبعد أن وهن الجسد العربي وأُنهكت أعضاؤه، كان لا بدّ أن تأتي نوبة صحيان يفيق فيها الجميع لضرورة لم الشمل واستعادة الحلم. ولعل القرار الذي اتخذه مجلس وزراء الخارجية العرب خلال اجتماعهم الاستثنائي في القاهرة في السابع من الشهر الجاري بعودة سوريا إلى الجامعة العربية هو بمثابة إحياء لدور عضو مهم في الجسد العربي كان معطلاً منذ 12 عاماً، وقد تكون عودة سوريا هي بداية المساعي لمعالجة الأعضاء المريضة والعاجزة في الجسد العربي أملاً في أن يستعيد عافيته في المستقبل القريب.
سوريا عادت إلى الجامعة العربية ورئيسها بشار الأسد سيجلس على مقعدها في القمة التي ستنعقد في الرياض الجمعة المقبل، وذلك بفضل جهود المخلصين من العرب والحالمين بغد أفضل لهذه الأمة. ولكن أزمة سوريا لن تنتهي إلا بمبادرات تعيد التحام الشعب السوري وتضمن له ما يدفعه للوقوف صفاً واحداً لأجل سوريا المبتغاة، سوريا التي تعيد إليها أبناءها اللاجئين في أربع جهات الأرض.
استعادة الجسد العربي لعافيته مجرد أمل، خصوصاً أن الجسد اعتاد الوهن خلال السنوات الماضية، وما أن تعود الحياة لعضو حتى يمرض آخر، ولعل الأزمة التي يمر بها السودان اليوم أزمة جديدة تضاف إلى رصيد الأزمات التي لا تضعف الجسد العربي فقط ولكنها يمكن أن تهلكه إن لم تصدق النوايا الساعية لحلها وعدم تركها تمتد لسنوات من الاقتتال والتطاحن الذي يدمر الأحلام السودانية.
القمة العربية المقبلة ليست كغيرها، فالأمل معقود في أن تكون قمة الحلول، بعد عودة سوريا والبدء في مفاوضات السلام باليمن، إلا أن جراح البلدين لا تزال مفتوحة وتحتاج إلى المزيد من الجهود لتضميدها، ولا تزال ليبيا ولبنان والعراق تعاني فوضى سياسية ترتد على شعوبها أزمات اجتماعية، أما التحدي الأكبر أمام قمة الرياض فهو الأزمة السودانية التي قد تفرز أزمات وانقسامات عربية جديدة إن لم تتوافق الرؤى على ضرورة سرعة وقف الحرب وعدم الاكتفاء بسياسة الهدن التي لا تصمد ولا تتجاوز كونها مجرد مسكنات سرعان ما تسقط أو تُخترق.
نقلا عن الخليج