يضغط العديد من المشرّعين الأمريكيين، ولا سيما في مجلس النواب ذي الأغلبية الجمهورية، على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لإجراء تغييرات في استراتيجيتها تجاه إيران، التي كانت تركز بصورة رئيسية على إعادة إحياء الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥ الذي انسحبت منه إدارة الرئيس دونالد ترامب في 8 مايو ٢٠١٨، بعد إخفاق جولات المباحثات غير المباشرة في فيينا، وإعلان الرئيس بايدن، على هامش تجمع انتخابي في ٤ نوفمبر الماضي، أن الاتفاق النووي مع إيران “ميت”، بالتوازي مع تصاعد حدة الاحتجاجات الإيرانية منذ منتصف سبتمبر الماضي والتي قابلتها حملة قمع عنيفة من جانب النظام، واستمرار الدعم العسكري الإيراني لروسيا عبر تزويدها بطائرات من دون طيار تستخدمها الأخيرة في قصف البِنى التحتية الاستراتيجية الأوكرانية.
مطالب المشرّعين
يطالب المشرّعون الديمقراطيون والجمهوريون الإدارة الأمريكية بإدخال تعديلات في استراتيجيتها تجاه إيران، وتتمثل أبرز تلك المطالب فيما يلي:
١- تبني سياسة أكثر شمولاً: في ضوء رؤية العديد من المشرّعين الأمريكيين بأن هناك إخفاقات متتالية في السياسة الخارجية لإدارة بايدن تجاه إيران، دعا جيم ريش في مقال بعنوان “التحديات الاستراتيجية للسياسة الأمريكية لـ2023” نشر بصحيفة “الشرق الأوسط”، في ٢٧ ديسمبر الماضي، إلى صياغة استراتيجية أمريكية أكثر شمولاً تتجاوز المفاوضات النووية، وتشمل جميع أدوات القوة الأمريكية، الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، وتستهدف كل جوانب السياسات الداخلية الإيرانية التي تنتهك حقوق الإنسان، وكذلك الخارجية التي تهدد أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط.
٢- تقديم مزيدٍ من الدعم للمتظاهرين: مرر مجلس النواب الأمريكي، في ٢٥ يناير الفائت، قراراً يشيد بشجاعة المتظاهرين الإيرانيين للدفاع عن حقوقهم الأساسية، و”الذين يخاطرون بسلامتهم للتحدث علناً ضد انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها النظام الإيراني”. ويدين القرار القمع العنيف من قبل النظام الإيراني للنساء والرجال المشاركين في المظاهرات الحالية، ويدعو للمساءلة الشفافة عن جميع عمليات قتل المتظاهرين على أيدي قوات الأمن الإيرانية. ويطالب القرار الإدارة ببذل المزيد للرد على انتهاكات النظام الإيراني. وقد صوت مجلس النواب بأغلبية ٤٢٠ صوتاً مقابل صوت واحد لتمريره، في إشارة للإجماع بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري حول دعم المظاهرات الإيرانية.
ويتوقع أن يمرر مجلس الشيوخ نسخة مشابهة من هذا القرار خلال الأيام القادمة، حيث أعاد رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور بوب مينينديز، بعد يوم واحد من تمرير قرار مجلس النواب، تقديم نسخة مجلس الشيوخ من قرار مشابه يشيد بشجاعة المتظاهرين الإيرانيين ويدين انتهاكات النظام لحقوق الإنسان ضدهم.
٣- فرض عقوبات على خامنئي ورئيسي: يضغط عديد من المشرّعين بمجلسي النواب والشيوخ على إدارة الرئيس بايدن لفرض مزيد من العقوبات على قيادات بارزة في النظام الإيراني، حيث يرون أنه بينما يتعرض الإيرانيون للقتل والاضطهاد من قبل النظام، فإن الإدارة الأمريكية لا تزال تحاول التقرب من كبار مسئوليه حتى تتمكن من إبرام صفقة نووية. ويشيرون إلى أن الدول الأوروبية فعلت أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية لمحاسبة النظام الإيراني على انتهاكاته.
وعلى الرغم من فرض وزارة الخزانة الأمريكية، في ٢٣ يناير الفائت، عقوبات على مؤسسات تابعة للحرس الثوري والمسئولين الإيرانيين بسبب قمع الاحتجاجات، والتي بدأت في منتصف سبتمبر من العام الماضي، ومنهم نائب وزير الاستخبارات والأمن وأربعة من كبار قادة الحرس الثوري، فقد أعاد النائب الجمهوري جيم بانكس، في ٢٧ يناير الفائت، تقديم مشروع قانون بعنوان “قانون مهسا أميني لحقوق الإنسان والمساءلة الأمنية”، والذي سيتطلب في حال تمريره وتوقيعه ليصبح قانوناً من الإدارة الأمريكية معاقبة المرشد الأعلى علي خامنئي وأعضاء مكتبه والمعينين من قبله، والرئيس إبراهيم رئيسي وأي تكتلات اقتصادية تابعة للأول.
٤- رقابة جمهورية على سياسة بايدن تجاه إيران: كتب السيناتور الجمهوري جيم ريش في مقاله السابق الإشارة إليه أن الإدارة الأمريكية ليست لديها سياسة ثابتة للتعامل مع إيران، وهو الأمر الذي أسفر عن تشجيع النظام وتقويته. ولذلك تعهد جو ويلسون، الزعيم الجمهوري للجنة الفرعية المعنية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومكافحة الإرهاب العالمية التابعة للجنة الشئون الخارجية في مجلس النواب، في 26 يناير الفائت، بأن الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب ملتزمة بتوفير الرقابة على السياسة الخارجية “الضعيفة” لبايدن تجاه إيران. وقد دعا الإدارة إلى الانسحاب من المفاوضات النووية، لكون العودة إلى الاتفاق النووي الحالي ستمنح النظام الإيراني مليارات الدولارات التي يستخدمها في تهديد أمن إسرائيل وإمداد روسيا بالطائرات من دون طيار التي تستخدمها الأخيرة في إدارة عملياتها العسكرية في أوكرانيا.
٥- معاقبة إيران لدعمها روسيا عسكرياً: طالب عددٌ من أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ إدارة الرئيس بايدن بفرض مزيد من العقوبات على حلفاء روسيا، وخاصة إيران، لدعمها في عملياتها العسكرية في أوكرانيا. فقد انتقد السيناتور الجمهوري تيد كروز إدارة بايدن لعدم معاملتها إيران بـ”القسوة الكافية” بعد تقديمها طائرات من دون طيار وغيرها من أشكال الدعم العسكري لمساعدة روسيا في أوكرانيا، حيث أشار إلى أن طهران تمكنت من تعزيز الحرب التي يشنها الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين في أوكرانيا بشكل كبير. وقد دعا السيناتور ريش إلى ضرورة استهداف الإدارة الأمريكية سلاسل توريد الطائرات من دون طيار لإيران، والتي تشتمل على مكونات مصنوعة في الولايات المتحدة الأمريكية أو من قبل شركات أمريكية، ومعاقبة الشركات التي لا تمتثل للعقوبات الأمريكية.
مقاربة مختلفة
يتوقع مع بداية الكونجرس الجديد (١١٨) الذي تولى مهامه بداية من يناير الفائت، أن يتم الاتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين على تبني مقاربة أمريكية أكثر شمولاً تتخطى اهتمام الإدارة الأمريكية بملف إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، ويكون جوهرها استعادة الردع الأمريكي؛ لاحتواء التهديد الإيراني، وتقليص دعم طهران للجماعات الإرهابية، وتعزيز الاستقرار الإقليمي.
وقد يعمل المشرّعون الجمهوريون والديمقراطيون معاً لصياغة تلك العقوبات الجديدة، ولكن من المرجح أن يحاول الصقور في الحزب الجمهوري إضافة المزيد من البنود التي تجعل من الصعب على اتفاق نووي مستقبلي تعليق العقوبات مقابل تنازلات نووية من جانب النظام الإيراني.
وقد برز هذا النهج المتشدد بدعوة قانون “تفويض الدفاع الوطني” للسنة المالية ٢٠٢٣ إلى إنشاء فرقة عمل تقودها وزارة الخارجية الأمريكية لرصد وتقديم تقارير منتظمة إلى الكونجرس فيما يتعلق بالأسلحة النووية والقدرات الصاروخية الإيرانية، ومطالبته وزير الدفاع-بالتشاور مع وزير الخارجية ومدير الاستخبارات الوطنية-بتقديم استراتيجية لزيادة التعاون مع الحلفاء والشركاء في الشرق الأوسط بشأن إمكانية تحسين مستوى التعاون الدفاعي الجوي والصاروخي المتكامل لمواجهة التهديدات التي تفرضها إيران والمليشيات العسكرية المرتبطة بها.