صفقة الغواصات الفرنسية والعلاقات الأمريكية الأوروبية – الحائط العربي
صفقة الغواصات الفرنسية والعلاقات الأمريكية الأوروبية

صفقة الغواصات الفرنسية والعلاقات الأمريكية الأوروبية



تخلى الرئيس ماكرون هذا العام عن عادته المشاركة فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقرر الاكتفاء بقيام وزير خارجيته Jean-Yves Le Drian بإلقاء بيان فرنسا السنوى فى تعبير عن غضبه الشديد من إلغاء صفقه الغواصات الفرنسية، والذى دفعه إلى استدعاء سفيره فى واشنطن للتشاور فى سابقه تعد الأولى من نوعها فى تاريخ العلاقات الفرنسية الأمريكية، وقد جاء إلغاء الذهاب إلى نيويورك بعد أن تبين صعوبة عقد قمة له مع الرئيس بايدن، وأن المطروح يتمثل فى مجرد إجراء محادثة تليفونية مع الرئيس الأمريكى، فضلا عن إمكانية إجراء مقابلة تقليدية لوزير الخارجية الفرنسى مع نظيره الأمريكى، وقد قامت جريده النيويورك تايمز، فى تناولها لأبعاد أزمة الغواصات الفرنسية، بالتحذير من مغبة مغالاة الرئيس الفرنسى فى غضبه واصفة ردود أفعاله بالمقامرة الكبيرة فى التعامل مع واشنطن، خاصه بعد أن وصف وزير خارجيته الموقف الأمريكى بالوحشية وبالازدواجية وبازدراء الحلفاء، فى لغه تبتعد تماما عن الدبلوماسية وعن الأعراف المتبعة بين الحلفاء حتى عند تفاقم خلافاتهم.

وعلى الرغم من المواقف الصادرة عن الاتحاد الأوروبى والداعمة لفرنسا إلا أنه يصعب عمليا تصور إمكانية تفعيلها، ومن بينها الذهاب إلى حد تأجيل اجتماع اللجنة التجارية الأمريكية الأوروبية، خاصة أن هناك تباينا فى مواقف الدول الأوروبية حول الحدود القصوى التى يمكن أن تذهب إليها فى إظهار المساندة لفرنسا فى أزمتها الراهنة، بما يوحى بأن الذى يمكن أن يتأثر سلباً ينحصر فى علاقات الاتحاد الأوروبى مع أستراليا، ولكن ليس مع الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك مع بعض الصخب غير المجدى مع بريطانيا.

ولا تمثل أزمة الغواصات الفرنسية الصدمة الأولى التى يتلقاها الاتحاد الأوروبى من سياسات الرئيس بايدن، إذ سبقتها فوضى الانسحاب الأمريكى المتعجل من أفغانستان، والذى تم دون إجراء التنسيق الكافى مع الاتحاد الأوروبى أو حتى فى إطار الناتو، فالأوهام التى سيطرت على أذهان الدوائر الأوروبية، والتى ركزت على أن التخلص من ترامب سيؤدى حتما إلى استعادة التعاون بين شطرى الأطلنطى Transatlantic Cooperation وإلى تعزيز أداء الـ NATO قد ضاعفت عمليا من إحباطهم من المواقف التى تتخذها إدارة الرئيس بايدن التى تدرك، كإدارة الرئيس ترامب، أن عدداً من المواقف الأوروبية حيال كيفية التعامل مع روسيا، وكذلك مع الصين، لا يمكن أن تنسجم بدرجة كافية مع المواقف الأمريكية، فأهمية الغاز الروسى بالنسبة لأوروبا وأولوية المصالح التجارية الأوروبية مع الصين تضع قيودا أمام قدرة دول الاتحاد الأوروبى على الاستجابة للمواقف الأمريكية من كيفية التعامل معهما.

وقد أصاب إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية كبرياء ماكرون فى مقتل، خاصة أنها قد تؤثر على فرص نجاحه فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة، ونظرا لتوهمه بمكانته الفريدة بين قادة العالم وقدرته على قيادة الاتحاد الأوروبى منفرداً بعد رحيل أنجيلا ميركل، جاء تجاهل واشنطن ولندن وكانبرا له أو حتى إبلاغه مسبقاً بإلغاء صفقة غواصاته لتضاعف من غضبه، وهو أمر يضاف إلى العقد الفرنسية التاريخية من المكانة الأمريكية باعتبارها قوة لا يمكن الاستغناء عنها Indispensable Power. وفى النهاية لا يمكن تصور إقدام الاتحاد الأوروبى على التضحية بمصالحه مع واشنطن من أجل ماكرون ولا التعاون بين شطرى الأطلنطى وتجانس الـ NATO قد اكتسب قوة دفع جديدة بالتخلص من ترامب أو بفوز بايدن، فالاتحاد الأوروبى لايزال يبدو منقسماً على نفسه، كما زعزعت الصفقة الأمريكية البريطانية مع أستراليا AUKUS، والتى بمقتضاها تم إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية، التحالف الأمريكى مع الاتحاد الأووربى، وفى الوقت الذى وافق فيه الرئيس ماكرون، فى إطار الاتصال التليفونى مع الرئيس الأمريكى، على عودة السفير الفرنسى لواشنطن والذى سبق أن قام باستدعائه إثر تفجر أزمة الغواصات الفرنسية، يلاحظ أن إدارة الرئيس بايدن لم تقم حتى الآن بتعيين سفير لها فى باريس أو لدى الـ NATO وأيضاً لدى الاتحاد الأوروبى، وهو ما يتزامن مع التأخر فى اختيار مساعدين لوزيرى الدفاع والخارجية لتولى قضايا العلاقات الأمريكية مع أوروبا، الأمر الذى قد ينعكس على إمكانية التحرك نحو تعزيز التعاون والتنسيق واللجوء إلى الخيار الدبلوماسى من أجل معالجة الأزمة الراهنة، وتتيح القمة المرتقبة بين الرئيسين الفرنسى والأمريكى، الشهر المقبل، والاتفاق على عقد مشاورات معمقة بين البلدين، الفرصة لمعالجة الأزمة الراهنة التى ستحتاج وقتاً وأفعالاً من الطرفين حتى يمكن احتواء تداعياتها السياسية والأمنية والدفاعية.

نقلا عن المصري اليوم