لا بد أن تعود دمشق لحضنها العربي وامتدادها الطبيعي في محيطها، وأن تكون كما كانت دائماً جزءاً من الكيان العربي الكبير، وتشارك وتسهم في منظومة العمل العربي المشترك وتعود لمكانتها التي لطالما عرفت بها.
ولا يمكن ترك سوريا مسرحاً لتدخلات دولية وإقليمية، حيث تسعى كل دولة لتحقيق مصالحها على حساب وحدة سورياً (أرضاً وشعباً)، فقد استمرت الأزمة لأكثر من عشر سنوات، وهي عشرية استنزفت دماء السوريين وقسّمتهم، ولا بد أن تُطوى صفحتُها تماماً، حيث ما يزال الجرح السوري ينزف ولم تجف الدماء بعد، إذ تحولت مأساة السوري إلى أزمة اقتصادية ومعيشية وخدمية قلَّ نظيرُها، وقد فاقمتها الأوضاع الاقتصادية والدولية لتصبح معاناةً مضاعفةً، لا سيما في ظل نزوح وهجرة الملايين الذين لم يعودوا لمناطقهم ومدنهم وقراهم، بعضهم يعانون داخل مخيمات في لبنان والأردن وتركيا، كما يعاني النازحون في الداخل، خاصة في الشمال الذي ما يزال وضعه ملتبساً.
فلا يمكن أن يتم تقسيم سوريا أو أي جزء منها، لذا فإن الطبيعي عودة جميع الأراضي السورية تحت راية واحدة، ولكل ذلك لا بد من حراك جدي مشترك ينهي الأزمة ويُطلق مرحلةَ مساعدة هذا البلد على النهوض من جديد. دولة الإمارات كعادتها كانت رائدةً وسباقةً في مد يد العون للأشقاء، ودفع العمل العربي المشترك نحو مساندة الدول العربية التي تعرضت لأزمات، وضمن هذا السياق تحرص الإمارات على أن تساند سوريا وتدفع الحراك السياسي، ولا شك في أن زيارة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، إلى دمشق واللقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد، هي تأكيد على عمق العلاقة التاريخية التي تجمع البلدين.
وتسعى الإماراتُ لدعم الحلول السياسية للأزمة السورية وتلبية تطلعات الشعب السوري وتقريب دمشق من محيطها العربي، والعمل يداً بيد على إنهاء الأزمة بكل تفاصيلها، والانتقال نحو مرحلة تضميد الجراح والعمل على نهوض البلد من أزمته.
الملاحظ أيضاً أن الوضع الدولي اختلف الآن؛ فحتى تركيا التي كانت على علاقة متوترة بدمشق لفترة طويلة قد طوت تلك الصفحة، وبدأت بالتقارب مع دمشق برعاية روسية، حيث اجتمع وزيرا دفاع البلدين في موسكو، كما أن هناك حديثاً عن لقاء قد يجمع الرئيسين بشار الأسد ورجب طيب أردوغان، حيث إن التقارب مرهون بإنهاء الوجود التركي في مناطق الشمال السوري، وإذا ما تم ذلك فسيكون حراك جديد في الوضع السوري، وربما بداية لتوحيد كل التراب السوري وطي صفحة الأزمة والانتقال لمرحلة جديدة هي مرحلة البناء والإعمار، وهذا سيكون الأهم في المرحلة المقبلة.
والدول العربية ستدعم مسار الإعمار في سوريا، ولا بد أن يكون الدور العربي في سوريا هو عنوان المرحلة المقبلة، قطعاً للطريق على أي تدخل إقليمي أو دولي يسعى للسيطرة على دمشق بأي طريقة، فوحدهم العرب هم مَن يسعون لمصلحة سوريا ولدعمها ونهضتها.
المرحلةُ المقبلةُ على الصعيد العربي لا بد أن تكون مرحلةَ الاستقرار السياسي على الأصعدة كافة، فليبيا واليمن وسوريا والعراق، كل هذه الدول يتعين أن تعود لموقعها الطبيعي وأن تنتهي أزماتُها.
لقد تعلم العرب من التجربة أن الاستقرار هو الأهم، وأنه لا يمكن أن يتحقق الرخاءُ دون استقرار. وتلك الدول جزء من المحيط العربي، وعندما يكون جارك بخير فلا بد أن تكون أنت بخير. ولعل تجربة العراق علّمت الجميعَ، خاصةً العراقيين، أهميةَ الاستقرار لتحقيق الرخاء والرفاه.
فالمشاهد القادمة من العراق واستقبال البصرة كأس الخليج العربي بعد غياب دام أكثر من أربعين عاماً، ورؤية فرحة العراقيين وهم يستقبلون إخوتَهم العرب في عقر دارهم دليل على ضرورة فرض الاستقرار لتحقيق النهضة والرفاه للشعوب العربية.
نقلا عن الاتحاد