سحر الثقافة العربية في المكسيك – الحائط العربي
سحر الثقافة العربية في المكسيك

سحر الثقافة العربية في المكسيك



لماذا اختارت المكسيك الشارقة تحديداً لتكون ضيف شرف في معرضها الدولي للكتاب الذي يقام في عاصمتها الثقافية «جوادا لاهارا» أو ما يطلق عليها باللغة العربية مدينة «وادي الحجارة»؟.

تحتاج الإجابة عن السؤال السابق، إلى تأمل معطيات عدة باتت راسخة على أرض الواقع، فخلال العقد الأخير تحوّلت الشارقة إلى مركز ثقافي عربي، بكل ما تحمله كلمة «مركز» من معانٍ، تأسست هيئة خاصة للكتاب، ومدينة للنشر، ونما معرض الشارقة للكتاب عاماً تلو الآخر، وحقق نجاحاً عالمياً وفق مؤشرات عدة: عدد الزوار، وحقوق البيع والشراء.

وراء كل هذا حاكم لم يدخر أي جهد في الوصول بالثقافة العربية إلى العالمية، وهو رجل لا يحب الثقافة أو الكتاب وحسب، ولكنه يعشق التاريخ والمسرح والرواية أيضاً، وكان من اللافت وجوده في معظم معارض الكتب العالمية، يصدر كتاباً هنا أو يوقع كتاباً هناك، إنه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.

يدرك سموه تماماً أن الثقافة كلٌّ لا يقبل التجزئة، وأنها حصن العرب الأهم وطريقهم للحضور بين أمم العالم المتحضرة، وكان الحصاد ناجحاً؛ حيث باتت الشارقة رقماً صعباً على المستوى العربي أولاً، وأصبح سلطان بمنزلة الراعي والوالد لجميع المثقفين العرب، ولم تتوقف جهود سموه على الكتاب وحسب، بل امتدت كذلك إلى المسرح والشعر والتشكيل؛ وحان موعد الحصاد الثاني في الانتقال إلى الدائرة الأبعد.. العالم، فحازت الشارقة في عام 2019، لقبَ العاصمة العالمية للكتاب، وحلقت بالثقافة العربية ضيف شرف في جهات الأرض الأربع، من معرض باريس إلى معرض لندن، ومن معرض ساوباولو في البرازيل إلى معرض المكسيك، وهي على موعد مع معرض سيؤول للكتاب بعد مدة قصيرة.

في كل هذه المعارض لا تقدم دولة الإمارات عبر الشارقة الثقافة بمعناها الأقرب الذي يقتصر على الكتب والندوات الأدبية، ولكن هناك الفنون الشعبية، والأزياء التراثية والخط العربي، والحوار بين البشر، أي أنها تقدّم ثقافة تتحرك على قدمين وتخاطب الجميع.

يقاس تحضر الأمم عادة بتمكين المرأة، ولا يكتمل أي مشروع ثقافي إلا بإسهام لافت للنساء، ذلك درس معروف في كل تجارب النهضة، من هنا دور الشيخة بدور القاسمي التي كانت على تماسّ دائم مع نبض الشارقة الثقافي، وسارت على درب والدها أو والد المثقفين العرب، وانخرطت بقوة في الساحة الثقافية، وأسست دار كلمات للنشر، وجمعية الناشرين الإماراتيين، وتميزت بنشاط لا يهدأ حتى وصلت إلى منصب رئيسة الاتحاد الدولي للناشرين.

لماذا اختارت المكسيك الشارقة لتكون أول ضيف عربي يحل على معرضها للكتاب؟ سؤال لا تنتهي الإجابة عنه، ومفتوح على زخم متواصل لا يهدأ، هناك بالطبع الرغبة المكسيكية في الاقتراب من الثقافة العربية؛ نظراً للجذور التاريخية التي تربط بين الثقافتين، وللحضور العربي اللافت في أمريكا اللاتينية، ولكن تظل الشارقة بجهودها ومنجزاتها مدينة تغري أي مثقف في العالم بالتعرف إليها.

في الشارقة كثير من مهرجانات المسرح، والشارقة ترعى بيوتاً للشعر في دول عربية وإفريقية عدة، وفي الشارقة مشروع للكتاب يصل به إلى جميع المواطنين، والشارقة مدينة تهتم بكل ما من شأنه أن يرتقي بذائقة ووجدان الطفل.

منذ عقود نشطت حركة الترجمة من الإسبانية إلى العربية، وتعرفنا إلى عشرات الروائيين الذين يكتبون بالإسبانية ويتوزعون على مختلف البلدان الناطقة بها، وأصابتنا الفتنة بهذا الأدب الذي يشبهنا كثيراً، وحان الوقت لنقدّم لهم جانباً من واقعنا الثقافي لنعرفهم أننا أمة تقرأ وتكتب وتنتج أدباً وفكراً، ويضع أحد حكامها الثقافة في مقدمة أولوياته، ولدينا ثاني امرأة تتولى مسؤولية أكبر جهة نشر في العالم، حان الوقت لنفتنهم بسحر واقعنا الثقافي.

حملت الشارقة علم دولة الإمارات لتكون أول ضيف عربي يحلّ على المعرض، وهو أمر يحمل معه أكثر من مغزى ودلالة، فكما نمدّ أيدينا نحن -الإماراتيين والعرب- إلى الجميع بالمحبة والسلام، ونسعى إلى تحسين صورتنا في العالم، فها هو الآخر يبحث عنا ويسعى إلى التعرف أكثر إلى ثقافتنا، إلى ما نكتبه، يسعى إلى أن يقرأنا في رواياتنا وفي أشعارنا وأطروحاتنا الفكرية، وهذا مكسب كبير لثقافتنا العربية، التي أصبحت قوة ناعمة في الحوار بين الشعوب.

نقلا عن الخليج