في الحلقة الأولى أمس تحدث الكاتب الكبير عن محاولات جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي، ترميم الأخطاء أو المراجعات الأميركية لعلاقاتها في المنطقة… وأكد أنها لن تنجح كما كان يتوقع..
كانت الإشكاليّات في أبو ظبي أقلّ بكثير من تلك التي كانت في المحطّة السعودية.
يُدرك سوليفان بقوّة أموراً جوهرية عدّة لها علاقة بملفّ التعامل مع دولة الإمارات يمكن تلخيصها على النحو التالي:
3- إنّ إقدام الإمارات على توقيع اتفاقات ديبلوماسية مع إسرائيل، هو مُتغيّر استراتيجي في المنطقة أدّى إلى فتح الباب أمام انضمام دول أخرى.
4- إنّ الإمارات الآن هي لاعب جوهريّ ورئيسيّ في ملفّات إقليمية تبدأ من الخليج إلى ليبيا، ومن سوريا إلى لبنان، ومن الصومال إلى دول الساحل الأفريقي، ومن تونس إلى السودان.
فهم سوليفان في زيارته لأبو ظبي رؤية القيادة في ملفّات:
1- اليمن.
2- مشروع الدولتيْن في فلسطين وإسرائيل.
3- مدى جدّيّة إيران في إيقاف تدخّلاتها في المنطقة، والشكّ في صدقيّة التعهّدات الإيرانية.
وعلى الرغم من أنّ سوليفان ليس بائعاً للسلاح الأميركي، إلا أنّ القرار السياسي الأعلى يمرّ بمكتبه في البيت الأبيض، لذلك لم يفُت سوليفان أن يُدرك أنّ إتمام صفقة الـ”إف 35″ الأميركية مع الإمارات هي مسألة يجب أن لا يستمرّ تعطيلها تحت حجّة قيام إدارة بايدن بمراجعة صفقات السلاح للمنطقة.
لمس سوليفان “بدقّة وعن قرب وضوحَ رؤية الشيخ محمد بن زايد في المسار الحالي للعلاقات بين البلدين، وتأكيد الإمارات أنّ انتقال مركز الاهتمام الاستراتيجي لإدارة بايدن من المنطقة إلى المحيط الهادئ وجنوب بحر الصين يجب أن لا يؤثّر على التوازن الإقليمي في المنطقة، ويجب أن لا يوقعها في “الفراغ” أو “المجهول”.
في مصر كانت محطّة أخرى صعبة على سوليفان لأسباب عدّة:
1- تأثُّر سوليفان ابن إدارة باراك أوباما التي راهنت على الربيع العربي، بنظرية “السوفت إسلام” التي بمقتضاها تمّ تأهيل وحماية الإخوان المسلمين لحكم مصر.
2- سبق زيارة سوليفان بأسبوعين قرار الإدارة الأميركية بحجب جزء من المعونة الأميركية العسكرية لمصر، وتعليق مبلغ 135 مليون دولار لحين اتّخاذ القاهرة خطوات لتحسين أوضاع حقوق الإنسان.
3- عدم رضاء مصر عن حجم المشاركة الأميركية في كمّيّة الاستثمارات المباشرة في الاقتصاد المصري، الذي حقّق بشهادة مؤسسات التصنيف الدولية وصندوق النقد الدولي، واحداً من أعلى معدّلات التنمية والربحيّة في السنوات الأخيرة.
المؤكّد أنّ الرئيس السيسي تجاهل بحكمة وذكاء فتح ملفّ تعليق المساعدات العسكرية، وركّز على حثّ الإدارة الأميركية على لعب دور نشط وإيجابي في ملفّ سدّ النهضة، والضغط من أجل انسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا.
لم يتجاهل سوليفان دور مصر الأساسي والمهمّ في تحقيق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، خصوصاً بعد التقدير العالي الذي نقلته تل أبيب من خلال نتانياهو سابقاً، والنتائج الإيجابية لزيارة نفتالي بينيت الأخيرة لمصر.
بعد هذا كلّه نسأل: ما هي خلاصة نتائج رحلة سوليفان إلى مصر والسعوديّة والإمارات؟
– هي رحلة تبديد مخاوف بعد الخروج الأميركي المرتبك من أفغانستان.
– هي جولة أكّد فيها أنّ انتقال مركز الاهتمام الاستراتيجي من المنطقة إلى المحيط الهادئ وجنوب بحر الصين، لا يعني الغياب أو الفراغ الأميركي.
– هي إشارةٌ إلى أنّ الإشادة بالدور القطري في ملفّ أفغانستان لا تعني استبدال الأدوار المهمّة والأساسية والثقل الكبير لهذه الدول بالدوحة.
تتعلّق أهميّة زيارة سوليفان بالتوقيت الحسّاس في مرحلة إعادة تشكيل ومراجعة الاستراتيجية الكونية لواشنطن في ظل إدارة بايدن، في عالم مرتبك سياسياً، مأزوم اقتصادياً، يعيش حالة من السيولة المخيفة، وحالة غير مسبوقة من عدم التيقّن.
ترجع أهمّيّة دور مستشار الأمن القومي الأميركي إلى أنّه يتعلّق بالرجل الأقرب إلى أذن الرئيس الأميركي.
من هنا يمكن فهم زيارة الشيخ محمد بن زايد لفرنسا وبريطانيا ذات التوقيت الشديد الذكاء.
ومن هنا يمكن فهم إنجاز مصر لصفقات كبرى مع روسيا والصين وفرنسا وإيطاليا.
نحن في عالم كونيّ في طور التشكّل، حيث الجميع يعرف كيف يبدأ، لكن، قطعاً، لا أحد يعرف بعد شكله النهائيّ.
المهم أن نفهم العالم الجديد، ونفهم الواقعيّة الجديدة لواشنطن، والأهمّ أن يفهمونا على أنّنا أصدقاء، وأنّنا لسنا تابعين ولن نكون.
نقلا عن الشرق