دوافع واشنطن لتأسيس قاعدة عسكرية في الرقة السورية – الحائط العربي
دوافع واشنطن لتأسيس قاعدة عسكرية في الرقة السورية

دوافع واشنطن لتأسيس قاعدة عسكرية في الرقة السورية



يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى إعادة إجراء تغييرات في تمركزها العسكري داخل سوريا خلال المرحلة القادمة، بالتوازي مع التطورات الميدانية التي طرأت على الساحة السورية، على غرار التهديدات التركية بشن عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، وانشغال روسيا بإدارة الحرب في أوكرانيا.

وفي هذا الصدد، أشارت تقارير عديدة إلى أن واشنطن تستعد للإعلان عن العودة إلى تعزيز دورها مجدداً في مدينة الرقة السورية، عبر تأسيس أول قاعدة عسكرية لها، وذلك بعد انسحابها من المدينة قبل أكثر من ثلاث سنوات بالتوازي مع شن عملية “نبع السلام” التركية في عام 2019.

وتكشف هذه الخطوة عن أن واشنطن تعمل على تكريس وجودها العسكري طويل الأمد في سوريا والبدء في اتخاذ خطوات إجرائية لتعزيز هذا الوجود، على نحو يبدو جلياً في اتجاهها إلى تسيير دوريات عسكرية شمال سوريا ترفع العلم الأمريكي.

مقاربة مختلفة

اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة الماضية نحو تعزيز حضورها العسكري على الساحة السورية، وتكثيف انخراطها في الترتيبات الأمنية التي يجري العمل على صياغتها، في ظل الانشغال الروسي بإدارة العمليات العسكرية في أوكرانيا، بالإضافة إلى توجه أنقرة نحو شن عملية عسكرية جديدة في الشمال السوري عقب وقوع تفجير اسطنبول في 13 نوفمبر الفائت.

وربما تعزز هذه التطورات من احتمالات صياغة ترتيبات أمنية جديدة تشمل شكل ونمط الانتشار والتسليح الأمريكي في سوريا. وثمة مؤشرات عديدة تكشف عن مساعٍ حثيثة من جانب واشنطن لتعزيز قدراتها العسكرية في سوريا، سواء بشكل عام من خلال توسيع قواعدها المركزية أو عبر العمليات التكتيكية في جبهات القتال، بما يعني أن لدى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن خطة عملية مستقبلية تستهدف تكريس وجودها العسكري، وذلك بخلاف إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب التي اتجهت في عام 2019 إلى تقليص مستوى الوجود العسكري في سوريا.

اعتبارات رئيسية

يمكن تفسير هذا التوجه الأمريكي الجديد نحو تعزيز الوجود العسكري عبر تأسيس قاعدة جديدة في مدينة الرقة السورية في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تعزيز الانخراط في الترتيبات الأمنية: يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى عبر توسيع نطاق حضورها العسكري من خلال بناء قاعدة عسكرية جديدة في الرقة، إلى تثبيت دورها في عملية صياغة الترتيبات الأمنية والسياسية التي يمكن أن تجري خلال المرحلة القادمة، على ضوء التحولات الميدانية التي طرأت على المشهد السوري، وقد بدا ذلك جلياً في تكثيف واشنطن نشاطها في الملفّ السوري خلال الأشهر الماضية، عَبْر اتخاذ سلسلة من الخطوات التي يمكن أن تساهم في ترسيخ حضورها في المعادلة السورية كفاعل دولي رئيسي.

في سياق متصل، فإن إنشاء قاعدة عسكرية للقوات الأمريكية في الرقة يؤشر إلى أن ثمة توجهاً أمريكياً مغايراً، يرتكز على أهمية تثبيت الوجود العسكري في هذه المنطقة على المديين القريب والمتوسّط بالتوازي مع استبعاد الرؤية القديمة التي تبنتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في عام 2019، وكانت تقوم على تقليص عدد القوات والمواقع العسكرية الأمريكية في سوريا.

2- موازنة الدور البارز للخصوم والحلفاء: لا تنفصل هذه الخطوة الجديدة التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية عن تبني إدارة بايدن استراتيجية جديدة لتوسيع نطاق دورها المستقبلي على الساحة السورية، بهدف تقليص، أو على الأقل موازنة حضور خصومها وحلفائها في الوقت نفسه على الساحة السورية.

وتشير اتجاهات عديدة إلى أن واشنطن تسعى في المرحلة الحالية إلى توظيف انشغال موسكو في إدارة العمليات العسكرية في أوكرانيا من أجل ممارسة ضغوط قوية على الأخيرة، بهدف الحد من مساعيها للتمدد في مناطق شرق وشمال شرق سوريا.

كما تستهدف واشنطن -على جانب آخر- الحد من تطلعات تركيا التي تسعى إلى بناء منطقة عازلة على طول حدودها الجنوبية مع سوريا بعمق 30 كم، وتستغل عملية اسطنبول لتبرير هذا التوجه الجديد، وهو ما ترى الأولى أنه لا يتوافق مع مصالحها وحساباتها في الوقت الحالي.

ويؤشر التوجه الأمريكي الجديد إلى أن هناك سباقاً عسكرياً بين القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في المشهد السوري يتجاوز الأحداث الراهنة إلى ما بعدها، على نحو بات يثير قلق واشنطن من تهميش دورها، لا سيما في ظل الجهود التي تبذلها كل من موسكو وطهران لدعم التفاهمات السياسية التي يجري التوصل إليها في المرحلة الحالية بين أنقرة ودمشق.

3- مراقبة الأنشطة العسكرية الإيرانية: تتبنى الإدارة الأمريكية الحالية رؤية تقوم على أن تراجع الحضور العسكري الأمريكي في سوريا خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب توافق مع مصالح وحسابات إيران، التي نجحت في تعزيز تمددها لا سيما في مناطق شرق الفرات، وهو الأمر الذي وفّر لها فرصة لإعادة هيكلة توازنات القوى لصالحها على نحو دفع إسرائيل إلى التدخل من أجل الحيلولة دون تفاقم تداعيات ذلك على أمنها، وهو ما انعكس في الضربات العسكرية المتتالية التي تشنها الأخيرة ضد المواقع التابعة لإيران والمليشيات الموالية لها والنظام السوري. وهنا، يمكن فهم توجه واشنطن نحو بناء قاعدة عسكرية جديدة في الرقة، والتي قد تستهدف، في جانب منها، مراقبة الأنشطة المتزايدة لإيران في مناطق شمال وشرق سوريا، خاصة أن القاعدة الأمريكية الجديدة لا تبعد كثيراً عن المواقع العسكرية الإيرانية.

4- مواجهة النشاط العملياتي لـ”داعش”: لا تستبعد الإدارة الأمريكية، على ما يبدو، احتمال عودة تنظيم “داعش” إلى تفعيل نشاطه في المناطق الرئيسية التي سبق أن سيطر عليها، معتمداً في هذا السياق على وجود خلايا تابعة له في تلك المناطق، خاصة في ظل المعطيات الجديدة التي بدأت تفرضها التهديدات التي توجهها تركيا بشن عملية عسكرية جديدة، على نحو دفع مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية (قسد) إلى التحذير من أن ذلك لن يساعدها على حماية المخيمات والسجون التي تضم عناصر التنظيم، وهو ما سعت من خلاله إلى ممارسة ضغوط على القوى المعنية بالحرب ضد “داعش” من أجل التحرك لإقناع أنقرة بوقف التحضير للعملية العسكرية الجديدة.

توظيف عسكري

ختاماً، يمكن القول إن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى توظيف التطورات الراهنة التي طرأت على الساحة السورية، وفي الصدارة منها احتمال اتجاه أنقرة إلى تنفيذ تهديداتها بشن العملية العسكرية في المناطق التي تسيطر عليها المليشيا الكردية، بالإضافة إلى الانشغال الروسي بمجريات الحرب في أوكرانيا، من أجل تثبيت حضورها العسكري في سوريا، ومحاصرة تحركات الخصوم والحلفاء أو على الأقل تحييدها. ورغم أن واشنطن لا تمتلك، في الغالب، رؤية استراتيجية شاملة للتعامل مع مستجدات الأوضاع في سوريا، إلا أن إعلانها تأسيس قاعدة عسكرية جديدة في الرقة يشير إلى أنها ما زالت مصرة على أن تتحول إلى رقم مهم في تطورات المشهد السوري خلال المرحلة القادمة.