تكتسب الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة التونسية، أحمد الحشاني، إلى الجزائر، في 5 أكتوبر الجاري، والتي التقى خلالها بالرئيس عبد المجيد تبون ورئيس الحكومة أيمن بن عبد الرحمن، أهمية خاصة؛ حيث تعد أول زيارة خارجية له منذ توليه منصبه، وتشير إلى الأهمية التي توليها تونس لتعزيز العلاقات مع الجزائر، ربما لإظهار أنها الحليف الرئيسي للأولى في منطقة المغرب العربي، كما أنها تعكس درجة متنامية من التقارب السياسي مع الجزائر إزاء العديد من الملفات التي تحظى باهتمام مشترك من الجانبين.
ومن المتوقع أن تسفر التحركات التونسية لتعزيز التقارب مع الجزائر عن إبرام صفقة سياسية تضمن الدعم التونسي للموقف الجزائري في ملف الصحراء مقابل الدعم الاقتصادي الجزائري لتونس، وهو ما قد يدفع بمزيد من التوترات التونسية-المغربية. كما يتوقع أن تلقي هذه التحركات بظلالها على الداخل التونسي بشكل يزيد من حدة الاستقطابات السياسية الداخلية نتيجة محاولة قوى معارضة إثارة نوع من الجدل حول أهداف وتداعيات التحركات الخارجية التونسية.
أهداف عديدة
رغم أن العنوان الرئيسي للزيارة التي قام بها رئيس الحكومة التونسية أحمد الحشاني إلى الجزائر هو المشاركة في اجتماع اللجنة العليا المشتركة التونسية-الجزائرية في دورتها الثانية والعشرين، إلا أنه يمكن القول أن ثمة أهدافاً أخرى سعت تونس إلى تحقيقها عبر تلك الزيارة، ويتمثل أهمها في:
1- مواجهة التحديات الاقتصادية المستمرة: ترى تونس في الجزائر شريكاً اقتصادياً يمكن الرهان عليه لاحتواء تداعيات الأزمة الاقتصادية التي تواجهها. وتهدف الزيارة، في قسم منها، إلى تسريع تنفيذ 26 اتفاقية وقّعها الطرفان لتعزيز التعاون الاقتصادي في مختلف القطاعات، والحصول على الدعم الجزائري لمواجهة أزمة التمويل الخانقة التي تمر بها البلاد.
وقد عكس حجم الوفد الذي رافق الحشاني هذا الاهتمام الذي توليه تونس لتعزيز الشراكة الاقتصادية مع الجزائر، حيث رافق رئيس الحكومة وفد يضم وزراء المالية والاقتصاد والتخطيط والتجارة وتنمية الصادرات والنقل والسياحة، علاوة على وزيرى الداخلية والخارجية.
2- احتواء الخلافات السياسية القائمة: شهدت العلاقات بين البلدين حالة من التوتر والفتور بسبب فرار الناشطة الجزائرية أميرة يوراوي إلى فرنسا مروراً بالجمهورية التونسية في فبراير الماضي، وهو الأمر الذي خلّف حالة من عدم الثقة لدى السلطات الجزائرية، التي لم تستبعد، على ما يبدو، أن تكون الحكومة التونسية قد قدمت دعماً لهذه الناشطة. لذلك، يُشير مراقبون إلى أن زيارة الحشاني تهدف إلى احتواء الخلافات السياسية، وتعزيز التقارب مع الجزائر التي تنظر بقلق تجاه محاولات إسرائيل تطوير العلاقات مع تونس بشكل يمكن أن يزيد من عزلة الجزائر في منطقة المغرب العربي، ولا سيما بعد تطوير العلاقات بين المغرب وإسرائيل خلال المرحلة الماضية.
3- تنسيق الجهود في مواجهة الضغوط الأوروبية: تتعرض الدولتان لضغوط أوروبية بسبب ملف الهجرة غير النظامية، وخاصة في سياق الاضطرابات الأمنية التي تمر بها منطقة الساحل الأفريقي، بعد الانقلاب الذي وقع في النيجر، إلى جانب ليبيا. ويبدو أن بعض الدول الأوروبية تستخدم ملف الهجرة كورقة للضغط على الدولتين لتوجيه سياستيهما في مسار يتلاءم مع أهداف السياسة الأوروبية في المنطقة.
وقد أشارت تقارير عديدة إلى تصاعد التوتر بين تونس والاتحاد الأوروبي بعد رفض الرئيس التونسي قيس سعيّد، في 14 سبتمبر الفائت، استقبال وفد من البرلمان الأوروبي لمراجعة مذكرة التفاهم بشأن الهجرة غير النظامية. كما رفض دعماً مالياً من الاتحاد الأوروبي باعتبار أن المبلغ المعلن عنه زهيد وغير كافٍ لدعم جهود تونس في هذا المجال. علاوةً على التوترات الأخرى والمرتبطة بموقف الاتحاد الأوروبي المتحفظ على بعض السياسات الداخلية في تونس.
انعكاسات محتملة
من المتوقع أن تفرض هذه الزيارة انعكاسات محتملة على صعيد العلاقات التونسية-الجزائرية، وذلك على النحو التالي:
1- إبرام صفقات سياسية بين الدولتين: ربما تسفر هذه التحركات عن اصطفاف تونسي مع الجزائر، وعقد صفقة سياسية تضمن حصول تونس على دعم اقتصادي من الجزائر، خاصة في ضوء الضغوط الخارجية التي تتعرض لها الأولى التي تواجه أزمة اقتصادية حادة، بعد أن تعثرت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن الحصول على قرض بحوالي 1.9 مليار دولار، وهو ما قد يدفعها للبحث عن شراكات ثنائية وعقد صفقات سياسية مع العديد من دول المنطقة.
2- تصاعد التوترات التونسية-المغربية: يكتسب التقارب التونسي-الجزائري اهتماماً خاصاً من جانب المغرب، التي تراقب التحركات السياسية الجزائرية، والتي تستهدف بالأساس، وفقاً لرؤية الرباط، استقطاب مزيد من الدعم الإقليمي والدولي للسياسة الجزائرية إزاء قضية الصحراء، خاصة أن التوتر ما زال يمثل عنواناً رئيسياً للعلاقات مع تونس، منذ إقدام المغرب على استدعاء سفيرها لدى الأخيرة، في 26 أغسطس 2022، احتجاجاً على مشاركة زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، في قمة “تيكاد” اليابانية-الأفريقية التي عقدت في تونس في هذا الوقت.
3- زيادة حدة الاستقطاب داخل تونس: تسعى بعض القوى السياسية التونسية إلى استغلال هذه التحركات التي تقوم بها الحكومة من أجل توجيه مزيد من الانتقادات للسياسة التي تتبناها الدولة، لاسيما على المستوى الخارجي، وتحديداً تجاه بعض القضايا الرئيسية على غرار قضية الصحراء. وهنا، فإن ذلك يعني في المقام الأول أن هذه القوى تستغل بعض التطورات الخارجية لخدمة أهدافها في الداخل، وهو ما يبدو أنه سوف يستمر خلال المرحلة القادمة، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد.
مرحلة جديدة
في المجمل، تشير زيارة رئيس الحكومة التونسية أحمد الحشاني إلى الجزائر في هذا التوقيت إلى رغبة تونس في تعزيز التعاون الاقتصادي مع الأخيرة في مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وقد سبق أن قدمت الجزائر دعماً اقتصادياً لتونس في مواجهة التحديات الاقتصادية التي تعاني منها، علاوةً على رغبة تونس في احتواء التوترات السياسية والدبلوماسية وطمأنة الحكومة الجزائرية إلى أن التحركات الخارجية التي تقوم بها ليست موجهة ضد الجزائر، بما يوحي بأن ثمة مرحلة جديدة من التقارب سوف تبدأ بين تونس والجزائر خلال المستقبل القريب.