يتولى الرئيس الإيراني «المحافظ» إبراهيم رئيسي منصبه رئيساً لإيران مبتدئاً فترة ولايته الأولى وسط أزمات وتحديَّات داخلية وخارجية تُعَد الأصعب منذ الثورة الإيرانية في عام 1979، حيث يواجه الرئيس الإيراني الجديد تركةً ثقيلة من الأزمات المتناثرة الاقتصاديّة والدبلوماسيّة والمشاكل الاجتماعيّة التي أورثها النظام. تأمل دول المنطقة، ودول الخليج على وجه الخصوص، في أن يفتح الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي فصلاً جديداً من العلاقات الإقليميّة القائمة على التعاون وبناء جسور الثقة للحفاظ على الاستقرار والأمن والمصالح الاقتصاديّة لهذه المنطقة الحيوية. ومع ذلك؛ فإنَّ التفاؤل ليس هو سيد الموقف كون أغلب المؤشِّرات تشير إلى أنَّ بوصلة إيران القادمة ستتّجهُ نحو مزيد من التشدّد والتصعيد باتجاه الإقليم والعالم. فرئيسي يلتزم موقف المرشد كليّاً، ومعروفٌ عنه قربه من «الحرس الثوري»، وله ماضٍ قاتم في ما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان. سبق لرئيسي أن أعلن أنَّ حكومته تقوم على مبادئ «الثورة الإسلامية» ونهج مؤسِّسها آية الله الخميني، وهذا يؤكّد بوضوح أنَّ رئيسي سيكون منقاداً ومطيعاً للمرشد، ولن يخرج من عباءته، وأنَّ رئيسي أتى ليعيد ضبط ساعة المجتمع وقيمه من منظور ثوري.
لم يكن رئيسي «المتشدِّد» الوحيد الذي وصل إلى السلطة، إذ تبع انتخابه ترشيحُ مسؤولين في الحكومة من جناح «المحافظين» المتمسكين بخط الثورة والذين كان أغلبهم ضباطاً بــِ«الحرس الثوري» أو تربطهم علاقات قوية معه. تضمنت قائمة الوزراء المرشَّحين لحكومة الرئيس إبراهيم رئيسي، اسماً متهماً بالإرهاب وآخر بالفساد وآخرين وردت أسماؤهم في قضايا مشبوهة كانوا قد تقلدوا مناصبَ بارزة في «الحرس الثوري» وفي حكومات سابقة. نجح المرشد الأعلى علي خامنئي في تحويل كلّ مفاصل الحكم بيد «المتشدِّدين» وعناصر «الحرس الثوري» السابقين المنتهجين لمنطلقات الثورة الإيرانية والمتبنيّن لمواقف المرشد الأعلى. أصبح من الماضي اليوم الحديث عن معادلة جناحَي «الإصلاحيين» أمام «المحافظين».
نشاهد اليوم تحولاً للنظام الإيراني بمجالسه وحكومته التنفيذية إلى لونٍ واحد ورؤية واحدة لتنفيذ ما يقرّهُ المرشد الأعلى وما تشير به دائرة صنع القرار القريبة منه، بما يعني أنَّنا باتجاه رسم ملامح لمرحلة عصيبة على المستوى الإقليمي. والأبعد من ذلك، أنه جاء في إطار الإعداد لعمليَّة أكثر حساسية تتعلق بتأمين عمليَّة انتقالٍ آمن لمنصب المرشد الأعلى في مرحلة ما بعد خامنئي تضمنُ استمرارية ولاية الفقيه مرجعيةً للحكم في إيران. بدا واضحاً أن رئيسي هو المرشَّح الأقوى ليكون المرشد الأعلى حتّى ولو لم يصل إلى مرتبة «آية الله»، ودافع عنه المرشد خلال مراسم تنصيبه قائلاً: «إنَّ إبراهيم رئيسي يتمتَّع بالتأييد الشعبي والخبرة الطويلة».
ولتثبيت سلطة الخط المتشدد، أصدر المرشد الإيراني علي خامنئي قراراً بتعيين القاضي ورجل الاستخبارات غلام حسين محسني إجئي على رأس السلطة القضائية خلفاً لإبراهيم رئيسي، وهو ما أثار مخاوف مراقبي حقوق الإنسان من تفاقم وضع حقوق الإنسان في إيران خلال الفترة القادمة، كونه من أبرز المسؤولين الإيرانيين المتَّهمين بالضلوع في قمع أصحاب الفكر والرأي وملاحقة الناشطين السياسيين خلال توليه مناصبَ قضائية وأمنية مختلفة.
كما عيّن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي السياسي محمد مخبر دزفولي القيادي السابق في «الحرس الثوري» ورئيس «لجنة تنفيذ أمر الإمام الخميني» (سِتَاد)، بمنصب النائب الأول لرئيس الجمهورية، وهو المدرَجُ في القائمة السوداء من قِبل الولايات المتحدة في مطلع العام الجاري.
أيضاً، منح البرلمان الإيراني الثقة لـ18 وزيراً مرشَّحاً لحكومة رئيسي الجديدة، من أصل 19 مرشَّحاً، في قائمة طغت عليها أسماء محسوبة على تيار «المحافظين». يلاحظ في هذه القائمة عدم وجود أيّ امرأة أو مرشّح من أهل السنة على قائمة رئيسي؛ ما يشير إلى أنَّ السلطات «المتشدِّدة» الحاليَّة تعمل على تعميق الهُوة بين أبناء الوطن الواحد وتمارس تمييزاً واضحاً.
أوضح التوجه العام لهذه التعيينات الوزارية سيطرة الحرس الثوري على الوزارات السيادية. إذ ضمت القائمة الدبلوماسي السابق أمير عبد اللهيان، المحسوب على «فيلق القدس»، لحقيبة الخارجية. يمتلك عبد اللهيان علاقات جيّدة بوكلاء إيران الإقليميين في ما يسمى «محور المقاومة» على رأسها ميليشيات العراق و«حزب الله» اللبناني ويتَّسمُ بالتماهي مع توجهات المرشد الأعلى. وسبق أن شغل منصب سفير إيران لدى البحرين بين عامَي 2007 و2010، واتضحت لاحقاً علاقته المشبوهة مع المعارضة البحرينية ذات التوجه الشيعي. هذه السيرة لوزير الخارجية تجعلنا نخرج باستنتاج أنَّ السياسة الخارجية في عهده لن تشهد ذلك الانفتاح على الآخر الذي تنتظره دول المنطقة.
كذلك تمَّ قبول ترشيح أحمد وحيدي لحقيبة الداخلية، وهو الجنرال السابق بــ«الحرس الثوري»، وهي الوزارة السيادية الثانية التي يتولاها بعدما تولى وزارة الدفاع في حكومة محمود أحمدي نجاد الثانية (2009- – 2013). وهو أحد المسؤولين الإيرانيين المطلوبين للإنتربول لاتّهامه بالتورط في حادثة تفجير المركز اليهودي في بوينس آيرس. يتضح من خلال سيطرة الحرس الثوري على هذه الوزارة السيادية أنه سيكون له دور في إحكام سيطرته وإشرافه على مؤسَّسات قوى الأمن الداخلي المنوط بها الإشراف على عمليَّات استتباب الأمن وفرض إرادة النظام على الشارع الإيراني.
أما وزارة الدفاع فكانت من نصيب العميد محمد رضا آشتياني، وهو مدرجٌ من قِبل واشنطن في قائمة العقوبات في يناير (كانون الثاني) 2020، وشغل آشتياني منصب نائب رئيس أركان القوات المسلحة منذ 2019 حتّى الآن. اشتمل البرنامج الوزاري الذي قدّمهُ وزير الدفاع الإيراني للحكومة المقبلة للبرلمان الإيراني على جملةٍ من النقاط والمحاور الأساسية ضمن برنامجه الوزاري القادم. وتضمّنت أبرز الركائز الأساسية والمبادئ السياسيّة للنظام الإيراني مواصلة الدعم للجماعات الإرهابية في دول العالم والمنطقة بمختلف الجوانب العسكريّة والسياسيّة وشرعنة التدخلات الإيرانية في الدول التي توجد بها. وأكدت خطته التمسك بموضوع تطوير البرنامج الصاروخي والباليسيتي بوصفها أبرز عناصر الردع الإيراني.
كذلك تمَّ قبول ترشيح إسماعيل خطيب لحقيبة الأمن والاستخبارات، وقد كان مديراً عاماً لمكتب استخبارات قُم منذ عام 1991 ولمدة 12 عاماً متتالية، ثُم بعد ذلك تولى منصب رئيس إدارة حماية المعلومات في السلطة القضائية لمدة سبع سنوات، ثمّ انتُخب رئيساً لمكتب المرشد علي خامنئي في قُم؛ بما يعني أنه مقرّب من المرشد الأعلى الذي وافق على ترشيحه.
في النهاية، فهذه الانتقائية للعناصر «المتشدِّدة» للتمثيل الجديد لحكومة رئيسي تشكل دلالات بأنَّ النظام يشعر بتآكل شعبيته ويريد أن يفعل كل ما يلزم لتماسكه وإبقاء سلطاته والحفاظ على خط الثورة. هذا النهج الذي يعود للماضي ولا يتجه نحو المستقبل لا يتوافق مع تطلعات المجتمع الإيراني وأغلبه من جيل الشباب الذين طرأت عليهم تغيُّرات جوهرية وبدأوا يتطلعون إلى التحديث والتغيير ويرغبون في انتزاع البلاد من حالة التدهور الكبيرة التي تشهدها. وعلى المستوى الخارجي، فإن سيطرة المحافظين على الحكومة سيزيد من الشكوك حول نوايا إيران في تحسين علاقتها بدول الجوار وصولاً إلى مقاربات إستراتيجية تضمن حلولاً للقضايا الأمنية العالقة في المنطقة.
نقلا عن الشرق الاوسط