خلافات «الإخوان» وانشقاقاتهم – الحائط العربي
خلافات «الإخوان» وانشقاقاتهم

خلافات «الإخوان» وانشقاقاتهم



«جماعة الإخوان» جماعة دينية سياسية لها تاريخ طويل وامتداد جغرافي واسع، وهي بطبيعة الحال تشتمل على تياراتٍ وأجنحةٍ، صقورٍ وحمائم، عجائز وشباب، قياداتٍ تصطرع على السلطة والمال والعلاقات والاستثمارات، وهو ما يجري في الخلاف الجاري بين جبهتي «لندن» بقيادة إبراهيم منير و«إسطنبول» بقيادة محمود حسين.

يتابع موقع «العربية نت» هذه الخلافات بتميز واستقصاء، ويعرض تفاصيل الخلافات وشخصيات الفاعلين في كل جبهةٍ ومسؤولياتهم وطبيعة المسائل الحساسة التي يتصاعد الخلاف حولها، وهذا مهمٌ لأن رصده مفيدٌ علمياً وعملياً للفهم أولاً وللتعامل ثانياً.

هذا من جهةٍ، وبالمقابل فغير العلمي وغير المفيد، هو أن يسعى البعض من رصد هذه الخلافات ليثبت أن مشروع «الإسلام السياسي» و«جماعة الإخوان» ليس شاملاً ولا يمثل اتجاهاً سياسياً وفكرياً خطيراً مع الزعم بأن الخلافات تعني التناقض والانشقاقات تعبّر عن النهاية، وهذا خطلٌ في القول والفكر والتحليل.

«جماعة الإخوان» جماعة سياسية منظمة وحين تتعرض للضغوط القوية تتخلخل وتتصدع وهذا أمرٌ طبيعيٌ، حدث سابقاً وشواهده التاريخية معروفة في مصر وفي غيرها، ولولا الدعم «الأصولي» والسياسي من بعض الدول الإقليمية التي تجمع بعض قيادات الجماعة، والوساطات التي تطلقها بعض الكيانات «الإخوانية» من بعض الدول العربية، لولا ذلك لكانت الأمور أكثر سوءاً بالنسبة للجماعة، وخلافات «إبراهيم منير» وإخوان «لندن» مع «محمود حسين» وإخوان «إسطنبول» هي من هذا الباب.

ما يقوله التاريخ وتحدث به التجربة هو أن هذه الخلافات موجودة وتزداد بتزايد الضغوط وتضييق الخناق على الجماعة ورموزها ومؤسساتها وأن الطموحات الشخصية في تحصيل «السلطة» والسيطرة على الجماعة والأطماع في «مليارات» الجماعة هي داء «إخواني» قديمٌ، فأفرادها يرضعون الاستماتة في طلب السلطة في محاضن الجماعة ويجعلون ذلك ديناً وإيماناً وعبادةً ثم تكون استباحة المال أهون ما تمكن استباحته.

تاريخ «حسن البنا» وتنظيرات «سيد قطب» وفقه «محمد الغزالي» و«يوسف القرضاوي» وغيرها عشرات الأمثلة كلها تدفع باتجاه أن عناصر الجماعة يجب أن يطغى عليهم حب السلطة والرغبة العارمة في الاستحواذ عليها داخل الجماعة وداخل الدولة وفي كل زمان ومكانٍ، وما يبقي الجماعة موحدةً هو قوة القيادة وتماسك هيكل الجماعة التنظيمي في أوقات الرخاء، ولكن تلك الرغبات المحمومة والأيديولوجيا الصارمة التي تدعمها تدفع في حالة الاختلال والضعف إلى طغيان تلك العقائد والمشاعر وصعود المصالح والمطامع لتسيطر على المشهد.

منذ إنشائها ظلّت «جماعة الإخوان» نهباً للدول التي تدعمها من الخارج، فمنذ البدايات المبكرة حظيت الجماعة بدعمٍ بريطاني سخيٍ وقد استثمرت فيها «أميركا» وصولاً إلى لحظة ما كان يعرف بـ«الربيع العربي»، ولكن دولاً إقليميةً دخلت على الخط فقد استثمرت في الجماعة كل من «إيران» و«تركيا» و«ماليزيا» وهذه الدول تستخدم الجماعة لتحقيق مصالحها هي لا مصالح مصر ولا مصالح الجماعة، والجماعة عبر تاريخها لا ترد يد لامسٍ كما تقول العرب.

الخطيئة السياسية التي كانت ترتكب سابقاً هي اعتبار خلافات الجماعة وانشقاقاتها مؤشراً على نهاية خطرها وانهيارها، وبالتالي التقليل من شأنها وإضعاف التركيز عليها وفي كل مرةٍ جرى ذلك كانت الجماعة تعود وتتماسك، وهو ما يجب التنبه له حتى لا تعود الجماعة بعجرها وبجرها وشرورها مجدداً.

أخيراً، فـ«النازية» في أوروبا هزمت هزيمةً نكراء عسكرياً في الحرب العالمية الثانية، ولكن هزيمتها الحقيقية كانت «فكريةً» وهي الهزيمة التي منعتها من العودة مجدداً و«جماعة الإخوان» هي نسخة من «النازية» بشكل أو بآخر وهي لم تهزم عسكرياً وأخطر من هذا أنها لم تهزم فكرياً بعد، والمعركة معها طويلة.

نقلا عن الاتحاد