نشرت الدكتورة نيفين مسعد في صحيفة «الأهرام» المصرية، يوم السبت الماضي، مقالاً مهماً بعنوان «حركة النهضة وصناعة الصورة الذهنية»، جاء فيه: «لا تختلف حركة النهضة عن سواها من حركات الإسلام السياسي في براعة إنتاج الصورة البراقة عن نفسها كحركة ديمقراطية تتمسك بالدستور وتدافع عن التعددية السياسية»، وأشارت إلى النشاط الكثيف لآلتها الإعلامية لنشر هذه الصورة على أوسع نطاق كمدخل لرفض قرارات الرئيس التونسي في 25 يوليو الماضي، وركزت على توظيف الحركة لصورة رئيسها ورئيس مجلس النواب المُجَمَّد راشد الغنوشي وهو يقف مع نائبته وبعض النواب أمام أبواب البرلمان المغلقة، لبيان المفارقة التي يجسدها وجود النواب خارج البرلمان، وكذلك ركزت على أحاديث الغنوشي في الفضائيات العربية والدولية وكتاباته في صحف أجنبية كبرى للترويج لفكرة أن «حركة النهضة» مرجع للديمقراطية، وبالتالي فإن استهدافها استهداف للديمقراطية! وتداعت إلى ذهني على الفور صورة معاكسة تعود إلى الماضي القريب حين حاصر الآلاف من أنصار جماعة «الإخوان المسلمين» (الحركة الأم لكل حركات الإسلام السياسي) مبنى المحكمة الدستورية العليا في مصر في ديسمبر2012 لمنع أعضاء المحكمة من دخولها كي لا تتمكن من عقد جلستها المخصصة للنظر في الدعاوى التي طالبت ببطلان مجلس الشورى والجمعية التأسيسية للدستور، وهو ما اعتُبر تحدياً للإعلان الدستوري الذي سبق الحصار بأيام، وتضمن عدم جواز قيام أي جهة قضائية بحل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور، وكانت الهتافات المعادية للمحاصِرين تتهم المحكمة بالسعي لهدم مؤسسات للدولة المنتخبة وتطالب بحلها، وقد نجح المحاصِرون للأسف في منع قضاة المحكمة من دخولها وتأجيل جلستها لأجل غير مسمى.
ومما يفضح الطبيعة الشمولية للحركة أن ذلك الحصار الإخواني للمحكمة الدستورية العليا في مصر جاء عقب أيام قليلة من صدور الإعلان الدستوري الشهير من رئيس الجمهورية الإخواني آنذاك، في نوفمبر من السنة نفسها، وهو الإعلان الذي حسم بما لا يدع مجالاً لأي شك الطبيعة الفاشية لنظام حكم «الإخوان»، فبالإضافة إلى ما سبق ذكره من سلب الإعلان اختصاصات القضاء الدستوري، فقد تضمّن تحصين القرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة في 30 يونيو2012 وحتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد، لتكون نهائية ونافذة بذاتها وغير قابلة للطعن عليها بأي طريقة وأمام أي جهة. كما نص الإعلان على عدم جواز التعرض لقرارات رئيس الجمهورية بوقف التنفيذ أو الإلغاء، وعلى انقضاء جميع الدعاوى المتعلقة بها والمنظورة أمام أي جهة قضائية. ويدعون بعد هذا كله أنهم «حماة الديمقراطية»، فيا لها من حماية!
وقد يُقال إنه لا تنبغي المساواة بين «الإخوان المسلمين» و«حركة النهضة»، لكن بغض النظر عن علاقة الفرع بالأصل، وهي علاقة ثابتة ولا تحتمل أدنى شك، فقد تضمّن المقال المشار إليه للدكتورة نيفين مسعد ما هو أخطر بخصوص الحركة، وهو فقدانها حتى للديمقراطية داخلها، أي بين أنصارها، وقد استشهدت في هذا الصدد برفض الغنوشي تفعيل النظام الأساسي للحركة الذي وافق عليه مؤتمرها العام العاشر في 2016 فيما يتعلق برئاسة الحزب، إذ يمنع النظام تولي الرئاسة لأكثر من دورتين متتاليتين (أي 8 سنوات)، ومع أنه يتولى الرئاسة منذ أكثر من نصف قرن، فقد رد على عريضة وقّعها 100من أعضاء الحركة طالبته بالإعلان عن عدم ترشحه لرئاسة الحزب مجدداً بالتمييز بين السياسيين والقادة الذين يتم استبدالهم عبر الانتخابات لأنهم يخضعون لعوامل التهرئة الناتجة عن الحكم وبين زعماء الأحزاب «ذوي الجلود الخشنة».. وبعد هذا يتصورون أن بمقدورهم أن يخدعوا كل الناس كل الوقت!