جولة دبلوماسية لنظام محاصر – الحائط العربي
جولة دبلوماسية لنظام محاصر

جولة دبلوماسية لنظام محاصر



يختصر رد الفعل الإيراني على استعمال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني تعبير “الخليج العربي” في افتتاح دورة البصرة الرياضية لدول الخليج، حقيقة النظرة الإيرانية للجوار العربي من جهة، ومدى حاجة النظام الإيراني إلى تعزيز الشعور القومي الفارسي في مواجهة الأزمات الداخلية من جهة ثانية، ويؤكد من جهة ثالثة ازدواجية الخطاب الرسمي في التعاطي مع الدول المحيطة التي يطلق عليها اسم الدول “الشقيقة” في ما يعمل على إنهاكها وإلحاقها.

العراق في الأدبيات الإيرانية، دولة “شقيقة” لكنها استحقت توبيخاً علنياً وافتراءً صريحاً على رئيس حكومتها وتقويله قولاً لم ينطق به، وكل ذلك بلسان وزير الخارجية “الفارسي” حسين أمير عبداللهيان عنصر الحرس الثوري الإيراني، الذي يتولى دبلوماسية بلاده بعد أن عمل طويلاً منسقاً لنشاطاتها الخليجية.

استدعى عبداللهيان، عشية زيارته إلى بيروت، السفير العراقي لدى طهران نصير عبد المحسن لتوبيخه، كما صرح، على “استخدام السلطات العراقية مصطلحاً وهمياً بدلاً من الخليج الفارسي، ما أثار حساسية الشعب الإيراني العظيم تجاه استخدام المصطلح الدقيق والكامل للخليج الفارسي”.

ثارت “حساسية الشعب الإيراني العظيم” على ورود اسم الخليج العربي في الدورة الرياضية العربية، ولم يحصل ذلك للمرة الأولى، فمنذ سنوات يخوض نظام طهران معركة ضد “الخليج العربي”، حتى أنهم هددوا بمقاطعة شركات طيران إذا لم تلتزم التسمية الفارسية، وأعلنوا عزمهم مقاضاة “غوغل” إذا استعمل تعبير “الخليج العربي”، لكن اختيارهم محاسبة العراق هذه المرة، له أبعاد أخرى، فاختيار مدينة البصرة للألعاب الخليجية أثار غضباً مضاعفاً لدى نظام يعتبر العراق بلداً تابعاً والبصرة مدينةً ملحقة.

أبعد من ذلك، كانت إيران تضع السوداني تحت الاختبار في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لاحظت وكالة “مهر” الرسمية الإيرانية أنه “عندما فاز المنتخب الإيراني لكرة القدم على منتخب ويلز (في مونديال قطر) هنأ محمد شياع السوداني، في خطوة غير مسبوقة بين رؤساء الدول، إيران بفوزها، وهذا يدل على أن العلاقات بين البلدين تسير على المسار الصحيح”.

المسار الصحيح يعني في الترجمة الإيرانية الرضوخ لموجبات سياسة نظام المرشد، وهو ما تقوله صراحة الأحزاب التابعة لإيران في العراق.

علي تركي النائب عن “عصائب أهل الحق” في مجلس النواب العراقي، يقول إن حكومة السوداني هي حكومة مقاومة، فـ”المقاومة أصبحت تمثل وجهة نظر العراق الرسمية وهي من تدير دفة الأمور اليوم”، أما قيس الخزعلي زعيم “العصائب” المذكورة فقد سبق نائبه في وصف السوداني بـ”المدير العام لحكومة تقودها المقاومة”.

اعتبرت السلطة الإيرانية اختيار البصرة للقاء الخليجي وقول السوداني بالخليج العربي، خروجاً عن “المسار الصحيح” أي التابع إلى حد إلغاء الذات، وذهب عبداللهيان أبعد من ذلك عندما نسب إليه ما لم يقله في أن السوداني “صحح هذه المسألة في مقال نشره على الفضاء الافتراضي!”.

بحث المهتمون كثيراً عن هذا التصريح ولم يجدوه، لقد اخترعه عبداللهيان من جملة اختراعاته عن الدول “الشقيقة”، أما السوداني فاكتفى في تصريحات لصحيفة “بيلد” الألمانية بالقول، “العراق لن يكون طرفاً في سياسة المحاور في المنطقة والعالم، وهو يعتمد مبدأ العلاقات المتوازنة مع دول الجوار”.

إنه جواب على القائلين بـ”محور المقاومة” الإيراني وصدمة للعاملين في خدمة إيران على امتداد المحور المذكور، ومسألة تسمية الخليج لن تكون سوى معلم على طريق التمييز بين عرب الاستقلال والسيادة وعرب المرشد وولاية الفقيه.

خاض عبداللهيان معركة امتحان الحكومة العراقية قبل أن يقصد بيروت ليواصل تفقد استثمارات نظامه على شاطئ المتوسط، وصل إلى العاصمة اللبنانية محملاً بصدمة البصرة وبيان سعودي – مصري واضح في حزمه. شدد البيان الذي وقعه وزيرا خارجيتي البلدين في إشارة واضحة لإيران “على رفض أية محاولات لأطراف إقليمية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، أو تهديد استقرارها وتقويض مصالح شعوبها، سواء كان ذلك عبر أدوات التحريض العرقي أو المذهبي، أو أدوات الإرهاب والجماعات الإرهابية، أو عبر تصورات توسعية لا تحترم سيادة الدول أو ضرورات احترام حسن الجوار”.

بين “التمرد” العراقي الذي جعل مقتدى الصدر يكشف “انزعاج إيران من اندماج شعوب الخليج العربي”، ويؤكد أنها “جمهورية قومية فارسية لا إسلامية”، والموقف السعودي (الخليجي) – المصري الحاسم في رفض السياسات الإيرانية التخريبية، حط عبداللهيان في بيروت التي يستعملها منبراً في المناسبات لتوجيه رسائل مزدوجة المعنى، ويتفقد خلالها الأنصار في “حزب الله” و”الجهاد”.

كانت الزيارة محطة في جولة تشمل لبنان وسوريا. البلدان اللذان يحظيان بتدخل إيراني كثيف، لكنهما يكادان يخرجان عن طوق المرشد، مثلما تكاد انتفاضة إيران تهز أسس النظام في لبنان يعجز الحليف عن فرض رئيس يسميه للجمهورية، وفي سوريا يُطرح مشروع اتفاق سوري – تركي برعاية روسيا بعيداً من ثلاثي أستانا واليد الإيرانية.

في مناخ غير ملائم، من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق، يتحرك رئيس الدبلوماسية الإيرانية قبل أن ينتقل إلى موسكو للقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف في زيارة عنوانها الرسمي العودة إلى مفاوضات الاتفاق النووي!

لا يذهب عبداللهيان إلى موسكو الحليف الأساسي المفترض بعناصر قوة إضافية كان يأمل بها، ففي بغداد نصحوه باعتماد تسمية الجمهورية الفارسية إذا كان مصراً على تسمية الخليج الفارسي، وفي دمشق وضعه رئيس النظام السوري بشار الأسد في أجواء المفاوضات المتقدمة مع الغريم التركي، أما في بيروت وبينما كان الوزير الإيراني يجود بالنفط والغاز على اللبنانيين المحرومين، كانت صحيفة بلاده “آرمان ملي” تكتب في صدر صفحاتها، “جاء الثلج. ليس لدينا غاز ولا كهرباء. المدينة في عطلة”، وزادت عليها زميلتها “كار وكاركار” في عنوان، “تحذير تجاه توقف الإنتاج. قطع الغاز أوقف عمل كثير من الصناعات”.

إنها نهاية أخرى لكلام معسول يتقنه نظام قمعي مرتبك، ما يجعل المراقب يترجم التصريحات والمواقف الإيرانية على عكس ما تقول، فلا يبقى جدياً منها سوى التمسك بلا عروبة الخليج العربي.

نقلا عن اندبندنت عربية