جولة بايدن… إما استراتيجيّة مواجهة ضد إيران أو استراتيجيّة تعايش مع اتّفاق نووي – الحائط العربي
جولة بايدن… إما استراتيجيّة مواجهة ضد إيران أو استراتيجيّة تعايش مع اتّفاق نووي

جولة بايدن… إما استراتيجيّة مواجهة ضد إيران أو استراتيجيّة تعايش مع اتّفاق نووي



الرئيس جو بايدن سيأتي إلى الشرق الأوسط في جولة على عدد من حلفاء أميركا الرئيسيين في المنطقة، حاملاً استراتيجية تتضمن شيئاً من اثنين: إما خطة عمل مشتركة مبنية على فشل المفاوضات مع إيران والذهاب في منحى تصعيدي يتضمن تحركات لوقف برنامجها النووي والحد من تمدد نفوذها في المنطقة، أو خطة عمل مبنية على اتفاق نووي جديد قد يتم التوصل إليه مع إيران لوقف برنامجها النووي، ويتضمن آلية مشتركة لاحتواء الميليشيات الحليفة لإيران من أجل الحد من نفوذها. فأميركا تدرك أن عمر أي اتفاق نووي مع إيران لن يدوم كثيراً إن لم يكن حلفاؤها في المنطقة بمأمن من سياسات إيران التوسعية.

فإدارة الرئيس بايدن، بحسب بعض المصادر الموثوقة، لن تكرر خطأ إدارة الرئيس باراك أوباما التغاضي عن تصرفات إيران “العدوانية” في المنطقة لتسهيل الوصول إلى اتفاق مع إيران واستمراره. بل ستعمد إلى أخذ خطوات عسكرية للرد على أي أعمال استفزازية للحرس الثوري الإيراني والميليشيات الحليفة له في المنطقة، وفصل الاتفاق النووي كلياً عن هذا الموضوع. الهدف الأساسي لأميركا وأوروبا اليوم هو إعادة النفط والغاز الإيرانيين إلى الأسواق العالمية من أجل تخفيض أسعارهما التي انعكست سلباً على الاقتصاد العالمي وزادت من التضخم في معظم دول العالم.

وتؤكد بعض الجهات المطلعة على المفاوضات غير المباشرة بين أميركا وإيران أن الطابة اليوم هي في الملعب الإيراني، حيث باتت طهران متيقنة من أن إدارة بايدن لن تذعن للمطالب المتعلقة برفع الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب، ولن ترفع العقوبات عن الجهات الإيرانية والمتعلقة بالإرهاب، وهي تضم بغالبيتها قيادات في الحرس الثوري والميليشيات التابعة له. سيتم فقط رفع العقوبات المتعلقة بتصدير النفط والغاز والتعامل المصرفي، ما سيسمح للشركات الغربية بمعاودة التعامل مع الشركات الإيرانية. وبالتالي، فإن تحديد مسار الأمور في المنطقة اليوم متوقف على الخيار الذي ستتخذه إيران في ما يخص الاتفاق النووي مع أميركا.

تستعد دول المنطقة للاحتمالين عبر إيجاد واقع إقليمي جديد سيضع إيران أمام خيارات صعبة. فدول “منتدى النقب” تتابع اجتماعاتها التنسيقية على مستوى الخبراء والمسؤولين من وزارتي الخارجية والدفاع. وآخر هذه الاجتماعات كان يوم الاثنين في البحرين، وشاركت فيه وفود من الإمارات العربية المتحدة ومصر والمغرب وإسرائيل والولايات المتحدة. وقد يشكل المنتدى المنصة المناسبة لتأسيس ما أطلق عليه العاهل الأردني “حلف ناتو الشرق الأوسط”. فعمليات التنسيق في أوجها بين إسرائيل والدول العربية الموقعة على اتفاقيات سلام معها. وأهم القواسم المشتركة بين هذه الدول اليوم هو اعتبارها إيران مصدر تهديد كبيراً لأمن المنطقة.

وتتناقل وسائل الإعلام الإسرائيلية تناقلاً شبه يومي معلومات عن مصادر حكومية وعسكرية إسرائيلية عن ازدياد التنسيق العسكري بين إسرائيل وبعض دول الخليج، وآخر هذه الأخبار هو نشر إسرائيل منصات رادار وطائرات حربية في دول الخليج الموقعة على الاتفاقيات الإيراهيمية. ما من تأكيد رسمي أو حتى تعليق من أي جهة عربية على هذه التسريبات التي لا يستبعدها العديد من المراقبين. فهي، وإن كانت صحيحة، تدل إلى حجم التنسيق الاستراتيجي اليوم لتعزيز القدرات الدفاعية ضد التهديدات الإيرانية من صواريخ بالستية وجوالة وطائرات من دون طيار.

فربط منظومات الدفاع الجوي تعني تقوية الإنذار المبكر وقدرة اعتراض الأهداف الجوية للدول الأعضاء، بحيث ستتمكن الدول من التعامل مع تهديدات بزاوية 360 درجة، أي من الاتجاهات كافة. ونشر طائرات حربية إسرائيلية مؤشر إلى استعداد هذه الدول ميدانياً للرد بسرعة على أي اعتداءات مستقبلية. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي المستقيل نفتالي بينيت قد أعلن قبل فترة وجيزة أن إسرائيل قررت أن يكون ردها العسكري من الآن وصاعداً ضد إيران مباشرة وليس فقط ضد ميليشياتها في المنطقة. وهي في الفترة الأخيرة تشن حرباً استخبارية ناجحة في عقر دار طهران التي أقالت نتيجة ذلك مسؤول الاستخبارات في الحرس الثوري بسبب إخفاقاته المتعددة.

هناك ترقب شديد لنتائج زيارة بايدن للسعودية، لما لذلك من تأثير في أي تحركات مستقبلية في المنطقة. وتتحدث مصادر غربية عدة عن جهود لضم المملكة إلى المحور الدفاعي الإقليمي الذي يرجح أن يشمل دول منتدى النقب إلى جانب الأردن، وربما دولاً خليجية أخرى. يرى البعض أن القيادة السعودية قد تشارك في المحور لكن من دون توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل في هذه المرحلة. لكن لا شيء مستبعداً اليوم نتيجة تسارع التطورات الدولية وتنامي المخاطر من جانب إيران وحلفائها. فالسعودية التي تتصرف قيادتها بثقة وبراغماتية عاليتين تتطلبهما الواقعية السياسية ستتحرك بحسب ما تقتضيه مصالحها وأمنها واستقرار المنطقة.

طبعاً ستتأثر الدول التي تخضع للنفوذ الإيراتي تأثراً كبيراً بالاتجاه الذي ستؤول إليه الأمور، نتيجة قرار طهران في ما يخص الاتفاق النووي وكيفية تعاملها مع المحور الدفاعي الجديد في المنطقة. نفوذ حلفاء إيران في كل من لبنان والعراق وسوريا واليمن يتآكل نتيجة الواقع الاقتصادي الصعب والانقسامات السياسية الداخلية، وطهران عجزت حتى اللحظة عن تأمين دعم دولي أو ضمانات خارجية لمستقبل حلفائها في هذه الدول. لكن هذا لا يعني أن طهران بصدد التخلي عن مكتسباتها في هذه الدول، بل ستعمد جاهدة للحفاظ عليها عبر تسهيل بعض التفاهمات والاتفاقيات داخلها التي تحافظ على وجود حكومات مركزية، لكن ضعيفة. فالميليشيات الإيرانية في هذه الدول، وتحديداً شمال إسرائيل، هي جزء أساس من منظومة الردع الإيرانية، ومن استراتيجية الدفاع ضد أي هجمات من إسرائيل أو دول أخرى في المنطقة.

سيكون هناك ترقب لموقف روسيا من المحور الدفاعي الجديد وتطور العلاقات العربية – الإسرائيلية. فهل ستجد فيه فرصة أو مصدر خطر؟ كما أن موقف تركيا من المحور سيكون مهماً، بخاصة إذا ما قررت الانضمام إليه، ما سيشكل عزلة إقليمية شبه تامة لطهران. فالمنطقة مقبلة على تغيرات كبيرة ومتسارعة، وكل خطوة لا تُحسب جيداً من أي دولة ستكون عواقبها كبيرة علىيها. فهامش الخطأ في الأجواء الدولية والإقليمية المشحونة اليوم ضيق جداً. واحتماليات الحرب متعادلة مع احتماليات الاستقرار. فما دام الصراع الإقليمي قائماً مع إيران سيبقى أي استقرار تعيشه المنطقة هشاً ومرحلياً، وعوامل انهياره موجودة دائماً.

نقلا عن النهار العربي