تهدئة تركية .. فماذا بعد – الحائط العربي
تهدئة تركية .. فماذا بعد

تهدئة تركية .. فماذا بعد



شهد الشهر الحالى إحياءً للتصريحات التركية الإيجابية تجاه مصر بدءا بتصريحات المتحدث باسم حزب «العدالة والتنمية» بشأن وجود روابط وطيدة بين القاهرة وأنقرة، وتصريحات وزير الخارجية عن استئناف الاتصالات الدبلوماسية مع القاهرة للمرة الأولى منذ يونيو٢٠١٣ لإعادة العلاقات إلى طبيعتها، وأنه لا توجد شروط مسبقة من الجانبين، وإن كان التحرك ليس سهلا بين ليلة وضحاها بعد انقطاع العلاقات لسنوات طويلة، كما أعرب عن استعداد بلاده لتوقيع اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وأكمل أردوغان هذه التصريحات بتصريحه بأن عملية التعاون مع مصر فى مجالات المخابرات والدبلوماسية والاقتصاد مستمرة، وأنه لا توجد مشكلة فى هذا، وأن: الصداقة بين الشعبين المصرى والتركى أكبر من العلاقات بين الشعبين المصرى واليوناني!، وليست مثل هذه التصريحات بجديدة على النخبة التركية الحاكمة منذ أن لم تترك مصر مجالاً لشكٍ فى أنها لن تتوانى عن الدفاع عن مصالحها فى مواجهة السياسات التركية فى المنطقة، سواء بإعلان خطها الأحمر فى يونيو٢٠٢٠، أو بشبكة العلاقات الدبلوماسية التى عززتها والمناورات العسكرية التى قامت بها مع أصدقائها فى شرق المتوسط» ولقد تناولت فى هذه الصفحة بتاريخ 27/8/2020 تحت عنوان «أفكار حول الأمن فى شرق المتوسط» تصريحات تركية تحدثت على استحياء عن «عودة العلاقات المصرية – التركية» عبر الحوار والتعاون، كما أبرزت وسائل إعلام تركية آنذاك رغبة النظام التركى فى استقرار دائم لمصر، وأن العالم العربى والإسلامى والشرق الأوسط بحاجة لمصر قوية ومستقرة، وأشرت فى تلك المقالة إلى البون الشاسع بين هكذا تصريحات وبين ما كان يصدر عن اردوغان من تعريض بالنظام والقيادة فى مصر عقب ثورة يونيو٢٠١٣، بل إنه أعرب آنذاك عن استعداده لحل النزاعات البحرية فى شرق المتوسط من خلال الحوار القائم على الإنصاف، وتمنيت على السياسة المصرية أن تتحداه بالدعوة لمؤتمر دولى سيكون مناسبة لفضح عدم التزام تركيا بالقانون الدولى للبحار، وأن الإنصاف الذى يقصده ليس إلا التسليم بوجهات النظر التركية المناقضة للقانون الدولي.

وليس عندى أدنى شك فى أن التصريحات التركية الأخيرة أو تلك المشار إليها فى أغسطس٢٠٢٠ تعكس استجابة النظام التركى للأزمة التى يواجهها فى سياساته تجاه مصر والمنطقة لاعتبارات داخلية وخارجية إقليمية وعالمية، فعلى الصعيد الداخلى يواجه اردوغان معارضة قوية لعل التصريحات الأخيرة التى أدلت بها ميرال أكشينار رئيسة حزب الخير التركى خير دليل عليها، فقد تحدثت عن الخسائر السياسية والاقتصادية التى لحقت بتركيا من جراء تأييد اردوغان للإخوان المسلمين وكيف أنه لولا عناده مع مصر لكانت اليد التركية أقوى فى شرق المتوسط، وتهكمت بقولها إنه لم يبق لتركيا سوى أربعة أصابع لإشارة رابعة ساخرةً من تلذذ اردوغان طويلاً باستخدام إشارة الإخوان لأحداث رابعة، وواصلت تهكمها بسؤاله «هل ستترك رابعة يتيمةً الآن؟ ومادمت ستعود فلم عرضت تركيا لكل هذه الخسائر؟، وطالبته بالاعتذار للشعب التركى قبل فتح صفحة جديدة مع مصر، أما الاعتبارات الخارجية فيبرز منها على الصعيد الإقليمى الدور الدبلوماسى والعسكرى الذى قامت به مصر فى التصدى للسياسات التركية فى ليبيا وشرق المتوسط، والذى تتعمد دوائر خارجية عديدة إغفال أهميته رغم أن التسلسل الزمنى لمؤشرات التهدئة التركية يثبت فعاليته، خاصة وأنه تم بالتعاون مع قوى عربية كالإمارات وأوروبية كاليونان وقبرص، أما على الصعيد الدولى فليس ثمة شك فى اعتراض الاتحاد الأوروبى على سياسات اردوغان المنتهكة لسيادة عضوين فيه بالتنقيب غير المشروع عن الموارد الطبيعية فى مياه تخص اليونان وقبرص أو متنازع عليها على الأقل، وإن كانت مواقف الاتحاد كالعادة لم ترق إلى المستوى المطلوب بسبب الانقسامات داخله، كما أن الموقف الأمريكى وإن اعترض فى ظل إدارة ترامب على شراء تركيا صواريخ إس٤٠٠ من روسيا وعلى دور تركيا فى الصراع الأذربيجاني-الأرمينى توهم حينا دورا لها فى تطويق النفوذ الروسي، وكلها مؤشرات على أهمية الدور الذى لعبته مصر فى التصدى لسياسات اردوغان.

ليس ثمة شك إذن فى أن التهدئة التركية اضطرارية فكيف يكون الموقف المصرى منها؟ تنطلق المواقف المصرية من سياسة policy بمعنى خطة أو قرار بعيد المدى يسهل اتخاذ القرارات فى المواقف المختلفة ولا تُتخذ بالقطعة، فكما أن القرارات المصرية على الصعيد العربى تنطلق من حماية كيانات الدول الوطنية العربية مثلاً فإنها تنطلق على الصعيد الإقليمى من تعزيز الاستقرار وحل المنازعات بالطرق السلمية، ولذلك فلا شك فى أن مصر تنظر بعين الإعتبار لأى تطورات تضع العلاقات مع قوة إقليمية بوزن تركيا فى شريحة العلاقات التعاونية بشرط بديهى وهو ألا يتعارض ذلك مع المصالح المصرية، والمؤشرات على هذه السياسة عديدة وآخرها تصريحات السيد سامح شكرى وزير الخارجية الأحد الماضى أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، فقد أكد حرص مصر على استمرار العلاقة الوثيقة بين الشعبين المصرى والتركى وأن المواقف السياسية السلبية من الساسة الأتراك لا تعكس هذه العلاقة، فماذا لو أن هناك نية تركية حقيقية فى المراجعة؟ هنا يبرز مبدأ أفعال لا أقوال الذى أكده الوزير فى عديد من المواقف، وهو ما يعكسه تصريحه بأننا لو لمسنا تغييرا فى السياسة التركية تجاه مصر وعدم التدخل فى الشئون الداخلية وانتهاج سياسات إقليمية تتوافق مع السياسة المصرية فقد تتوافر أرضية ومنطلق للعلاقات الطبيعية، وأُشدد على هذا الشق الأخير، فقد يتصور اردوغان أن مصر قد تتراجع عن مواقفها العربية والإقليمية ثمنا لتطبيع علاقتها بتركيا، وهو الوهم بعينه، فلا تراجع عن رفض الوجود العسكرى التركى فى ليبيا ولا عن التنسيق مع الأصدقاء فى شرق المتوسط من أجل إقليم مستقر يحفظ حقوق الجميع وفقا للقانون الدولي.