هطلت أمطار صيفية غزيرة وصلت إلى حد السيول الجارفة غير معتادة فى نهايات شهر يوليو الماضى على جميع دول الخليج بما أثار التساؤلات حول تفاقم تداعيات تغيرات المناخ. فمن المعروف أن الأمطار الصيفية أكثر غزارة من الأمطار الشتوية وهى عادة التى تسبب الفيضانات النهرية ومعها السيول المطرية التى تتسبب فى وفيات العديد من البشر. وتشير تقارير الهيئة الحكومية الدولية لتغيرات المناخ إلى أن التغيرات المناخية ستتسبب فى الظواهر الجانحة العنيفة والتى تتضمن أمطارا وسيولا مدمرة أو زيادة لتكرار نوبات الجفاف أو تكرار لهبوب الأعاصير المدمرة بالإضافة إلى احتمالية كبيرة لإزاحة الأمطار من الجنوب إلى الشمال ليزداد جفاف دول الجنوب وتزيد الموارد المائية لدول الشمال. هناك أيضا تأثيرات ظاهرة النينو أى الرياح وموجات البحر الدفيئة التى تضرب سواحل العديد من الدول ومنها القرن الأفريقى فترفع حرارة هواء هذه المناطق وتقلل من رطوبة الجو بما يمنع تكوين السحب الممطرة على هذه المناطق وإزاحتها شمالا.
وإذا ماطبقنا هذه القواعد على ماحدث فى دول الخليج سنجد تجسيدا لكل ماتوقع من تغيرات المناخ فقد حدث إزاحة للأمطار شمالا لتنتقل من اليمن وجنوب المملكة العربية السعودية لتصل إلى الإمارات وقطر والكويت والبحرين وهى دول الأمطار الشتوية وسقوط الأمطار عليها فى شهر يوليو وبهذه القوة والغزارة لهو من الظواهر الجانحة المتطرفة لتغيرات المناخ، وبما يشير إلى أن تغيرات المناخ قد تحولت من توقعات ترقى إلى حد اليقين إلى يقين كامل يلمسه جميع سكان كوكب الأرض سواء فى ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض أو فى ذوبان أجزاء كبيرة من ثلوج القطبين أو الدفء النسبى لدول القطب الشمالى مثل السويد والنرويج وكندا وروسيا والتى لم تعد تشهد الانخفاضات الكبيرة فى درجات حرارة الشتاء بما يزيد من مواردها المائية ويفجر العيون المائية الجبلية ويشحن المياه الجوفية.
وفى المقابل ارتفعت درجات حرارة وتراجعت الأمطار وجفت بعض الأنهار فى دول الجنوب شاملة دول شمال وجنوب البحر المتوسط، كما حدث من جفاف فى إسبانيا وإيطاليا أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعى بشكل حاد فى إسبانيا والتى تعتمد على الهطول المطرى وبدأت العودة إلى زراعات الصوبات الزراعية الموفرة للمياه والتى تستهلك نحو 20% من مثيلاتها فى زراعات الحقول المفتوحة حتى إن العديد من مدن جنوب إسبانيا أطلق عليها المدن البلاستيكية نظرا لانتشار وسيادة زراعات الصوبات الزراعية والتى تظهر فى التصوير الجوى على كونها غطاء بلاستيكيا لهذه المدن. وبالمثل تدهورت إنتاجية أشجار الزيتون التى تزرع على منحدرات الجبال والتلال فى كل من إسبانيا وإيطاليا واليونان ووصل الأمر إلى جفاف العديد من الأنهار الصغيرة التى كان يعتمد عليها فى الرى وفى تخزين المياه أمام بعض السدود الصغيرة بما حول مناطق جنوب أسبانيا وإيطاليا إلى مناطق ندرة مائية تهدد وفرة الإنتاج الزراعى من الخضراوات والفاكهة والتى تعتمد عليها باقى دول أوروبا شديدة البروة فى شهور الشتاء، والتى سيسمح لها الدفء العالمى بأن تزرع العديد من صنوف الخضراوات والفاكهة والتى كانت تعتمد على استيرادها من إسبانيا وإيطاليا ودول جنوب المتوسط فى مصر وتونس والمغرب.
هذا الأمر يوضح أيضا أن صادرات الدول العربية فى شمال إفريقيا إلى أوروبا سوف تصبح مهددة فى المستقبل القريب والبعيد وعلينا أن نعيد هيكلة السياسات الزراعية لنتحول إلى زراعة الحاصلات الإستراتيجية التى نستوردها خاصة القمح والذرة الصفراء وزيوت الطعام لدوار الشمس وفول الصويا والفول والعدس، وأن نقلل كثيرا من زراعات الزهور والخضراوات والفاكهة إلا بما ستسمح به أسواق الصادرات المتراجعة وبما يكفى احتياجات الاكتفاء الذاتى دون زيادة، وأن نبتعد قليلا عن التوسع فى إنتاج اللحوم الحمراء عالية الاستهلاك للمياه فى البلدان التى لا تتمتع بوجود المراعى الطبيعية ولا الأمطار الغزيرة.
قد يؤثر الأمر أيضا على الثروة الحيوانية فى بعض البلدان الأوروبية الشهيرة خاصة فى هولندا والمانيا وأيرلندا والتى تعتمد على المراعى الطبيعية والأمطار الغزيرة والتى يستمر فيها فصل الشتاء لنحو عشرة شهور فى العام وبالتالى يكون فيها معدلات بناء اللحوم فى الأبقار فى ذروته بعكس الدول المدارية والحارة والتى يستمر فيها الشهور الحارة لتسعة أشهر وبالتالى يكون معدلات الحرق فيها عاليا ولا يساعد الأبقار على بناء اللحوم مثلما يحدث فى دول المناخ البارد. ولكن الله عوض دول المناخ الحار بالجاموس الذى يتأقلم مع مناخها الحار ويصل إلى أوزان كبيرة تفوق أوزان أبقار دول المناخ البارد ويمكن أن نستفيد من التجربة الإيطالية عندما ضاعفت إنتاج الألبان من الجاموس الذى استوردته من الهند حيث يتمتع الجاموس بإنتاج ألبان عالية الدسم مقارنة بألبان الأبقار وله نكهة وطعم مفضل فى نمط إستهلاك منتجات الألبان.
قطاع الزراعة والإنتاج الحيوانى والسمكى سوف يكون القطاع الأكثر تأثرا بتغيرات المناخ وعلينا الاستعداد المبكر له بزيادة مخصصات البحث العلمى الزراعى لإنتاج حاصلات وسلالات متحملة لقلة المياه والعطش والأملاح وارتفاع درجات الحرارة وتعطى إنتاجا أكبر من مياه أقل حتى لا تزيد وارداتنا من الغذاء مستقبلا حتى مع زيادة السكان حيث زادت وارداتنا من القمح مثلا فى عام 2005 من 5 ملايين طن إلى نحو 13 مليون طن حاليا بسبب تراجع مخصصات أبحاث إنتاج الأصناف الجديدة من القمح عالية المحصول والمتأقلمة مع الاحترار العالمى وقليلة استهلاك المياه بعيدا عن الأصناف المحورة وراثيا.
نقلا عن الأهرام